توصيف حالة

تجاوبت الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ عام 1948 مع الاستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والدبلوماسية ، وقد تجلى ذلك بالدعم الأمريكي لإسرائيل في أروقة المنظمة الدولية واستخدام الفيتو ضد أي محاولة لاستصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني الأعزل ، وقد توضح التوجه الأمريكي لدعم إسرائيل خلال فترة الانتفاضة ، وقبل ذلك الضغط الأمريكي على المنظمة الدولية التي ألغت القرار الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات الأميركية لإسرائيل برزت بكونها الأهم في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، فحلت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية أو حدت منها على الأقل، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأميركية المتطورة. وفي هذا السياق، قدرت قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل خلال الفترة (1948- 2004) بنحو 89 مليار دولار منها نحو 60 في المائة هي قيمة المساعدات العسكرية، 40 في المائة قيمة المساعدات الاقتصادية، ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأميركية لإسرائيل إلى نحو 92مليار دولار بحلول عام 2005.
قبل عام 1967 كانت المساعدات الأمريكية لإسرائيل تقتصر على المساعدات الاقتصادية فقط، بيد أن توسع إسرائيل في الأراضي العربية عام1967 غير من أهمية إسرائيل في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط ، واعتبر العام المذكور منعطفا تاريخيا بين المرحلة التي كانت تؤدي فيها إسرائيل دورا مهما في إطار المصالح الأميركية، وبين المرحلة التي أصبحت فيها تؤدي الدور الرئيسي لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، وتبعاً لذلك أخذت نسبة المساعدات العسكرية بالتزايد حيث بلغت ذروتها في سنة 1974 وهي السنة القياسية للمساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل خلال الفترة التي تلت نكسة حزيران وذلك لتعويضها خسارتها في حرب تشرين الأول/ أكتوبر 1973 في الجبهتين المصرية والسورية ،وقد ازدادت المساعدات الأميركية الحكومية لإسرائيل مع زيادة الاعتماد الأميركي على دورها في الشرق الأوسط، فوصلت قيمة المساعدات خلال الفترة (1975 -1982) إلى 17804 مليون دولار، منها 66.3 في المائة مساعدات عسكرية، وكان الدعم العسكري في العام 1979 قياسيا خلال تلك الفترة فبلغ 83 في المائة من إجمالي المساعدات في السنة المذكورة ، ومرد هذا الارتفاع في نسبة المساعدات العسكرية، المحاولات الأميركية الحثيثة لتعويض إسرائيل عن انسحابها من شبه جزيرة سيناء المصرية، واقامة قواعد عسكرية ومطارات اسرائيلية فضلا عن رادارات لمراقبة المناطق العربية المحيطة بالدولة العبرية بعد اتفاقات كامب ديفيد التي وقعت بين رئيس مصر السابق أنور السادات ومناحيم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق برعاية كارتر.
استمرت الولايات المتحدة في دعمها المالي والعسكري لإسرائيل فوصلت قيمة ذلك الدعم إلى 17879 مليون دولار خلال الفترة (1983 -1988) ، اذ قدمت الولايات المتحدة الأميركية مساعدة اقتصادية طارئة لإسرائيل خلال العام 1985 بلغت قيمتها نحو 1500 مليون دولار، وذلك لإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي من أزمات التضخم التي بلغت أعلى معدلات في تاريخ الدولة العبرية ، وتوالت المساعدات الأميركية لإسرائيل خلال الفترة (1989 -2004) وبنفس الوتائر السابقة، على رغم حدوث حرب الخليج الثانية وتغير دور إسرائيل الشرق أوسطي، من جهة وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق من جهة أخرى، وبلغت قيمة تلك المساعدات خلال الفترة المذكورة نحو ثمانية واربعين مليار دولار بواقع ثلاثة مليارات دولار سنويا منها مليار ومائتي مليون دولار على شكل مساعدات اقتصادية، ومليار وثمانمائة مليون دولار هي قيمة المساعدات العسكرية.
وقد قدمت الولايات المتحدة خلال بداية عقد التسعينيات من القرن المنصرم مساعدات اقتصادية إضافية لاستيعاب المهاجرين اليهود من دول الاتحاد السوفيتي السابق والذين تجاوز مجموعهم منذ العام 1990 وحتى عام 2004 مليون يهودي يشكلون نحو عشرين في المائة من التجمع اليهودي في فلسطين، ناهيك عن مساعدات عسكرية بحجة تعويض إسرائيل عن ما يسمى أضرار حرب الخليج الثانية.
وبالنسبة إلى مستقبل المساعدات الأميركية لإسرائيل، فهذا يرتبط إلى حد كبير بالعلاقات الاستراتيجية الأميركية الإسرائيلية، من جهة، وبنفوذ اللوبي اليهودي في مراكز القرار الأميركي من جهة أخرى، والمتتبع لتلك العلاقة يلحظ إن نفوذ اليهود المنظم في الولايات المتحدة، وكذلك أهمية دور إسرائيل في إطار المصالح الأميركية الشرق أوسطية سيبقي على تلك المساعدات في المدى المنظور، وان الحديث في الأوساط الأميركية والإسرائيلية عن إمكان استغناء إسرائيل عن تلك المساعدات في ظل تحقيق إسرائيل لمعدلات نمو اقتصادي يفوق معدلات النمو السكاني فيها، هو ضرب من ضروب الخيال في المدى المنظور، خصوصا وان تلك المساعدات ساعدت إسرائيل في استيعاب الكثير من المهاجرين اليهود في الماضي، وحدّت من تفاقم بعض المشكلات الاقتصادية الإسرائيلية هذا فضلا عن تمويل التوسع والحملات العسكرية الإسرائيلية المختلفة، ومن بينها تمويل الجيش الإسرائيلي في ارتكاب مجازر منظمة في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية حيث كان الأبرز مجزرة مخيم جنين في نيسان من عام 2002 .

باحث في مكتب الإحصاء الفلسطيني/دمشق