هبانا الله عقل لو استعملناه بصورة صحيحة وسليمة، لحققنا لنفسنا ولمن حولنا الكثير من الامور المحمودة، ولو استعملناه بصورة سيئة، فسنعمل على التدمير والتخريب، والعقل هو مجموعة الخبرات المكتسبة، التي يراكمها الانسان في الدماغ، ومن هذه المراكمة يمكنه ان يبدع في امور كثيرة، قد تكون في ساحة حرب، او الساحة الثقافية او الاجتماعية وهلم جر، وليتمكن العقل من الابداع، لا بد ان يكون عقلا ناقدا، عقلا شاكا، اعتقد ان ديكارت هو القائل انني اشك اذا انا موجود، اذا هذا الفيلسوف العظيم والذي يعتبر بحق احد اعمدة الحضارة الحديثة، يربط الوجود بالشك، والشك هو نقيض اليقين الايماني، اليقين يدعو الى السكون والقناعة، والشك يدعو الى البحث والتطوير والحركة، ان فلاسفة عصر الانوار، كان ديدنهم البحث في كل اليقينيات، لم يتركوا شيئا لم يبحثوا فيه، لم يبقى لديهم من مقدس الا الانسان، الذي من اجله كان كل هذا الجمال وابداع الطبيعة، وحدث حراك اجتماعي عظيم، مجتمعات برمتها، اخذت بالفلسفة الحديثة، سيرا نحو التقدم والتحديث، فلسفة انتجت مواثيق حقوق الانسان، مساواة الرجال والنساء، الضمان الاجتماعي، ضمان البطالة ومئات الالاف من القوانيين التي تحفظ كرامة الانسان وحياته، هذا ناهيك عن التقدم التكنولوجي، الذي يتم وضعه لخدمة الانسانت وتطوير قابلياته، ومنها هذا الجهاز الذي يقبع في زاوية من غرفنا، والذي بواسطته نتخاطب ونتحاور ونتواصل مع مختلف بقاع العالم.

في بداية القرن التاسع عشر، احتل نابليون بونابرت مصر، واصيب العرب بالصدمة الحضارية، ومنذ زمن الطهطاوي، يسأل العرب لماذا تقدمت اوربا وتخلفنا نحن؟ والسؤال لا زال من دون اجابة، لا بل ان دول كانت متخلفة حينذاك، ولكنها استفادت من الصدمة الحضارية، واخذت باسبابها، اسباب التقدم الاوربي، وهو العقل وتحريره من الاوهام، وهكذا نرى اليوم ان اليابان وكوريا وغيرها من الدول التي لا يمكن اعتبارها من وريثي التراث الاوربي ( للمؤمنين بالعامل العنصري في التطور)، تتنافس مع ارقى الدول الاوربية، وفي كل مجالات الابداع الانساني.

ان تغييب العقل في التتحكم بكل الامور، لم يشلنا ثقافيا واجتماعيا بل، خلق نظاما سياسيا قمعيا، هذا النظام الذي فوض فئة قليلة حق التفكير عن الكل، مما ولد الاحتقانات، مما شجع الارهاب، مما ساعد على انتشار نظريات المؤامرة، في كل مجالات حياتنا، ان مجتمعاتنا المأزومة
وامام مشكلاتها الازلية الغير القابلة للحل، بوجود الفئة الحاكمة، وبطانتها ممن يطبلون لها ليل نهار، وامام ادراك حكام المنطقة ان اي تنازل لصالح الشعب، يعني فتح باب ينقل حكامنا الى الجحيم، لذا نرى هذا التشبت بالقيم والدين، كاخر ما يستر عورتهم.

ان الفئات الحاكمة في المنطقة، هي بؤرة انتاج الارهاب، لانها اعتمدت في كل حلولها لمشاكل المنطقة على القمع، وتفقير المجتمع من كل الاصوات الداعية للدخول الى العصر، هذه الفئات الضالة والفاقدة للشرعية، عملت كل ما بوسعها، لالهاء الشعب عن المطالبة بالحريات، بحجة القضية الفلسطينية وبحجة الخوف على الاسلام من التهديدات الغربية ومن الافكار الدخيلة وصيانة المجتمع من الدعوات الى الرذيلة وهلم جر من الاسباب التي سيقت من اجل البقاء في السلطة لاطول اجل ممكن، على حساب المجتمع وتطلعات ابناءه المشروعة، والا كيف يمكن لنا ان نفسر ان العالم كله تطور وحقق خطوات الى الامام، سواء في مجال قوننة الحقوق او زيادة المطردة في الدخول الفردية والناتج الاجمالي لاغلب دول العالم، عدا الدول العربية، لو اخذت كمجموعة، برغم امتلاكها (الدول العربية) الثروات الكثيرة؟.

ان تشبث الحكام بعدم ادخال الاصلاحات الجذرية الى البلدان التي يحكمونها، يعني اصرارهم على بقاء التخلف، والتخلف الاساسي هو التخلف الفكري، هذا النوع من التخلف يخلق الانسان المتزمت النابذ للاخر، المتشبث بالماضي وكل ما احتواه، الخائف من المستقبل وكل وعوده، ان اصرار هؤلاء الحكام يعني، انهم على استعداد ان يقودوا شعوبهم الى الهاوية، لكي يبقوا في السلطة، ويقودوا مجموعة من العبيد الفاقدة لكل الحريات، ان الحكام لم يجدوا ما يحميهم، بعد الفشل الكلي في قيادة مجتمعاتهم، الا اللجوء الى الاسلام كملاذ، يدعون الدفاع عنه، ويشجعون كل الحركات الدينية المتطرفة، وكل ما يحد من حريات الاقليات والنساء، لا بل يكمون افواه المعرضة من الاكثريات بهذه الحجة الواهية التي لم تعد تنطلي على احد.

لكي تدخل المنطقة الى العصر، فيجب ان يتم البدء من الكتاب المدرسي، فيجب ان يكون ميثاق حقوق الانسان ضمن المنهاج المدرسي، فيجب ان تتحول الدولة الى دولة لكل مواطنيها، ان تكون دولة علمانية، فكفى خداع الناس بخلق مؤسسات تسمى دولة اسلامية، وما هي في الحقيقة، الا مؤسسات لحماية الحكام والايدولوجيات التي يعتنقونها، المطلوب اليوم حراك اجتماعي قوي يصر على الاصلاح، لكي نخرج شعوبا واوطانا من هذا النفق المظلم الذي وضعنا فيه حكامنا الاشاوس.