المجتمع المدني هو ذلك المجتمع اللذي تعشعش فيه التيارات الفكرية والتحركات التوعوية الفعالة بعيدا عن الانفلات، علما ان نوات تلك التشكلات نابعة من ذات المجتمع وتنمو وترعرع فيه لا تلك القوى المؤسساتية اوالتشكلات المفروضة من قبل الدولة فانها قد تبدو حالة غريبة تقابل بردود فعل رافضة من قبل المنسوج الاجتماعي او المنظومة الثقافية والفكرية للمجتمع ذاته ، وبعيدا عن تجاذبات الخلافات في تحديد هوية المجتمع المدني فانه من الافضل وضع الاصابع على ملامح ومفرادات المجمتع المدني في ارض الواقع، فالاحزاب السياسية وتعدديتها مجتمع مدني ، النقابات دلالة على المجتمع المدني، التشكلات ،الثقافية ،الصحافة ،وسائل الاعلام الحرة وغيرها معالم ومشرات على مقولة المجتمع المدني.
ولا توجد هنالك ثمة عينة محددة في العالم يمكن ان تكون نموذج لمقولة المجتمع المدني بالامكان تكرارها في بيئة اخرى، وذلك لان كل بيئة لها مجتمعها المدني الخاص فيها نتيجة لوجود منظومة ثقافية سياسية وتاريخية فكرية لكل جماعة بشرية... فمثلا بعض النقابات غير التابعة للدولة في امريكا او اوربا تعد من مظاهر المجتمع المدني، بينما في مجتمعات اخرى يمكن اعتبار احزاب معينة او تشكلات وفعاليات قد تنشا او تقام في اماكن مقدسة كالمسجد مثلا يمكن اعتبارها في سياق المجتمع المدني شريطة امتلاكها خطاب ينهض بمستوى تحديات المرحلة ومرونة فكرية تجعلها في نسق ديناميكية السباق الزمني مع التنمية في مجالاتها المختلفة ، لا تلك التي ترفع المصحف وتكبر باسم اللاهوت على انغام دراما الدم.
وذلك يمكن القول ان مقولة المجتمع المدني تتمتع بدرجة كبيرة من النسبية والتفاوت بين مجتمع واخر، ولكن بنفس الوقت فان توفر الخصوصية في كل بيئة ومجتمع لا تلغي مساحة ليست صغيرة من المشتركات في مكونات المجتمع المدني اينما حل وفي اي بيئة كان، كالبرلمان ملا فانه لاتوجد بيئة مجتمع مدني بلا برلمان فعال يضمن الحيوية الدستورية ويكون امينا على ذمم ومصالح الشعوب، وكذلك لا يمكن تجاوز تجارب بعض المنظمات والعمل المؤسساتي المنظم المطلوب.
نتيجة لذلك فان العراق وبذلك النسيج العراقي المتشابك بكل تعقيد، يحاول البحث في طيات نفسه عن نموذج مدني مناسب يشكل نفس الحياة المدنية في العصر الحديث في بلد على شاكلة العراق ، وليس من الحكمة بمكان محاولت اسقاط التجارب الاخرى بكل خصوصياتها على الحالة العراقية اذ ان ذلك سوف يزيد الطين بلة ويستفز بعض مكونات المنظومة العراقية مما يولد ردود افعال عكسية تناوء بقوة توجهات العجلة الثقافية نحو مسارها المطلوب.
كاتب عراقي
[email protected]
- آخر تحديث :
التعليقات