"أنا لا أكن أي احترام للشعب العراقي بشكل عام. أنا لا احترمهم. أنا اعتقد أنهم مجموعة من ما قبل التاريخ، نعم لديهم أعذارهم. فمن المؤكد إنهم أُرهبوا، وإنهم لم يعرفوا الحرية على الإطلاق، وما شابه ذلك. أعذارهم افهمها. لكن لا يجب علي احترامهم بسبب ذلك. أنك تعرف بان هنالك أمريكيين يموتون وهم يحاولون تأسيس نوع من الديمقراطية هناك ومع ذلك فان فقط اثنان في المئة من الشعب تقدر ذلك. لقد حان الوقت لبعض الحكمة. الدرس الكبير هو إننا لا نستطيع التدخل باستخدام قوات أرضية في العالم الإسلامي بعد ألان. الذي نستطيع فعله هو قصفهم لحد إخراج ضوء النهار منهم كما فعلنا في البلقان، قصفهم دون قوات أرضية بعد ألان، لا لمحاولة كسب القلوب والعقول بعد ألان، هذه أساليب غير نافعة لا نهم قوم متخلفين بدائيين."

بيل اورايلي، محلل ومعلق سياسي في شبكة فوكس الأمريكية


لا اخالنا مجانبين للصواب والموضوعية إذ ما وصفنا صاحب السطور أعلاه وشبكة "فوكس" الأمريكية بالعنصرية والانحطاط الخلقي والحضاري. فالمعلق وشبكته قد استحقا هذا الوصف وبجدارة من خلال إصرارهما على تبني أكثر المواقف عنصرية وعداء للعرب والإسلام بشكل عام والأقطار والقوى العربية المناهضة لمخطط التوسع الأمريكي بشكل خاص.
نحن هنا لسنا بصدد استعراض مواقف هذا العنصري التافه والرد على تخرصاته، أو تحليل أهداف برامج الشبكة اليمينية المتطرفة المعادية للعرب والإسلام، بل نود أن نستثمر هذا الطرح العنصري البغيض والخطاب الاستعماري المتعالي لتعرية طروحات ومواقف كتاب البنتاغون العرب ووعاظ المحتلين المبشرين بقدوم المخلص الأمريكي، ورسالته الديمقراطية ومشروعه الحضاري ودوره في إرساء أسس العدل والسلام في المنطقة العربية؟!.
لقد برهن كتاب الاحتلال خلال المرحلة المنصرمة على قدرتهم على رصد ومجابهة كل من يتعرض إلى آل بوش وقبيلتهم المحافظة بالنقد والكشف، واثبتوا مقدرتهم الفائقة على رصد ما يتعارض مع توجهاتهم وتوجهات أسيادهم من عبارات ومواقف تتضمن نقدا أو تجريحا( بالمنقذ )الأمريكي، حتى وان وردت في خطبة جمعة لإمام مسجد في اصغر قرية من قرى الصعيد المصري، أو اصغر مسجد في الريف المغربي أو بادية الشام، إلا إنهم يتغافلون عن تصريحات بهذا المستوى من العنصرية والبذاءة.
اورايلي هذا لا يمثل صوتا منعزلا أو مغردا خارج السرب الأمريكي، بل انه يشكل صوتا معبرا عن فلسفة قبيلة تحتكر صناعة القرار السياسي في الإدارة الحالية. وللأسف يعبر أيضا عن أراء شريحة أمريكية واسعة لا يمكن تجاهلها. اورايلي بدون شك صوت معبر عن ثقافة متغطرسة مؤمنة بالقوة المفرطة، ونتاج عقيدة تستند على فكرة إن الحروب تشكل ضرورة اقتصادية واجتماعية ملزمة للمحافظة على مستوى مقبول من الرفاهية والاستقرار الاقتصادي. اورايلي والمدرسة العنصرية التي ينتمي إليها ما هما إلا نتاج مجتمع تأسس وازدهر من خلال اختزال الآخرين وتصفيتهم، والتوسع على حساب أراضي الغير ومصادرة حقوقهم عن طريق خلق حروب مستندة على مبررات برهنت الحقائق التاريخية زيفها بشكل لا يقبل المناقشة. مجتمع تتصاعد شعبية رؤسائه لتبلغ أرقاما قياسية اثر شنهم حروبا واعتداءات غاشمة وغير قانونية وإنسانية على الشعوب الأضعف!؟.
ثمة ملاحظات لا بد من تثبيتها على ما طرحه هذا العنصري الحاقد.
أولا: بيل اورايلي ليس الأمريكي الوحيد الذي لا يكن احتراما لشعب العراق. فاركان الإدارة الأمريكية برهنوا وفي أكثر من مناسبة على إنهم لا يملكون أدنى درجات الاحترام لشعب العراق. فمن يحتل شعبا ويصادر خياراته، ويدمر هياكله الاجتماعية والاقتصادية، ويغتصب أبناءه ويبطش بهم فانه بالتعريف، وفي الواقع،لا يكن احتراما لهذا الشعب.
ثانيا: من الواضح إن سبب سخط وحنق اورايلي وموقفه العنصري تجاه شعب العراق يكمن في خيبته من رفض 98% من هذا الشعب لمشروع استنساخ الديمقراطية الأمريكية في العراق، وبناء دولة هامشية مرتبطة بقرار( المحرر ) الأمريكي!.
الغريب أن يسهى اورايلي في لحظة من لحظات تجلياته العنصرية فيكشف عن حقيقة يرفض كتاب البنتاغون قبولها. نعم يا اورايلي إن غالبية شعب العراق ترفض النموذج اللقيط والمشوه للديمقراطية التي تسعى الإدارة المحافظة في واشنطن إلى فرضه على شعب العراق وشعوب المنطقة. فشعب العراق مدرك وبشكل واع لأبعاد المشروع الأمريكي، وهو متيقن تماما من عدم مصداقية وجدوى مشروع الحقن الديمقراطي الأمريكي. كيف يمكن تحقيق خطوات ديمقراطية في الوقت الذي تفرض فيه إدارة بوش حكومة عميلة متكونة من عناصر فاسدة وعميلة لم يساهم شعب العراق و بأي شكل من الإشكال في اختيارها؟
كيف يمكن بناء نظام ديمقراطي في الوقت الذي عملت فيه الإدارة الأمريكية على تغييب المواطن العراقي ومصادرة حقوقه الوطنية، وإلغائها لكل احتمالات الرجوع إلى صناديق الاقتراع لتحديد مستقبل العراق؟


ثم لماذا يتوقع اورايلي من شعب العراق إن يرحب بمشروع الديمقراطية الأمريكي في الوقت الذي يعاني فيه من بطش وإرهاب القوات الأمريكية؟ وكيف يتوقع أن يتغافل شعب العراق عن الجرائم( الحضارية) في سجون العراق؟.

ثالثا: لا شي يدل على درجة حضارة ورقي وإنسانية اورايلي أكثر من اختياره القصف المدمر للمسلمين ومدنهم كحل نموذجي للتعامل معهم. هذا الطرح العنصري بدون شك يشكل نموذجا لثقافة الانحطاط والعنف التي تتسم بها المدرسة الاجتماعية والسياسية التي ينتمي إليها اورايلي. مدرسة لا تؤمن إلا بالعنف والقتل والتدمير وسيلة لحسم وإدارة الصراعات والنزاعات الدولية وأداة لتراكم الثروة.
رابعا: من أكثر ما طرحة هذا العنصري المتطرف مدعاة للازدراء والشفقة هو وصفه لشعب العراق( بالبدائي والمتخلف)!. إن مساهمة شعب العراق ودوره في رفد وتطوير الحضارة الإنسانية بديهية تاريخية مسلم بها لا يستطيع هذا العنصري الصفيق تحريفها. ان حضارة العراق والعراقيين،التي يمتد عمرها إلى حوالي ثمانية ألاف عام، لا يمكن مقارنتها بالدور الهامشي لمجتمع اورايلي الذي خرج إلى العالم كبلد مستقل قبل حوالي 200 عام. وهنا يجب إن نقولها بقوة لأولئك العرب المتبجحين بحضارة العم سام، وما قدمته إلى المجتمع الإنساني. من المؤكد أن درجة الرقي الحضاري للمجتمع لا يمكن قياسها من خلال ما يقدمه ذلك المجتمع من سلع إنتاجية واستهلاكية، ولا يمكن قياسها في حجم توفر السلع الاستهلاكية، وتوفر منتجات الرفاهية والأسواق المركزية الهائلة، بل من خلال سلوك المجتمع وخاصة قياداته، ودورهم في بناء المكون الثقافي الإنساني، ومن خلال تعامله مع التحديات الإنسانية وأسلوبه في حسم الصراعات وابتعاده عن سياسية البطش واستخدام القوة المفرطة واحترام إرادة الشعوب والالتزام ببنود وفقرات القوانين والبروتوكولات الدولية.
لبيل اورايلي والى عرب "الستاربكز" وكتاب البنتاغون نقول: إن مشروعكم ألاحتلالي مشروع فاشل. وهو لا يختلف، من حيث الطبيعة، عن المشروع التوسعي النازي فاورايلي يشجع لسياسات التصفية العرقية التدميرية للعرب والمسلمين، لذلك فان شعب العراق وقواه الوطنية الملتزمة بالمرجعية الوطنية الشريفة يدركون أبعاد هذا المخطط الخبيث، و يرفضون بقوة الهيمنة الأمريكية على ثرواته ومقدراته. كما وان العراق سيبقى كما كان بلد العطاء الحضاري والهوية العربية شاء المحافظون الجدد الأمريكان منهم أو العرب أم آبوا.