هدى ولدت في يوم ولادة رسول الهدى وسميت هدى على ذلك اليوم العظيم... تربطني بعمها كثير من ذكريات العمر.

هدى هي عراقية قبل أن تكون بعثية وأن أصبحت بعثية.. هذا طبيعي.. من كان يجرأ الا يكون في زمن صدام.. خاصة وقد ذهب أبيها مسموما (حسب ما جاء على لسان رئيس الوزراء في مقابلة مع العربية).

هدى أمرأة.. قبل أن تكون بعثية وعالمة كيماوية.. ووزيرة.. ثم سجنت.. لكنها عراقية.. مسلمة.. وأنها أمرأة.

لها تاريخ مع البعث.. نعم.. ومن كان يجرأ أن يرفض تاريخا يخططه صدام. وليس لصدام قدرة على منح مثل هذا الخيار، أما البعث أو الموت بأنتظارهم من لا يسير على الخط.. والا لذهبت أسباب حفر المقابر الجماعية لا وجود لها الان..؟ ولا كانت حروب بعثية عبثية مع دول الجوار أيران وغزوالكويت..

كان صدام قدر العراق السيء.. وكان قدر هدى أن تكون عراقية.. لا أكثر...؟

أستطيع أن أتخيل هدى.. وهي صغيرة تذهب الى الروضة في الاعظمية.. لكن لا أستطيع أن يستوعب ذهني أن أرى هدى في سجون الاحتلال.. سجن داخل سجن وهو وطنها العراق والذي أعتقدت أنها تستطيع أن تخدمه عن طريق حزب البعث.والسجن الثاني هو سجن المطار الرهيب.. والسجن المخيف هو داء السرطان الذي يتمدد بجسدها الشاب بدون قيود وبدون رعاية طبية.

أيوجد حالة تعيسة كالتي تمر هدى عماش الآن؟

أسأل نفسي وهدى نفس الطفلة التي أعرفها ترقص في مخيلتي.أيجوز أن أتخلى عن أنسانيتي لاترك هدى تتعذب بسبب النظام الذي حرمها من أبيها والنظام الذي وضعني بالسجن وجعلني أشاهد كيف هو تعذيب السجون للمساجين وكيف كان الموت يرقص على عصا غليظة تنال من أجسام السجناء والمعتقلين.. أم أرتفع بأستثنائي واضع قاطعا بين مشاعر عذابات السجن وبين ما أحمله من روح سامية خاصة وأن هدى العراقية المسلمة أبنت أخ صديقي ناهي عماش هو مدار هذه المقارنة.. ثم/.. وثم كبيرة جدا وعلامة أستفهام؟ أضعها أمامي لاردد ما هي خطورة هدى أذا ما أطلق سراحها.. في أنتظار محاكمة عادلة.. وحتى تستطيع أن تعالج نفسها بين أحضان والدتها كي تستطيع الدفاع عن نفسها.وهذا ما يجب أن يكون من التعامل الانساني مع كافة السجناء العراقيين في سجن أبي غريب وغيرها وتحضرني الذاكرة ونقلا عن والدي القاضي في محكمة كبرى في بغداد والذي يرأسها مستشار أنكليزي آنذاك أسمه (أدموند) أصدروا قرارا في الثلاثينيات وفي عهد الانتداب وصودق عليه تميزا بهيئة عامة موسعة جاء فيه بالحرف الواحد أن المتهم (س)قضى في الموقف (سجن)(أعتقال) أسبوع واحد ولم يصل التحقيق والادعاء العام
على أثبات ما يبرر أحالته على المحكمة المختصة مما يخالف حقوق الانسان والدستور. عليه أن يطلق سراحه فورا أن لم يكن معتقلا بسبب قانوني آخر. هذا هو وضع العدالة في بدء تكوين الحكومة العراقية.

أيرضى القانونييون وذوي الضمير وذوي الهاجس الوطني أن يرمى أولادهم وذويهم ومن يلوذوا في زنزانات السجون وغرف التعذيب لمدة قد تزيد على أثنى عشر شهرا.

هل أن الماكنة العالمية بقوتها في العالم ستكون بخطر من وجود هدى!!؟خارج السجن.

أن رئاسة محامين بلا حدود تتوجه الى الضمير الانساني أن يعيد النظر في تعامله مع من يضعهم ويضع مصيرهم بأيدي خارجية يساء التعامل معها ضمن أطار العدالة.

ولا أعتقد أن أي شخص يعاني في داخله من ظلم النظام بضمنهم هدى كونه تسبب في قتل أعز الناس عليها وهو والدها أن تخلص في عملها لذلك النظام الظالم.

أن الحالة القانونية للمواطنة العراقية هدى هي أنها متهمة بقضية معينة.

وأن التحقيق لا زال جاريا وأن سلامة التحقيق يتطلب أعتقالها لكن التحقيق طال وأنها مريضة وأن السرطان يستفحل بداخلها. وأن الخشية من هروب هدى متلاشية تماما حيث أن لها عنوان ثابت.. ممكن الاستدلال عليها من خلاله.. ولا أمل من خشية الاختفاء أو الهروب أو السفر.. لانها مريضة وتحتاج الى رعاية وحنان أهلها عليها.وبالاخص والدتها لان الحالة النفسية في مثل هذه الامراض تساعد على الشفاء.. أمها التي ترملت جراء ظلم صدام وهذا كان ينمو في داخل هدى.

وهذه الام حالها كحال آلاف الامهات العراقيات اللآئي أجبرتهم الظروف أن يكونوا ضحية حزب البعث.

وقد عوملوا بقسوة من قبل النظام واليوم يحاسبون على أنتماءهم للبعث.. هذه الحالة ليست بها عدالة وعلى الامريكان أن يعيدوا النظر في حربهم على البعث كأفراد ولا رحمة بالمسيء ولكن العدالة وكل العدالة مطلوبة للذين لم يسيؤا الى العراق ولم يستفيدوا من حزبيتهم الموهومة لانهم بعثيون في الاسم فقط وهم مكرهين على حمل مثل هذا الاسم.

نحن مع العدالة.. نحن مع تطبيق القانون ونؤمن بالتعاون الانساني حتى مع الذين أصابونا ما أصابوا من ظلم وتشريد وحجز أموال....وأدخلوني سجن أبي غريب لمدة أربعة سنوات عاقبها تشريد لمدة خمسة عشر سنة وفقدت كل شيء الا ضمير حي أنساني يطالب بمساعدة المظلوميين.

والمسامح كريم.

بقلم المحامي خالد عيسى طه

رئيس منظمة محامين بلا حدود

ونائب رئيس جمعية المحامين

البريطانية/العراقية

E mail [email protected]