كنت فور وقوع مذبحة الشجاعية قد قررت الكتابة عنها لأنها تستحق منحها الوقت والجهد والتفكير أكثر من غيرها من المواضيع الساخنة، فالضربة مؤلمة والخسارة كبيرة، أكبر من الخطابات والمواساة بكلمات عابرة وخطب إعلامية لا تفيد.
ثم ان من واجب كل صاحب قلم وطني أن يعطي المجزرة حقها. ولكي تأخذ القضية حقها يجب ان يبتعد المرء في معالجته لها عن العاطفة وأن يتعامل معهابشكل موضوعي ودقيق.

لقد كان هذا الموضوع الحساس جدا على جدول كتاباتي ينتظر وقتا مناسبا لترجمته كلمات على الورق او عبر شبكة الانترنت. وقبل ان ابدأ الخوض فيه انشغلت بأعمال أخرى وضعته جانبا. لكنني لم انسه ابداً. لأنه موضوع يجب ان لا يمر مرور الكرام، ونقول هذا من باب الحرص على ارواح ابناء فلسطين وابطال المقاومة. ويجب ان لا يفهم من كلامنا اننا ندين حركة حماس او نستغل هذه القضية للتشهير بها، فنحن لسنا من هؤلاء القوم، حيث اننا لم نكن منهم لا امس ولا قبل اليوم. لكن المرتجى من مقالتنا هذه هو ان يكون ابناء المقاومة أكثر حرصا ويقظة وحذر وان تبدأ الفصائل الفلسطينية حملات توعية وتنظيف من داخلها، هذا كي تتجنب الخسائر الفادحة كما حدث في مجزرة الشجاعية.

قلت ان الموضوع كله كان مؤجلا بسبب الانشغالات الأخرى، لكنه اليوم خرج من حجزه خاصة بعد ان وصلتني رسالة – بيان - صادر باسم عائلات شهداء مجزرة حي الشجاعية يسألون فيه عن المسئولين عن تجميع هذا الكم الكبير من المقاتلين
القساميين في مكان واحد، بالرغم من حالة التأهب القصوى المعلنة في صفوف المقاومة الفلسطينية بشكل عام وحركة حماس بشكل خاص.

السبب الرئيس في الكتابة هو حجم المجزرة و من يتحمل مسئوليتها، نفهم ان طائرات و دبابات الاحتلال الإسرائيلي هي التي نفذت المجزرة بوابل من الصواريخ والقذائف التي انهمرت على معسكر صيفي لمقاتلين من حركة حماس وجناحها العسكري عز الدين القسام. لكن الذي لا يمكن فهمه هو عدم تحمل المسئولية من قبل القائمين على المعسكر، إذ كيف يمكن لتنظيم نفذ عملية مزدوجة نوعية، قوية وموجعة في عمق الاحتلال أن يسمح بإقامة هكذا معسكر وفي مناطق لا يمكن حمايتها إلا من قبل الله وطيور الأبابيل القادرة على رمي الاحتلال بحجارة من سجيل.

حقيقة يجب على حركة حماس برغم الجراح أن تعترف بأنه كان هناك تقصير وخطأ وربما وشاية او خيانة او سوء تقديرفي عملية التجميع والموافقة على إقامة معسكر يضم العشرات في خيامه المكشوفة والموجودة تحت سماء لا مدافع فيها ولا طائرات تحميها من عدوان الغزاة. ويجب سؤال المعنيين عن كيفية موافقتهم على مكوث أكثر من مائة قسامي، يعني مائة استشهادي مفترض في معسكر كهذا وفي وضع كالذي تمر فيه القضية الفلسطينية عامة ويمر فيه قطاع غزة خاصة.

بعد عملية بئر السبع القوية وما قتل وجرح فيها من صهاينة كرر أكثر من قائد إسرائيلي نية جيش الدفاع الصهيوني الثأر من حماس، وذهب شارون الى حد القول انه سيغتال خالد مشعل في قلب سفارة ايران في دمشق. عندما يسمع المرء هكذا تهديدات خطيرة يجب ان يأخذها على مجمل الجد، خاصة ان الصهاينة كان سبق واغتالوا الشيخ احمد ياسين غير مبالين بوضعه الصحي ورمزيته وكرسيه المتحرك الذي يعتبر حصانة إنسانية، لكن إسرائيل لا تعترف بالحصانات الإنسانية مثل عدم اعترافها بالقرارات الدولية.كما كان الصهاينة اغتالوا معظم قيادات حركة حماس السياسية والعسكرية من الأب الروحي للاستشهاديين القساميين الدكتور الرنتيسي حتى مهندس حماس يحيى عياش. لذا كان واجبا على مسئولي الحركة عدم الموافقة على إقامة المعسكر المذكور أو إغلاقه فورا بسبب ما سيترتب حدوثه بعد العملية في بئر السبع.

يقول الاهالي في بيانهم انهم وبعد ثلاثة ايام من مواراة أبنائهم الشهداء الثرى فانهم يوجهون خطابهم للأخوة في حماس الذين " ارتكب بعضهم جريمة لا تغتفر بحق الأبناء الشهداء"..

وسأل البيان عن التالي: " أولاً/من هو الشخص أو المؤسسة التي قامت بتجميع 100 مقاتل من عز الدين القسام في مكان واحد، ومن هو صاحب القرار؟؟؟


ثانياً/ هل كان هذا التجمع هو التفسير الحقيقي لحالة الاستنفار القصوى التي تحدثت حولها بيانات حماس؟؟؟!!!.

ثالثاً/ لماذا يقزم الناطق باسم حماس (سامي أ. زهري) أبناءنا بعد استشهادهم ويصفهم بأنهم أعضاء في مخيم كشفي تابع للحركة!!!!! نحن نعرف أبناءنا جيداً ونعرف بطولاتهم التي سطروها لحماس، فلماذا الادعاء بعد استشهادهم بأنهم كشفيين وليسوا قساميين؟؟؟


رابعاً/
منذ متى كان ابن الخامسة والعشرين ينضم لمعسكر كشافة ينظم عادة للصبيان دون الخامسة عشر؟؟!!!!.

خامساً/ ثم جاء الناطق الآخر باسم حماس (مشير المصري) ليقول أن ما حدث في الشجاعية هو فشل لحكومة شارون … فإذا كان حجم الدم الذي أسيل والأرواح التي زهقت في الشجاعية هو فشل لحكومة شارون، وإذا كان تصفية هؤلاء الرموز هو فشل فماذا يعني النجاح لدى قادة حماس؟؟؟!!! "..

طبعا هذه مطالب وتساؤلات عادلة لعائلات فقدت أبناءها في مجزرة بشعة كان يمكن تجنبها بالحيطة والحذر. وعلى قيادة حركة حماس ان ترد عليها وتتعامل معها بجدية وبروح مسئولة، فكما عرفنا من تجارب الحركة وتاريخها فأن حماس أظهرت تلك المرونة والصراحة في كثير من المناسبات السابقة. فليس عيباً ان يعترف الإنسان بالخطأ خاصة اننا تعلمنا من ثقافتنا وعاداتنا وديننا ودنيانا ان الاعتراف بالخطأ فضيلة. كما انه ليس عاراً أن نقول اننا ارتكبنا خطأ أو غلطة مكلفة، فمن لا يخطأ لا يتعلم. وتكريم الشهداء لا يكون فقط بالثأر لهم عبر توجيه ضربات للعدو وتصعيد المقاومة بل بالعمل حرصا على عدم تكرار مثل تلك الأخطاء الفادحة.