بعد أن إختفت أخبار العراق من أجهزة الإعلام الأمريكية، بدأت الآن صورة الوضع السئ الذي تعاني منه القوات الأمريكية في العراق بالظهور مرة أخرى في الإعلام الأمريكي مما يدل على أن العراق الذي تحتله أمريكا والمتعاونين معها قد بدأ يثير زوبعة لم يتمكن حتى إعلام اليمين الأمريكي الفاشي المتطرف أن يسدل عليها الستار. فإشتداد حدة المقاومة ونمو التعاون بين فصائلها من أجل إيقاع أفدح الخسائر بقوات الإحتلال وقوات الأمن العراقية التي شكلوها لحماية الحكومة العميلة التي نصبوها في العراق كانت من أبرز الأسباب لظهور إسم العراق مجدداً على السطح الإعلامي الأمريكي. إضافة لذلك، كان قرار الإدارة الأمريكية تحويل مبلغ 3.5 مليار دولار مما يسمى بأموال إعادة إعمار العراق إلى دعم النظام الأمني لقواتهم ولحكومتهم المعينة هناك أكبر دليل على ما تعانيه أمريكا من المستنقع العراقي الذي تورطوا فيه وحيث تدعي الإدارة الأمريكية بأنها تحاول ضبط الأمن بدلاً من إعادة الأعمار!!! فالمقاومة المسلحة التي تزداد إستعاراً في معظم مناطق العراق أجبرت الإدارة الأمريكية، على سبيل المثال، على التفكير في إنقاذ الحكومة المصطنعة التي شكلوها من خلال عدم إشراك مناطق غرب العراق في مهزلة العملية الإنتخابية التي ينوون القيام بها، لا بل الأكثر من ذلك هو تفكير الإدارة الأمريكية الجدي بتقسيم العراق كما ورد على لسان كولن باول مؤخراً لإعتقادهم أن ذلك قد يوفر لقواتهم في العراق وحكومتهم العميلة الأمن والإستقرار.

وما حدى بالإعلام الأمريكي للعودة الى التركيز على الوضع المزري لوجودهم في العراق هو ما بدأ التصريح به العديد من أعضاء الكونغرس الأمريكي حين قال أحدهم " أن الوجود الأمريكي في العراق قد دخل مرحلة الخطر "، وهذا نفسه ما عبر عنه أيضاً كبار المحللين السياسيين الأمريكان المرتبطين بشكل أو بآخر بمركز الدراسات الستراتيجية الدولية ومعهد بروكلين ممن ليس لهم إرتباط بالإدارة الأمريكية والذين توقعوا أن يتحول العراق إلى لبنان آخر، أي أن حرباً أهلية قد تشتعل فيه. ومن هذا التحليل يبدو أن الأمريكان والصهيونية العالمية يفكرون بإشعال حرب أهلية في العراق لا يعرف مداها إن إشتعل أوارها.
إن التحليلات التي خرج به هؤلاء المحللين تؤكد بأن ضربات المقاومة الباسلة قد أعاقت بشكل كبير ما كانت ترجوه الإدارة الأمريكية من إستتباب لأمنها ومن دفع لعجلة الإقتصاد العراقي بالإتجاه الذي رسموه له. ومن هنا يبدو أيضاً وبشكل واضح أن إستعمار العراق وإعادة بناءه وفق الأجندة الأمريكية لم يجري وفق ما رسمته وترسمه أمريكا وينفذه لها عملاءها في العراق، ولم يكن قرار الإدارة الأمريكية بتحويل مبالغ طائلة للأغراض الأمنية من أموال ما يسمى بإعمار البنية التحتية للعراق التي دمرتها حربهم الإجرامية إلا دليل أنهم لم يهتموا على الإطلاق بتوفير الرخاء للعراقيين الذي طالما تبجحوا به حيث إعترافوا مؤخراً أن العراق يعاني من مشاكل لا يمكن حصرها في مجالات عديدة منها الصحة والتعليم، وأن آلاف الطلبة قد تركوا الدراسة من أجل مساعدة عوائلهم في بلد فيه أعلى مستوى للبطالة في العالم.

والمفرح في الأخبار التي تنشرها وسائل الإعلام الأمريكية هو إعترافها لأول مرة، بالرغم من عدم نشر الحقيقة كاملة، أن الضربات التي توجهها المقاومة الرائعة للإحتلال قد أصبحت بمعدل 80 عملية في اليوم الواحد. وحسب تقديرات وسائل الإعلام تلك فإن تلك الضربات الصاعقة للمقاومة تعني زيادة قدرها أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل عام من الآن، كما أنها تمثل 25 بالمئة أكثر مما كانت عليه في ربيع العام الماضي عندما واجهت القوات الأمريكية إنتفاضة الفلوجة البطلة ومدن عراقية أخرى. بل المفرح أيضاً أن ما توقعته القوات الأمريكية من إنحسار لعمليات المقاومة ضد قواتها بعد تعيينها للحكومة المصطنعة أو مايسموه "نقل السيادة" لم يتحقق، بل على العكس من ذلك حيث شهدت الساحة العراقية من شمال العراق إلى جنوبه تصاعداً كبيراً في عمليات المقاومة الباسلة حيث قتل عدد أكبر من قوات الإحتلال في شهري تموز وآب من هذا العام مقارنة بما قتل لهم في الشهرين الأولين أثناء وبعد إحتلالهم للعراق، كما وأن جرحاهم في شهر آب من هذا العام فقط هو ضعف عدد جرحاهم أثناء عملية إحتلالهم للعراق. وما يضنه ريتشارد آرميتاج وكيل وزارة الخارجية الأمريكية أن عمليات المقاومة المسلحة ضد الإحتلال وضد حكومة علاوي وقواها الأمنية ستنحسر تماماً بعد مسرحية الإنتخابات المقبلة التي يخططون لها ستنقلب بالتأكيد إلى عكس ما يتوقعوه كما حدث عندما توقعوا بإنحسارها بعد تنصيبهم لحكومة علاوي العميلة.

كما أن أروع ما خلصت إليه تقارير المحللين الأمريكان هي الحقيقة التي أجبرت على نقلتها وسائلهم الإعلامية وهي أن المواطن العراقي ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تخرج فيه قوات الإحتلال من العراق، إضافة إلى أن العراقيين أصبحوا يدعمون قوات المقاومة بشكل علني، وبهذا يرى هؤلاء المحللين أن أمريكا بدأت تفقد سيطرتها في العراق. فبعد كل التعتيم الإعلامي على أخبار المقاومة لم يجد الإعلام الأمريكي بداً من أن يعترف بأن أكثر من 36 مدينة هي تحت سيطرة القوات المقاومة للوجود الأمريكي في العراق وللحكومة التي نصبوها، وأن قيادات المقاومة قادرة على تجنيد مقاتلين وإنتحاريين متى شاؤوا وبكل سهولة، وهذا ما يتمثل بالعمليات البطولية التي تقوم بها كافة فصائل المقاومة وفي معظم المدن العراقية.

إن القادة العسكريين الستراتيجيين في الجيش الأمريكي وجنرالات متقاعدين مقتنعين الآن أكثر من أي وقت مضى أن الحرب على العراق قد خسرتها أمريكا مسبقاً، حيث يقول أحد هؤلاء وهو الجنرال المتقاعد وليام أودوم " إن بوش قد خسر عندما لم يجد الأمريكان أسلحة الدمار الشامل المزعومة أو إرتباط العراق بالقاعدة، وخسر بوش والإدارة الأمريكية كذلك عندما لم يتمكنوا من تحقيق الديمقراطية التي وعدوا العراقيين بها، ويضيف قائلاً " إن فكرة إنشاء قوة أمنية عراقية تدربها قواتنا ونتوقع منها أن تهزم المقاومة التي لم نستطع أن نهزمها نحن فذلك هو أكبر الغباء، وأتوقع أن تكون حربنا في العراق أكثر مرارة من حربنا في فيتنام ". ويشارك أودوم برأيه الدكتور أندرو تيريل، أستاذ الستراتيجيات في معهد الدراسات الستراتيجية لكلية حرب الجيش الأمريكية حيث قال " إننا نرى مقاومة تنمو وتسيطر على عدة مدن ويتوقع لها أن تتسع لتصبح أكثر قدرة على إلحاق الأذى بالقوات الأمريكية وقوات الأمن للحكومة التي نصبناها هناك، وكل ذلك نتيجة للسياسات الخاطئة للإدارة الأمريكية ". وأضاف يقول " كما أننا نرى مجاميع جديدة للمقاومة تنمو بإستمرار، ونرى هجمات على قواتنا أفضل من السابق، إضافة إلى أن المقاومة تتجدد ذاتياً، فمن يقتل منهم يعوض بعدد أكبر، وكذلك يجب أن لا ننسى بأن الثقافة السياسية في العراق هي أكثر معاداة للأمريكان، وكل ما طال بقاءنا هناك كلما إزدادت عدوانية العراقيين علينا. إنني لا أرى مخرجاً لذلك فنحن بدأنا بفتنمة حربنا في العراق، لذلك فلو خرجنا من العراق من دون حدوث حرب أهليه فذلك يعني إنتصار لنا!!!! ".

وحول بدأ فتنمة الحرب الأمريكية في العراق التي أشار إليها ذلك الخبير الحربي في الستراتيجيات العسكرية الأمريكية لا بد هنا من مقارنة للحرب الأمريكية على العراق وإحتلاله مع الحرب في فيتنام، حيث توقع كبار الجنرالات الفيتناميين أن الأمريكان سيواجهون خسائر فادحة في العراق بعد أن يواجهوا حرب عصابات مدعومة من الشعب، وأن خسائر الأمريكان مستقبلاً ستكون جسيمة جداً خصوصاً بفقدان التأييد الشعبي الأمريكي لبقائهم في العراق. وبالنسبة لهؤلاء القادة الفيتناميين فإن الشبه بين فيتنام والعراق واضح جداً وأن حرب فيتنام أصبحت موضوعاً يحرق الأمريكان منذ إحتلالهم للعراق حيث أنه يمثل درساً تأريخياً لا زال نافذ المفعول. وبهذا يتوجب على المقاومة العراقية أن تتذكر أن الفيتناميين لم يحاوروا الأمريكان طالما هم كانوا موجودين على أرض فيتنام، إذ أنه طيلة مقاومة الفيتناميين للأمريكان، رفضت المقاومة الفيتنامية التفاوض أو التحدث مع الأمريكان بأي صيغة من الصيغ إلى أن أعلنوا قرار إنسحابهم. وما أكده القادة الفيتناميون من خلال خبرتهم في مجال حروب العصابات على مدى سنوات طويلة أنه بمضي الوقت ستزداد خبرة المقاومة العراقية وتتحسن نوعيات ضرباتها الموجعة للعدو وتكتيكاتها العسكرية حيث سيكون لها متسع من الوقت لتدريب أعداد جديدة من المقاتلين للإنضمام إلى صفوفها، وتلك هي فاجعة قوات الإحتلال في العراق.

بعد هذا الإعتراف بفشل أمريكا في إحتلالها للعراق ونمو وتصاعد المقاومة الباسلة التي بدأت ضرباتها توجع ليس المحتلين وأعوانهم فحسب وإنما كل من وقف مع العدوان على العراق وهيأ له وساعد فيه بشكل أو بآخر، ظهر علينا بالأمس أمين عام الأمم المتحدة الأمريكية ليعلن، بعد تردد طال أمده أو ربما صحوة ضمير، أن إحتلال العراق لم يكن عملاً شرعياً. ورغم كل تلك الأدلة على عدم مشروعية الإحتلال وفشله وتصاعد المقاومة له يوماً بعد آخر لا زلنا نرى العديد من القوى السياسية والدينية التي تدعي وقوفها إلى جانب قضية الشعب والتي تتحكم بمشاعر المواطن العراقي وتسلبه حقه في مقاومة الإحتلال، نراها تقف متفرجة وصامتة على الأهوال والجرائم التي ترتكبها هذه القوات وقوات الحكومة العميلة ضد أبناء شعبنا في العديد من المدن العراقية. لا بل والأغرب من ذلك هو رغم إعتراف أمين عام الأمم المتحدة بأن الحرب على العراق وإحتلاله كان عملاً غير شرعي الأمر الذي يعني أن كل ما نتج عنه غير شرعي أيضاً، نجد أن هؤلاء وخصوصاً منهم القابعون في دهاليز وأقبية الأماكن المقدسة يتعامون عن هذه الحقيقة، بل ويدعون لدعم مهزلة ما يسمى بالإنتخابات التي يعرف العراقيون نتائجها قبل حدوثها، إضافة إلى تعاون هؤلاء وبشكل وقح وغير أخلاقي مع تنظيمات وأشخاص داخل العراق مرتبطين بشكل علني ليس فقط بأجهزة المخابرات الغربية بل وبإسرائيل التي تعمل عناصر مخابراتها وشركاتها على مرأى الجميع في أرض العراق الطاهرة.

ومع إقتراب فجر الحرية والخلاص من المحتلين وعملاءهم على أيدي أبطال المقاومة الشجاعة ستبقى كالحة وجوه أولئك الذي هادنوا الإحتلال ومرتزقته وتعمدوا إهانة العراق وشعبه.