في محاولة منا لوضع تصور حقيقي لحجم الأصوات لكل قائمة من القوائم الانتخابية المهمة في العراق، وكنا في محاولة سابقة بوضع تصور عقلاني لحجم الأصوات التي قد تحصل عليها قائمة الائتلاف الوطني، والتي تدعى بالقائمة الشيعية، ربما نكاية بها، ونحاول في هذه الحلقة أن نتحدث عن قائمة الحزب الشيوعي العراقي، قائمة إتحاد الشعب، والذي يعمل على كامل التراب العراقي ما عدا منطقة كوردستان، حيث هناك الحزب الشيوعي الكوردي، الشقيق الذي انفصل عن الحزب تأكيدا على فدرالية كوردستان العراقية من قبل ما يقرب من عقدين من الزمن، ولكن الشق الكوردي كان قد انخرط في قائمة الائتلاف الكوردي مع الحزبين الكبيرين هناك. لذا فالتقييم سوف لا يشمل كوردستان العراق، هذا إذا استطعنا أن نضع تقييما كميا لقوتها.
ربما ستكون هذه القائمة المفاجئة الكبرى بعد فرز النتائج النهائية للانتخابات. فهي تمثل أطيافا واسعة من العراقيين، ونحاول أن نمر عليها الواحد تلو الآخر حسب أهميته بالنسبة للقائمة.
أوسع شريحة يفترض أن تساند هذه القائمة هي أوساط الكادحين من عمال وفلاحين وموظفين صغار وحتى كبار، وهذه الشريحة تمثل أكثر من ثلاثة أرباع العراقيين، ويفترض أن تكون هي من يدعم هذه القائمة التي تمثل الحزب الشيوعي العراقي، حيث إن مبادئ هذا الحزب من حيث الأساس جاءت لخدمة هذا الطبقات الشعبية الواسعة، وليس هناك شك في حقيقة أن الحزب يعمل من أجل مصالح هذه الشرائح الواسعة، سواء صوتت له أم لا، لكن كون هذه الشريحة الواسعة تعتبر من الشرائح المحرومة من الثقافة في العموم الغالب، كما هي محرومة من كل شيء، لذا فإن مسألة توعيتها بمصلحتها ومدى أهمية تقديم صوتها لمن يمثلها، أمر يعتبر من الأولويات بالنسبة للحزب بعد غيابه الطويل عن الساحة التي كان يجب أن يكون موجودا عليها دائما، لذا ينبغي على الحزب التركيز عليها خلال الحملة التي بدأت بالفعل. ومهما كانت الأرقام التي نضعها الآن سوف تتغير، ربما تغيرا كبيرا، وذلك تبعا لمدى الجهد الذي سوف يبذله الشيوعيين لإقناع الناخبين الذين يمثلوهم بالفعل ويمثلون مصالحهم.
ليس الكادحين من شغيلة اليد والفكر وحدهم من تمثلهم هذه القائمة تمثيلا كاملا، فالنساء هي النصف المجتمع، وتجد بفوز هذه القائمة ما يمكن أن يمنحها أكبر قدر ممكن من الحقوق، ما يجعلها متساوية مع الرجل، فالحزب الشيوعي منذ اليوم الأول لتأسيسه وهو يناضل من أجل نيل هذه الحقوق للنساء، في الوقت الذي نجد هناك أحزاب، بل تيارات تريد أن تنال منهن، ولدينا من الأمثلة الكثير، ولكن لسنا هنا بصدد المقارنة أو التشهير بها، وأمرها صار معروفا للجميع رغم ادعائها العكس، فليس هناك في العراق حزبا يضع حقوق المرآة في قائمة أولوياته كما يفعل الحزب الشيوعي العراقي، لا من ناحية حجم الحقوق التي يطالب بها، ولا من ناحية الإصرار على كون هذه الحقوق تقع من على رأس أولوياته، وهي ما يعتبره الحزب الأساس في تقدم الأمة ومقياس لمستوى رقيها، ولكن بذات الوقت نجد أن هناك الكثير من العراقيات لا يعرفن هذا الأمر، وهناك عراقيات ينتمين لأحزاب أخرى تمنحهن حقوقا محدودة، وهناك أيضا الشريحة الأكبر من النساء الريفيات البعيدات عن السياسة ووسائل الثقافة، ولا يعرفن أصلا أي شيء عن الحقوق التي ينبغي أن يحصلن عليها، وهذا ما يجب أن يركز عليه الحزب الشيوعي العراقي في حملته الانتخابية وتوضيح هذه الحقوق بشكل لا يجرح مشاعر المجتمع ألذكوري في الريف العراقي. أهمية هذا الموضوع تأتي من كون النساء يشكلن نصف المجتمع، كما أسلفنا، ولكن بظل التردي الثقافي الذي نعيشه والفراغ السياسي الذي نتج عنه انبعاث مرجعيات قديمة، كانت قد استنفذت مهماتها منذ وقت طويل، لكن عادت للحياة من جديد، كالمرجعيات العشائرية أو الدينية، وهذا ما سيجعل الكثير من هذه الشرائح الأوسع تضل الطريق وتمنح أصواتها لمن لا يمثلها حقا في العراق الجديد، باختصار، وبظل الثقافة السائدة في الوقت الحالي، يمكن أن يخسر الحزب معظم هذه الأصوات التي ينبغي أن تجير له بالكامل، ما لم ينتبه لهذا الأمر ويكثف من حملاته بالاتجاه الصحيح.
لنفس الأسباب سالفة الذكر لا يمكننا أن نضع تصورا حقيقيا لحجم الأصوات التي يمكن أن تنالها قائمة إتحاد الشعب بعد عودته من جديد للعمل في بيئته الحقيقية، من ناحية، لم يمضي وقت طويل على عودته إلى ساحاته المعتادة بعد غياب طال لمدة تزيد على ثلاثة عقود قضاها في النضال السلبي، ومن ناحية أخرى هو اتساع هذه الشرائح لتشمل معظم مساحات الكتل البشرية المتواجدة في العراق.
هناك ملايين العراقيين في المهجر الذين يقف من خلفهم أبنائهم الذين ولدوا في الخارج وأصبحوا اليوم بعمر يؤهلهم لخوض الانتخابات، وعددهم لا يستهان به فيما لو شاركوا فعلا في الانتخابات، فخلال الحملة الغاشمة على تنظيمات الحزب خلال العام 1978 كان قد غادر العراق خلال تلك الفترة وما تلاها من أعوام ثلاثة عدد يفوق المليون من الشيوعيين وأصدقائهم، معظمهم لم يكن متزوجا آن ذاك، أما الآن فإنه رب أسرة قد يزيد عدد أفرادها على أربعة أو خمسة معظمهم مؤهل للمشاركة في الانتخابات، وربما يكون الرقم مليوني صوت للقائمة من عراقيي المهجر قليلا فيما لو شارك الجميع فعلا في الانتخابات.
الكثير من العلمانيين الكارهين للطائفية والقومية (العنصرية) يمكن أن يجدوا لهم بقائمة إتحاد الشعب ملاذا أخيرا يقف إلى جانبهم الكثير من الطلبة وأبناء الشيوعيين القدامى الذين اكتسحوا الشارع العراقي في معظم أجزاءه يوما ما، وخصوصا الجنوب حيث الفقر الشديد، والسنة العرب، الذين لا يجدون لهم مصلحة بالمنافقين من الذين تحدثوا باسم السنة من دون تخويل من أحد، لابد يجدون بهم بديلا جيدا لأنهم من أكثر الناس بعدا عن الطائفية، بل ويمقتوها ويحاربوها كعدو لدود ويعتروها عقبة كأداء في وجه تقدم العراق فيما لو غذتها تلك القوى السياسية التي راهنت على الصراع الطائفي، ووجدت به الحبل الذي سوف يوصلها إلى مآربها الخبيثة، هذا بالإضافة إلى أن الحزب له قاعدة واسعة في تلك المناطق التي تظم هذا الطيف الواسع من العراقيين، وله كوادره التي ضحت من أجل الوطن ويحترمها الجميع ولا يستطيع أحد المزايدة على وطنيتها أو إنسانيتها.
إن قلة المعلومات المتاحة عن القوائم المنافسة والتي تعمل حقا من أجل القضايا الأساسية في العراق، حيث هناك قوائم ترفع شعارات فارغة من أجل الوصول على مناصب، أو من خلال دفع الأموال للقوائم الفقيرة التي وقعت ضحية لأصحاب الأموال ليضعوا أسمائهم في مقدمة القوائم مقابل تمويل الحملة الانتخابية لهم، وكذا عدم مصداقية الكثير من حملة الشعارات الفارغة من أجل كسب الأصوات، وبالتالي الوصول إلى مآرب أخرى ربما تصب في غير صالح العراق بالكامل، هذه كلها وأخرى غيرها مريبة في أكثر من معنى بالنسبة للناخب الذي أصبح اليوم حذرا جدا، وسوف يجد الناخب العراقي فعلا إن قائمة إتحاد الشعب هي طوق النجاة الحقيقي له في هذا الخضم من القوائم الغير معروفة الأهداف والنوايا، فالحزب معروف لكل الناخبين، وجميع شعارات الحملة الانتخابية لهذه القائمة تعتبر أكثر من صادقة لكون الحزب كان قد جسدها خلال نضاله الطويل عبر أكثر من سبعين عاما متواصلة، وليس هناك حزبا أكثر مصداقية في الشارع العراقي كالحزب الشيوعي، وهذا بشهادة أعدائه قبل أصدقائه، وكذا فإن كل ما جاء في شعاراته الحزبية هو ما كان يعمل عليه الحزب منذ زمن بعيد، فهو حين يقول عراق فدرالي، فإنه كان قد طبق هذا الأمر على نفسه أولا قبل إن يطلب ذلك من الآخرين، وفصل الحزب إلى حزبين مستقلين تماما، واحد لكوردستان وآخر لباقي أنحاء العراق، وهو من قدم أكبر عدد من الشهداء على مذبح الحرية وملئت السجون والمعتقلات بأعضائه حتى ضاقت السجون بهم، فتحولت الملاعب إلى معتقلات للشيوعيين، فهو بلا أدنى شك يعمل فعلا من أجل مبادئه التي ظهرت كشعارات لحملته الانتخابية، ولا جدل في هذا الأمر. وما تزعم الحزب إلى لجنة النزاهة في المجلس الوطني المؤقت إلا إشارة على مدى نزاهة هذا الحزب وتمسكه بشعاراته وقواعد الأخلاق العالية لدى أعضائه وحتى أصدقائه. هذا يعتبر من أهم السباب التي سوف ترضي أوساط المثقفين الواسعة في العراق ومعظم العراقيون في المهجر، حيث إنهم في الغالب من ضحايا النظام المقبور، وضحايا الشعارات الكاذبة، إن لم يكونوا أصلا يساريين، وهذه الشرائح تعتبر واسعة جدا هذا الوقت،
الشيوعيون أكثر من عانى من البعث، فكما أسلفنا لم يبقى شيوعي أو صديق للشيوعيين إلا وذاق الأمرين على أيدي جلاوزة البعث الجبناء، لذا سيكون لهم في الحكومة الجديدة، فيما لو حصلوا على قدر كبير من الأصوات، جولات لإجتثاث هذا المرض الخبيث الذي اسمه البعث من دون ظلم لأحد، لأنهم أكثر من عرف الظلم وذاق مرارته، لذا سوف يكون عقابهم للبعث من خلال القانون العراقي وليس عقابا همجيا كما يفعل البعث بأعدائه، فإنهم أناس حضريون ويعرفون الفرق بين الانتقام والعقاب، وهذا ما يميزهم عن غيرهم بالتعامل مع هذه المواضيع الحساسة.
ولم يعد هناك من يشكك بوطنية هذا الحزب على الإطلاق هذا اليوم، كما كان يفعل أعداء الغد حين يشككون في وطنية الحزب بحجة ولائه للإتحاد السوفيتي، حيث لم يعد هناك إتحاد سوفيتي لكي يخيف أحد، فالولاء للوطن وحسب، وليس أمام هذه القائمة سوى إقامة نظام ديمقراطي فدرالي تعددي في العراق.
موقف الشيوعيون من الدين والمراجع الدينية سواء كانت مسلمة أو غير مسلمة فقد أصبح واضح جدا، وهو موقف الاحترام للأديان بلا استثناء، وليس كما حاول أعدائهم أن يروجون له يوما ما، فقد كشفت الأيام خبث أعدائهم وكيف تسببوا بتلك القطيعة بينهم وبين الدين، وهذا ما ظهر بوضوح من خلال مذكرات الساسة من أعداء هذا الحزب، وكيف عملوا على تخريب العلاقة ودق إسفين بين الحزب والأديان.
موقفهم من قوات المتعددة الجنسية منسجم تماما مع التوجه العراقي العام بالكامل، هو أن ليس لوجودها سبب بعد استتباب الأمن في البلد، وهذا ما سيجعل من الحزب يعمل بلا كلل وبصدق من أجل إعادة الأمن للعراق والعراقيين من أجل أن يهيئ الأسباب الموضوعية لخروج القوات المتعددة الجنسية من العراق، ويعيد السيادة الكاملة للعراق، ولا يعرقل هذا الأمر كما تفعل الكثير من القوى، حتى تلك التي تدعي مقاومة الاحتلال، وهي بذات الوقت تطيل من أمده.
وهناك تيارات علمانية تريد بيع العراق مجانا للغرب، وأخرى لدول الجوار سواء كانت من القوى الدينية أو القومية التي تريد أن تعيد العراق يعتبر ثانيا بعد المصلحة الإسلامية أو العربية، في حين أن الحزب الشيوعي يضع العراق فقط فوق كل اعتبار مهما كانت الظروف، وهذا الأمر قد أصبح معروفا تماما ولم يعد موضع شك من أحد، حتى من أعدائهم الألداء. الحزب الشيوعي، هو الوحيد الذي لا يجد له مصلحة بكل هذه التوجهات المريضة.
الخصخصة، إن حدثت، فهي لا تعني بالنسبة للحزب الشيوعي سرقة المال العام، أو بيعه بثمن بخس، فإن برامج الحزب الاقتصادية يعتد بها وهي من يحفظ للعراقي حقوقه وماله العام، هذا فضلا عن تنميته بشكل متوازن يتماشى ومستوى تطور القوى العاملة في العراق، وهذه الأمور جزءا من أيديولوجية الحزب التي لا يحيد عنها.
أما قوانين التكافل الاجتماعي بالنسبة له ليس مجرد سد رمق لبعض العراقيين، من أجل ذر الرماد في العيون، فإنه بالنسبة لهذا الحزب يعني إن الإنسان يجب أن يعيش بكرامة، وهذا لا يشمل فئة دون أخرى، بل كل أبناء الشعب.
على العكس من جميع الافتراءات التي تتهم الحزب الشيوعي بأنه يريد التفرد بالسلطة، فقد أثبت الحزب في أكثر مناسبة سابقا أنه لا شأن له بهذا الأمر وليس من ضمن برامجه المرحلية وفي أية مرحلة من مراحل نضاله، فقد تفرد الحزب أيام ثورة تموز عام 58 بالشارع ولكنه لم يسعى أبدا للتفرد بالسلطة، في الوقت الذي كان قادرا أن يفعل ذلك بأي وقت يشاء، ولكنه بقي يحاول أن يعمل ضمن جبهة وطنية تضم جميع الأطياف العراقية والاتجاهات السياسية، ولم يخلو برنامج من برامجه يوما ما من هدف يعتبره من أسمى أهدافه وهو إقامة نظام تعددي في العراق ولم يعلن مرة إنه يريد التفرد بالسلطة، وهذا بذات الوقت كان سببا أساسيا وراء ترك الكثيرين العمل في الحزب، لأنهم اعتبروه نوعا من الزهد بالسلطة في حين هو قاب قوسين أو أدنى منها.
إنها حقا قائمة إتحاد الشعب بكل أطيافه السياسية والقومية والدينية والمذهبية، وهم حقا يمثلون كل العراق، ولكن من الصعب جدا وضع تصور واقعي عن حجم الأصوات التي يمكن أن تستحوذ عليها هذه القائمة. بعد هذا العرض الذي يبدوا وكأنه نوعا من التحيز للقائمة، ولكن في واقع الأمر هو من المسلمات بالنسبة للكثير من الناخبين العارفين في حقائق الأمور، وهكذا ستبقى، كما أرى، هي المفاجئة الحقيقية بعد إعلام النتائج النهائية للانتخابات، حيث العراقيين جميعا يعرفون تماما إن كل كلمة كتبها الحزب من شعاراته في الحملة الانتخابية قد خطها فعلا بدماء شهدائه الذين قدمهم على مذبح الحرية.

[email protected]
2004-12-22