كان على حكومة علاوي أن تعيد الأمن قبل أن تجري الانتخابات وأن توفر المستلزمات الضرورية للمواطن خلال الفترة المؤقتة قبل الدخول في المرحلة الانتقالية، لكن مع كل الأسف فشلت حكومة علاوي فشلا ذريعا في إنجاز مهماتها التي وجدت من أجلها، فلا الأمن عاد للبلد ولا المستلزمات الأساسية للناس تم تأمينها، كل ما فعلته حكومة علاوي هو إعادة تأهيل البعث من جديد، والأكثر خطورة هو ما ترتب على سياسة علاوي من أخطار على مستقبل العراق برمته وليس العملية السياسية وحسب، فسياسة احتواء البعث فشلت بأكثر من معنى وصارت وبالا على العراق، فجميع من أعيد تأهيلهم من ضباط الجيش والشرطة والمخابرات صاروا يعملون بتنسيق مع المقاتلين من البعثيين من أجل الإخلال بالأمن، وهذا الأمر لم يعد سرا على أحد، ولا يوجد من ينكر ذلك أو يتنكر له، حتى أن وزير الدفاع البعثي المؤمن بفكر البعث الفاشي، من شدة صلفه، صار يروج لما هو أبعد من مهمته المحصورة بالدفاع العراق، وراح يبشر بفكر البعث من جديد، وحتى إنه يريد أن يحتفل بعيد الجيش المنحل في السادس من كانون القادم، وكأن العراق ملكا صرفا له يتصرف به دون الرجوع لأية مرجعية مهما كانت في البلد. هذا الوزير البعثي يعمل بجد من أجل الإخلال بالأمن بالتعاون مع البعثيين دون أن يأبه لأحد متجاهلا الجميع ولا أدري كيف يسكت عليه من يهمهم أمر العراق من مرجعيات سياسية أو دينية أو حتى عشائرية أو الأمريكان وهم يعرفون تماما ماذا يفعل؟ لم يختلف سلوك باقي الوزراء البعثيين عن هذا السلوك، وعلى رأسهم وزير الداخلية الذي يكافئ من سلم الموصل بأ يعينه مستشارا له في الوزارة على كفائته بتسليم المدينة للقتلة البعثيين بتنسيق محكم، ولم يكن هذا ما فعله وحسب، بل ففي وضح النهار راحوا ينسقون على تخريب ما تبقى من العراق، فوزير الكهرباء لم يفشل وحسب بل نهب العراق هو وبطانته من التجار البعثيين من خلال مكاتبه التي أنشأها في الأردن والتي كانت مصدر ثراء للكثير من أعوانه من البعثيين وعلى حساب العراق، والبعثي الآخر وزير النفط، صار جلاوزة البعث في ظله يهربون أضعاف ما كان البعث يهربه من النفط الخام والمشتقات، بحث صار تهريب النفط يجري على مرأى جميع الناس بلا خجل من أحد، وبقي العراقي يرتجف ليل نهار من شدة البرد العراقي القارص، وباقي الوزارات البعثية لم تكن بأحسن حال من هذه الوزارات التي خربت ما بقي من العراق، ومازال البعثيون يأخذون الأولوية في كل شيء، في التأهيل والتعيينات وفرص لفعل كل شيء، وبقي العربي يدخل مع حقائبهم المليئة بالمتفجرات إلى العراق وكأنهم يدخلون بيوتهم دون أن يعترض عليهم أحد، حتى صاروا يفجرون البيوت بعد أن تعبوا من تفجير السيارات.
اليوم أمامنا واحد من خيارين فقط لا غير:
أولا: إما حل حكومة علاوي وإبدالها بحكومة أخرى بسياسة أخرى غير احتواء البعث، أي سياسة إجتثاث البعث بالكامل من أعمق جذوره، وتمنح الحكومة الجديدة وقتل كافيا لتقوم بهذه المهمة وتحرر أبناء الطيف السني وباقي العراقيين من براثن البعث الذي يتخذ منهم رهينة منذ سقوط النظام لحد الآن، وهذا ما سيوفر فعلا الظروف الآمنة لإجراء الانتخابات.
ثانيا: والصبر على حكومة علاوي لما تبقى لها من فترة قصيرة وإجراء الانتخابات في وقتها المحدد دون الاستماع لأحد.
بدون أحد هذين الخيارين، لا أعتقد أن باستطاعة العراق أن يكون يوما ما بلدا ديمقراطيا بأي حال من الأحوال، حيث أن الاستمرار مع حكومة علاوي، في حال تأجيل الانتخابات، يعني إعادة جميع البعثيين للجيش والشرطة بحيث يصبح من المستحيل حل الجيش الجديد أو الأجهزة الأمنية الجديدة، ما يعني إننا سنبقى تحت رحمة البعث من جديد وكأن شيئا لم يحدث، حيث أن الرهان على نظام ديمقراطي بوجود جيش وقوات مسلحة بعثية يعني كمن يحلم بالمستحيل، بل ما هو أبعد من المستحيل، حيث بعد هذه المرحلة ستكون مرحلة أخرى، سوف يزداد فيها عدد السجون العراقية، ومفارم اللحم البشري، وأحواض التيزاب سوف تعود للعمل من جديد، وزوار الفجر سيعودون من جديد، والتقارير البعثية التي عرفناها سوف تهيأ لها الأقلام من جديد، ومعتقلات التعذيب بمعدات متطورة أكثر سوف تقوم بدل إعادة الأعمار، وحتى مقابر جماعية جديدة ستكون بانتظار نزلاء الجدد، ولابد علاوي قد وفر لها مساحات واسعة لكي تكفي نزلاءها الجدد.
إما إذا رفض العراقي هذا الخيار ليس أمامه سوى الاعتراض المسلح، فالبعثي سوف لن يسلم البلد بسهولة كما سلمه للأمريكان في التاسع من نيسان خلال العام الماضي، إذ لابد من دماء غزيرة سوف تجرف كل ما تبقى من منازل العراق المهدمة، وربما أمواج آسيا التي شهدتها الكرة الأرضية أخيرا أكثر رحمة منها وأقل علوا بارتفاعها.
فهل البلد مستعد لحرب أهلية قد تمتد لأكثر من خمسة عشر عاما في العراق؟
الأمر كما صرح الكثير من الساسة العراقيون """""دونه الدم""""" فهل بقي في عروقنا دماء؟
بظل هذا الوضع، وأمام الخيارات الصعبة في الوضع العراق لابد من الوصول إلى الاستنتاج الذي وصل له الجميع ويخشى الحديث به، فدعوني أصارح الجميع بما لم يستطع أحد قوله، والكلام موجه لأمريكا قبل غيرها، إن العراقي لا يمكن أن يؤخذ من جديد، وقد أثبت التاريخ أن إرادة الشعوب أقوى من أن تفل، وهذه هي فرصة العراقيين الأخيرة، فمن يقرب منها سوف يكون حسابه عسيرا وسوف يرى ما لم يكن بالحسبان، فإذا كان نفر من فلول النظام المقبور قد أرقوا أمريكا خلال ما يقرب من السنتين، وهم لا يزيد عددهم مع من يتخذون منهم رهائن على 2% من شعب العراق، فما الذي ستفعله أمريكا فيما لو نهض العراقيون جميعا؟؟؟؟ وهل أمريكا حقا لديها مشروع بإقامة نظام ديمقراطي في العراق؟ أم مجرد نوع من الاستعمار الجديد تحت مسمى نظام ديمقراطي شكلي بقيادة البعث؟ أي مجرد إبدال وجوه بوجوه بعثية أخرى؟ حيث من يدخل إلى مدن الجنوب لابد يسمع من خلال أطلال المدن التي هدمها البعث وقتل سكانها ألف مرة، لابد يسمع همس الخرائب تقول: فأما النظام الديمقراطي أو الموت بشرف، وليس أمامنا خيار ثالث.
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات