صحيح أن من المبكر جدا"ان نتحدث عن نتائج الجولة المكوكية التي قام بها رئيس الوزراء العراقي الدكتور اياد علاوي، ولكن ذلك لايمنعنا من التعرض لتلك الزيارة والحديث عن الأيجابيات والسلبيات التي رافقتها.
في البدء كان التوقيت أكثر من جيد، حيث كان من المقرر سلفا" لتلك الزيارة أو الجولة أن تبدأ فوراستلام الحكومة المؤقتة لمهامها، ولكن حال الوضع الأمني دون ذلك،وصب ذلك التأخير في مصلحة الدكتور أياد علاوي ونجاح جولته المباركة، كيف؟ لسببين مهمين: اولهما :عودة الرئيس مبارك من فترة العلاج التي قضاها في ألمانيا، والجميع يعلم ما للرئيس مبارك من تأثير كبير ودور لايستهان به في قيادة السياسة العربية والدعم المعنوي الذي يمنحه للحكام والساسة العرب، فكان أستقباله الشخصي للدكتور علاوي بمثابة الضوء الأخضر الذي فتح الطريق أمام سلسلة اللقاءات الأخرى التي أجراها علاوي مع قادة وحكام الدول الأخرى؛أما الشيء الثاني المهم : فهو أكتشاف خلايا أرهابية في الكويت كانت تعد عدتها لاغتيال الدكتور علاوي،وهذا الأكتشاف المبكر لتلك الخلايا الأجرامية أحبط بدوره – ربما - عمليات أرهابية أخرى أكبر كان يخطط لها لأغتيال علاوي في دول مجاورة أخرى، والله أعلم!.
إيجابيات الزيارة كثيرة، وماحققه علاوي للعراق خلال تلك الجولة المكوكية والجهد الذي بذله في سبيل توضيح وتبيان الرؤية المستقبلية واستراتيجية العراق الجديد تحت راية الحرية والديمقراطية والأنفتاح على الآخر التي ترفف فوق رؤوس العراقيين جميعا" دون استثناء،وازالت تلك الغشاوة و رفع البرقع عن بعض الوجوه العربية التي تخندقت في الجهة المعادية للعراق وأتخذت من عداءها لأميركا وسياساتها حجة وشماعة تعلق عليها كل الأخطاء التي ترتكب ضد أبناء شعبنا العراقي المظلوم!.
فتح صفحة جديدة من العلاقات مع سورية يسودها الأحترام المتبادل وتبطنها العلاقات الأخوية القائمة على المصالح المشتركة بين البلدين وبما يخدم الشعبين الشقيقين؛وبالرغم من الدور الذي لعبته سورية سابقا" والمتمثل في تقوية علاقاتها مع نظام صدام ومد جسور الصلح والإنبطاح الكامل لرغباته وتطلعاته وبغظ النظر عما كان يذوقه العراقيين من ويلات على يد النظام البائد في أناء الليل وأطراف النهار، ومن ثم لعب دور مخجل ربما مازال مستمرا" حتى لحظة كتابة هذه السطور ويتمثل في دعم أو حتى التغاضي عن الجماعات الأرهابية التي اصبحت تصول وتجول في أرض الرافدين وكله بمباركة بعض دول الجوار والتي تقف سورية في مقدمتها!، أقول بالرغم من كل ذلك فاننا نتطلع الى فتح تلك الصفحة البيضاء النظيفة التي أراد الدكتور علاوي أن يسجل فيها كل الحسنات التي ستجمع الأشقاء من جديد، وتمحى منها كل سيئات الماضي أو حتى الحاضر، سورية بإمكانها أن تلعب دور كبير في إعادة استقرار العراق، وفي إعادة إعماره، كما أني أكاد أجزم أن الموافقة السورية على طلبات علاوي سوف تعيد للعراقيين أمنهم المفقود هذا من جانب، أما من جانب آخر فإن التعاون اللبناني( لاننسى هنا دور اللبناني في دعم بعض الإرهابيين وإرسالهم الى العراق )مع الحكومة العراقية سيكون تحصيل حاصل خاصة وأن الجارة الكبيرة( سورية) قد وافقت وبالثلاثة – ليس لسواد عيون العراقيين بل من أجل مصالحها وهذا ليس بعيب -على الإنفتاح والمشاركة في نجاح المشروع العراقي والمساهمة فيه حتى يرى النور. وما ينطبق على سورية ولبنان بالتأكيد ينطبق على الأردن التي أغراها علاوي باعادة ضخ النفط المجاني لها من جديد، وفتح الأسواق العراقية أمام البضائع القادمة من عمان و بشكل كامل.
أما فيما يتعلق بسلبيات جولة علاوي فهي أعتماده على نفس الطريقة أو النهج الذي كان ينتهجه البائد صدام في مد الجسور مع الجيران والأشقاء العرب وحتى مع الغربيين وذلك من خلال توزيع ثروات العراق على كل من هب ودب وأمداد هذا البلد أو ذلك بخيرات العراق وفي مقدمتها( النفط ) تلك السلعة التي استفاد منها كل العالم الا العراقيين أنفسهم! ومن جانب آخر فأن التعاطي بالسياسة لا يعني بتاتا" الذوبان في المجاملات الشخصية على حساب مصالح الدول نفسها، وهذا ماكان يؤخذ على علاوي، حيث دأب السيد رئيس الوزراء على اللعب بكرة المجاملات ورميها في ساحات الرفاق ذات اليمين وذات الشمال دون أن يكون هنالك أي تقدير لما كان ومازال يعاني منه العراقيون من معاملة سيئة على أيدي حكومات بعض الدول العربية وخاصة
بعض دول الجوار العراقي،كما أن تلك الممارسات تتناقض بالكلية مع الشعار المرفوع ( العراق أولا") والذي أعتمد في العراق الجديد ليكون بمثابة عهد أو ميثاق شرف بين الحكومة و شعبها المسلوب حقه!.

لم تكن تصريحات حازم الشعلان وزير الدفاع العراقي سوى الملح الذي أكسب طبخة علاوي طعما" خاصا" ونكهة طيبة، ولا أتفق مع من يلوم الشعلان على الأنتقادات اللاذعة والهجوم العنيف الذي وجهه للأسلامية حتى العظم ايران، فنحن بحق بحاجة لمثل تلك التصريحات،لكي يعلم الجميع ان العراق ليس باللقمة السائغة وأن أرضه ستبقى عصية على كل من يحاول أستغلال الوضع الحالي وفرض أيدلوجيته ورؤيته الخاصة على شعب بأكلمه. لم تعكر تصريحات الشعلان ولم تلبد سماء رحلة علاوي بالغيوم السوداء،بل على العكس تماما" فأن لتلك التصريحات- كما أسلفنا - فائدة جمة ستجعل من يستهدف العراق في الخفاء وتحت جنح الظلام يتخذ موقف الدفاع وليس الهجوم، وتجعله يفكر ألف مرة قبل أن يقترف أي جرم ضد العراق والعراقيين.

[email protected]