بين فترة واخرى تطل علينا اجزاء اخرى عن قصة ابو غريب، وكلما تحاول الايام المليئمة بالاحداث في جو مثل العراق ان تنسينا تلك القصة يظهر لنا فجئة فصل جديد من احداثها الدراماتيكية ليفتح الباب وراءه امام فصل قادم اكثر اثارة من سابقه ولا يعلم احد متى تطل النهاية.
توبيخ لسبعة ضباط، ثم توبيخ آخر لاربعة وعشرين ضابطا آخرين اضافة الى توجيه لوم الى ابي زيد ذلك الجنرال المعروف في قيادة المنطقة الوسطى للجيش الامريكي، ثم نفي من قبل الادارة الامريكية والجهات المتكفلة بالتحقيق بوجود سياسات عامة في ممارسات التعذيب ضد المعتقلين وآلياته مع اعترافها بوجود مزاج عام بين جميع المتورطين في اجواء تلك الفضيحة...، ذلك هو ما تكرمت بكشفه بعض الجهات الامريكية، سواء كانت لجان تحقيق او وسائل الاعلام ولعل ما خفي كان اعضم، فالقصة ساهم في بطولتها اطراف كثيرة متنوعة... فضباط ومساعدون، محققون في الاستخبارات وفي الجيش، مساهمات في التحقيق من اطراف ليست امريكية، صحف امريكية وكلاب بوليسية، وللقصة اطراف ظل اخرى قد تكشفها الايام القادمة متى شاءت اقدار الكواليس، فألف صورة بين متحركة او ثابتة اطلع عليها الرئيس الامريكي بنفسه وقصص كثيرة لا يمكن لمن يستوقفها مع تأملات ولو مستعجلة ان يختزل القصة في تسلية الجندي الامريكي كما يتسلى الاطفال بالدمى بل ان الحكاية تتجاوز ذلك بكثير، الملف بكل تأكيد يحمل في رحمه الكثير وهناك ايام قادمة سوف تكشف بعض ما فيه من اسرار الا ان تلبدات الغيوم في سماء ابو غريب لا يمكن على الاطلاق ان تمنع التقاط بعض المؤشرات الكبيرة والتي قد يكون في مقدمتها ان هناك ( بالتاكيد ) سياسة امريكية في التحقيق على علم كامل بان فضائح الجنس والعري تشكل نقطة ضعف بالغة الاهمية في نفوس العربي والمسلم بشكل عام وتخلف اثار نفسية قوية جدا، اضف الى ذلك مخلفاتها الاجتماعية الخطيرة على السجناء فارادت ان تستثمر تلك النقطة بالذات، ولعل الحجم الهائل من الوثائق والصور في هذا الجانب واعترافات بعض المتهمين في تلك القضية يعطي ذلك التوجه مصداقية اكبر.
الا ان وجود سياسة عامة في التعذيب او مزاج عام كما عترف به التقرير الذي اصدرته لجان التحقيق لا يستبعد التقاطه اخرى لا تقل اهمية عما سبق يمكن تصيدها فيما ظهر من وثائق حتى هذه اللحظة وهو حالة التسلية والاستماع في تعذيب واذلال السجين من قبل اطراف ( في نهاية المطاف ) من المفترض انها قادمة من مجتمعات مدنية ذات تأريخ ديمقراطي طويل..لكنها وبكل ما تلتزمه في بلدانها من قيم انسانية وقانوينة ابدت وجها بشعا مغايرا تماما لما كانت تبديه في بلدانها، نعم هذا هو الانسان حيثما نشأ واينما كان يبقى في اعماقه وجهان وجه الخير بكل ما يحمله من لطافة وعقل وانسانية، ووجه آخر للشر يعكس البشاعة بكل مالها من اشكال والوان، لكن البيئة والاجواء التي تحيط به قد تساهم في ظهور احد الوجهين، وهكذا هو الامريكي بشر وليس ملاك كما يحلو للبعض ان يقدمه للآخرين، آدمي كما بقية البشر لا تدور حوله الشمس، تلك الظاهرة تستدعي وقفة متأنية من قبل المراقبين واصحاب القرار واعادة النظر في الجرعة الكبيرة من الثقة الممنوحة للجانب الامريكي من قبل اصحاب القرار العراقي بل يستدعي ذلك المشهد توخي الحذر في مصائر المعتقلين في ابو غريب سيما وان الاعتقالالت تجري في اجواء غير طبيعية في العراق فالسجون العراقية قد تحمل في اروقتها ابرياء ساقهم اليها سوء الطالع او وشاية كاذبة.
ثم ان هنالك فصل بقي غائبا حتى هذه اللحظة ونستغرب من غيابه الملحوظ فلماذا لم نشاهد حتى الآن لافتات على غرار المعادة للسامية في ملف ابو غريب؟! تلك اللافتات التي تعود الجميع على مشاهدتها كلما فتحت قصة كان اليهود طرفا فيها حتى اتخمت اذان الجميع من السامية وممن يعاديها.

كاتب عراقي
[email protected]