مداخلة على مقال كمال غبريال: الفاشيون الجدد والتانجو الأخير


كنا ومازلنا نتفرج على التهريج الذي حدث وما زال يحدث في الجزائر منذ أوائل التسعينات وقد كنا قبل ذلك ومعه نتفرج على التهريج الذي كان يحدث في أفغانستان، والآن نتفرج على التهريج الذي يحدث في العراق، وما حدث في الرياض والدار البيضاء وموسكو وبالي ومدريد وانتشر في الكثير من بقاع العالم ما هو إلا امتداد لهذه السلسلة من التهريج، والذي يتوج الآن بما يجري علي أرض المملكة العربية السعودية والعراق . . كل هذا التهريج قد أدمناه، ومازلنا ندمنه، وسنظل ندمنه حتى يسكت الشخصان المتسببان فيه، هؤلاء هما رجل القومية العربية الفاعل، ورجل الدين الفاعل (رجل الإسلام السياسي)، كان الأول قــد حول السياسة إلى تهريج، وجاء الثاني ليختطف الدين ويحوله إلى أجندة تهريجية تخصه هو وحده ولا علاقة للمسلمين بها، والآن هما معاً، وبعد أن ركب الأول موجة الثاني وصار دعما وسندا له، بل صار خادماً في بلاطه، هما معاً يحولان الدين والسياسة إلي تهريج.

سكتنا عليهما كثيراً، خوفاً وجبناً وحرجاً، سكتنا عليهما وتركنا لهما الساحة خالية ليسرحا ويمرحا فيها، فما كان من الأول إلا وقادنا إلى هزائم متلاحقة كانت كلها تُحَّول إلى انتصارات لنصدقها بعقولنا المغسولة، ونسكت عليها بأفواهنا المكممة، وكان هذا ثمنا لإنجازات بسيطة ضُخِمت ونُفخ فيها حتى صدقنا بأنه ليس في الإمكان أبدع من ذلك، وسكتنا عليه لكي يُنصِّب نفسه وطناً فقادنا إلى معادة نصف العالم، ثم جاء الثاني لينصب نفسه محتكراً أوحد للدين، فقطع الألسن التي كانت مكممة، وألغى العقول التي كانت مغسولة، فكان أن قادنا ـ والأول في سرجه ـ إلى معاداة كل العالم بعد أن أوهمونا بأنه فاسد ونحن رُسل العناية لإصلاحه، بل قادونا حتى إلى معاداة أنفسنا وكل الحياة.

فعلوا كل ذلك بلا تأهيل ولا حيثيات ولا آليات , بل كان كل تأهيلهم خطباً بكماء صماء مكرورة، حفظها حتى الأطفال، ونصوصاً منتقاة أجادوا توظيفها لخدمة أجندتهم مستغلين في ذلك جهلنا وأميتنا من ناحية، وعاطفتنا الجياشة (الساذجة) تجاه الدين من ناحية أخرى.

كان حصانهم الذي امتطوه في كثير من الأحيان هو قضية الشعب الفلسطيني المظلوم، والذي لم يزدد على أيديهم إلا ظلماً وقهراً وتدميراً، ولو لم يحولوا تلك القضية لأجندتهم الخاصة لكان العالم قد تكالب وتدافع، لرفع هذا الكابوس من على كاهل هذا الشعب المغلوب على أمره، والذي تعتبر قضيته أوضح وأعدل قضية عرفها التاريخ، وعذابا ته ومعاناته يراها كل العالم كل يوم.

بعد كل هذا السكوت (الحرج الخائف الجبان) هل هو أمر غريب أن تكون هتافاتنا تحت قيادة هؤلاء الذين هم خارج نطاق الزمان والمكان ؟

وهل هو غريب أن يكون زعماؤنا وقادتنا – الذين يتحرك شارعنا ليلهج باسمهم ويهتف لهم - هل غريب أن يكونوا هم ألئك الذين يسكنون الأحراش والكهوف والحـُفر؟

وأخيراً هل تواتينا الشجاعة للوقوف في وجوههم لإنهاء هذا التهريج ؟

أم سيستمر الخوف والحرج حتى يأتوا على اليابس بعد أن قضوا على الأخضر؟