ماهذا؟!

أي نوع من البشر نحن؟!

وأي انحطاط حضاري وأخلاقي أسوأ من هذا الانحطاط الذي يعيشه العرب في القرن الواحد والعشرين؟!

يقتل الأبرياء في كل مكان باسم ديننا الذي يحرم القتل.

يتم تخريب المنشآت العلمية والاقتصادية والحضارية انتقاما لهزيمة طاغية ورحيل نظام قمعي.

يمارس الفساد في أبشع صوره دون محاكمة لمرتكبيه.

يـُــحارب الشرفاء والمبدعون حتى أصبحت الساحات خالية إلا من اللصوص والخونة والمرتشين وإن تلحف بعضهم بعباءة دين، ووقف فوق منبر ديني أو إعلامي، يغير عباءته كل يوم لتتناسب مع ما يجلب إليه المنفعة على حساب القيم التي يتشدق بها، ويلبسها شكلا ولا يعتقد فيها إيمانا بجوهرها.

أمة عجيبة: يتسيد منابرها الجهلة والظلاميون والإرهابيون والمرتزقة، في ظل شبه غياب تام للعقول المستنيرة والأصوات الحرة. حتى أصبح العالم ينظر لنا عبر ما يمثله الرعاع منا، الذين تبوأوا منابر العلم والحكمة والمعرفة، لابفضل عقولهم وحكمتهم، وإنما بفضل استغلالهم للوضع العربي المتردي، الذي حارب النور سنينا طويلة فحل محله الظلام، وعادى الحق فاستبد الباطل، وشوه الحقيقة فانتشر الزيف. لتجد الأمة أنها أصبحت رهينة عصابات سياسية ودينية وثقافية لا علاقة لها بأخلاقيات السياسة التي تبني شعوبا حرة، ولا بأخلاقيات الدين التي تربي أجيالا كريمة وفاضلة ومحبة للحياة، ولا بأخلاقيات الثقافة التي تصنع شعوبا تفكر بعقولها كي تهزم الجهالة والظلالة والتخلف.

من حسن حظ الشعوب الحرة، أنها أصبحت تعيش في عالم مترابط، بفضل وسائل الاتصالات الحديثة، كالفضائيات، والانترنت، وغيرها مما أنتجته إبداعات الحضارة الجديدة التي لم يكن العرب شركاء فيها سوى بما يقدمونه من حين لآخر من خلال تفجيرهم لطيارة أو سيارة أو مرفق اقتصادي.

ومن سوء حظ العرب: أنهم جزء من هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة. لأن ما أبدعته هذه الحضارة من إنجازات علمية متطورة كالفضائيات والانترنت وغيرها، قد جعلت العالم يتعرف على العرب كأمة تتفاخر بأنها من أحسن الأمم. لكنها لم تختار من يمثلها خير تمثيل كي يبرز الوجه الحقيقي لهذه الأمة إن كان لها وجها غير هذا الوجه الذي لا يعكس سوى حضارة القتل والخطف ومحاربة كل شيء حضاري!

فإذا بالعالم يتعرف على العرب كأمة تكره العلم والناس والحياة، وإذا بهم يشاهدون هذا العربي في كل مكان يبرز الدين الإسلامي كدين للقتل والكراهية والبغضاء والعنصرية.

ولا لوم على من يعتقد أننا أمة متخلفة، مادام أن فضائياتنا ومن يتحدثون نيابة عن أمتنا من رجال دين وفكر وسياسة هم من يبرزون تلك الصور البشعة والقبيحة التي لا يمكن أن يقبلها عقل ولا يأمر بها دين ولا أخلاق ولا رب.

كل الشعوب الحرة تتوق إلى إرساء قواعد الديموقراطية لدول يتمتع فيها الإنسان بكامل حقوقه. وفي عالمنا العربي: يتم تخريب ما تحقق من بعض وسائل الديموقراطية.

البرلمانات: التي تمثل الشعوب الحرة ترفض أن تمس قواعد الديموقراطية، وبرلماناتنا المزيفة تقضي على ماتم بناءه من بعض " ديموقراطية ".

الدول المتحضرة: تغزو بلدانا أخرى مفتخرة بنشرها للديموقراطية، وبعضنا يغزو بلدا عربيا متفاخرا بتحطيمه لديموقراطية على وشك التأسيس.

كل الشعوب الحرة: تمارس حقها في المناداة بتطوير مناهج التعليم كل أربع سنوات بالرغم من المستويات العظيمة التي وصل إليها الإنسان الحر بفضل تلك المناهج المتطورة.

وفي عالمنا العربي: يتم رفض أي تطوير لمناهج لم تنتج لنا من يصنع "قلما صغيرا"... فمتى سوف نصنع طائرة؟!.

أين المثقف الحقيقي في عالمنا العربي؟!

لماذا لايرفع صوته عاليا ضد هذا القبح الذي أصبح يتحدث باسمنا في كل مكان رافضا كل تطور علمي وحضاري.

من سلم عقل الأمة لهذه الأصوات التي تمثل العرب أسوأ تمثيل عبر الفضائيات؟! في عصر نحن أحوج فيه إلى كل صوت حر وشريف ومتنور!

كيف أنزوى صوت المثقف العربي الحقيقي في كل مكان من هذا الوطن العربي الذي يلفه الظلام من كل جانب؟!

عدا بعض الأصوات الحرة التي تصرخ هنا وهناك ولا يسمعها إلا القليل.

ولم هذا الصمت ضد ما يرتكب في حق هذه الأمة ممن ينتمون إليها؟!

الذين يذبحون أبناءها، والذين يسرقون ثرواتها، والذين يتاجرون بقيمها، والذين يعتلون منابرها دفاعا عن ظلم أو جريمة مقابل ثمن مادي يتم لأجله بيع قيم الدين والفضيلة.

الفساد والإرهاب: كلاهما وجهان لعملة واحدة هي: التخلف الفكري الذي جعلنا نقبع في مؤخرة الشعوب المتخلفة.

لأن تخلفنا الفكري: جعلنا أمة تمجد الطاغية وتأسى لرحيله، وتحتقر الإنسان الحر، وتتفاخر بأنها أمة لم تمارس الحرية.

الحرية في قاموس العرب الفكري: ممارسة الرذيلة.

ولأن العرب أمة لا تمارس الرذيلة، فقد اختاروا أن يكونوا عبيدا لا أحرارا.

إنه الانحطاط الأخلاقي الذي يؤدي إلى انقراض الأمة!!

[email protected]