هنالك حالة من الهيستيريا بدأت تجتاح أوساط العراقيين في الأسابيع الأخيرة سواء ممن هم في الداخل أو في المنافي أسمها هيستيريا الأنتخابات.. ففجأة وبدون سابق أنذار أصبح الشغل الشاغل للكثير من العراقيين هو أجراء الأنتخابات في نهاية الشهر الحالي وكأن العراق لم تعد فيه مشكلة سوى أجراء الأنتخابات من عدمها بل وكأن كل ما يحدث في العراق من مصائب وكوارث هو بسبب عدم أجراء الأنتخابات.. فالبعض يتصور ويحاول أن يُصوّر للآخرين بأن أجراء الأنتخابات في موعدها المقرر بالذات هو العصى السحرية التي ستحل جميع مشاكل العراقيين وستنهي معاناتهم في حين يرى البعض الآخر بأن أجراء الأنتخابات في مثل هذه الظروف بالذات وبدون معالجة بعض الأشكالات الموجودة على الساحة السياسية العراقية سيزيد من مشاكل العراقيين وسيضاعف من معاناتهم.. ونتيجة لذلك فقد أنقسم العراقيون بين مَن يُصِر على أجراء هذه الأنتخابات في هذا الموعد بالذات مِن دون تأخير وبين مَن يرى تأجيلها لبعض الوقت لحين أستتباب الوضع الأمني وتوفر الأرضية المناسبة لأجرائها في جميع أنحاء العراق والآن تطور هذا الأنقسام الى ما يشبه المواجهة بين هؤلاء وأولئك وخصوصاً على مستوى وسائل الأعلام سواء في داخل العراق وخارجه أضافة الى أننا قد بدأنا نشهد في هذه الأيام نوعاً من المزايدات بين العراقيين خصوصاً من طرف من ركبوا الموجة وأصبحوا ديموقراطيين أكثر من جان جاك روسو تجاه الأغلبية الصامتة المثقفة من بعض العراقيين.

لقد بات معروفاً لدى الجميع بأن يد الأرهاب أصبح بأمكانها الوصول الى أكثر المناطق حصانة في الدولة وما أستهدافه للمنطقة الخضراء التي تمثل الحصن الحصين للحكومة المؤقتة وللقوات المتعددة الجنسيات بشكل شبه يومي ألا دليل على ذلك بل أن الأرهاب تمكن حتى من تعكير صفو الأحتفال الخجول الذي أقامته الحكومة المؤقتة في السادس من الشهر الجاري أحتفالاً بذكرى تأسيس الجيش العراقي بعد أستهداف مسلحين مجهولين لاذوا بالفرار كما قيل لذلك الأحتفال الذي حضره كبار الشخصيات سواء من الحكومة المؤقتة أو من مسؤولي القوات متعددة الجنسيات.. لذا فمن غير المنطقي أن نطلب من المواطن العراقي البسيط الذي أصبح في هذه الأيام يخاف على أهله وعياله حتى وهو في داخل بيته أن يكون ديموقراطياً ويتوجه الى مراكز الأقتراع ونحن نعلم أن في داخله خشية من أن يكون هدفاً للأرهابيين وأعداء الديمقراطية سواء كان ذلك أثناء توجهه الى مراكز الأقتراع أو أثناء وجوده في هذه المراكز التي هدّدت قوى الظلام باستهدافها في يوم الأنتخابات هذا طبعاً بالأضافة الى تهديد هذه القوى بأستهداف منزل كل من يتوجه الى هذه المراكز.. فهل بعد كل هذا ندعي بأن الظروف مهيأة لأجراء الأنتخابات؟.. هل هي دعوة للعراقيين من قبل الأدارة الأمريكية وبعض القوى السياسية العراقية للأنتحار الجماعي؟.. ألا تستحق دماء العراقيين التي أُهدرت بما فيه الكفاية خلال السنوات الماضية بغير حق وحساب التروي بعض الشيء وأعادة الحسابات بما نحن مقبلون عليه؟

وهنا أرجوا ممن يرَون ما لانراه ويعلمون ما لانعلمه كما يدّعون أن ينوّرونا ويجيبونا على بعض الأسئلة السابقة أو اللاحقة ولكن بموضوعية رجاءً وليس كما يفعل جميع من ألتقيناهم ممن حفظوا جملة أو جملتين ليجيبوا بهما على كل من يسألهم عن موضوع الأنتخابات..

- هل أن مبرر من يرفعون السلاح بوجه الحكومة المؤقتة في هذه الأيام وهم أقلية هو عدم أجراء الأنتخابات وهل أن أجرائها سيدفعهم الى رمي السلاح والأنخراط في الحياة الطبيعية مع باقي العراقيين ممن لم يرفعوا السلاح بوجه هذه الحكومة وهم الأغلبية طبعاً؟

- هل أن العمليات التي تستهدف أنابيب النفط ومحطات توليد الطاقة الكهربائية هي بسبب عدم شرعية الحكومة الحالية وهل الهدف منها هو أجراء الأنتخابات وبالتالي هل أن أجراء الأنتخابات سيوقف مثل هذه العمليات التي دمّرت أقتصاد العراقيين وحولت حياتهم الى ظلام دامس؟

- هل أن من يقومون الآن بزرع العبوات الناسفة التي تحصد يومياً أرواح العشرات من العراقيين الأبرياء في الطرقات أو من يقومون بتفخيخ السيارات المدنية وصهاريج الوقود ومن ثم تفجيرها في سيطرات الشرطة والحرس الوطني وفي مراكز تطوع منتسبي هذين الجهازين وقرب المدارس والدوائر الحكومية و وسط البيوت والأسواق الشعبية هم من دعاة الأنتخابات وبالتالي هل أن أجراء الأنتخابات سيوقف هؤلاء عن الأستمرار بما يقومون به اليوم والذي هو جزء من مخطط تآمري أقليمي يشارك به أرهابيون دوليون ومرتزقة لأجهزة أستخبارات قوى كبرى في المنطقة لاتريد الخير للعراق والعراقيين؟

- هل أن معاناة العراقيين من نقص الخدمات العامة كالكهرباء والغاز والنفط والبنزين ستنتهي بأجراء الأنتخابات في هذا الموعد بالذات وهل أن توفيرها وعودة الحياة الطبيعية لهم أسوة بباقي البشر يقترن بأختيار حكومة شرعية؟

- هل أن تأخر أعادة أعمار العراق وأنهاء حالة البطالة المتفشّية في المجتمع العراقي يعود لعدم وجود حكومة شرعية منبثقة عن أنتخابات؟

مجموعة من التساؤلات المشروعة نطرحها على بعض الأخوة والأصدقاء الذين بدء بعضهم الآن يبالغ في الديموقراطية الى الحد الذي لم يعد بالأمكان السكوت عنه والساكت عن الحق شيطان أخرس لذا نرجوا منهم الأجابة بواقعية وموضوعية مقرونين بحس وطني ليس على جميع بل على بعض هذه التساؤلات هذا أن كان ذلك بمقدورهم ولم يقذفونا بسيل من شتائمهم المعهودة على مواقع الأنترنت التي أصبح بعضها متخصصاً في هذه الأيام بنشر السباب والشتائم والعبارات الغير لائقة بالرسالة العلامية التي تدعي هذه المواقع تبنّيها

وقبل هذا وذاك.. كفى هيستيريا وأصحوا مما أنتم فيه من غيبوبة.. فالعراق على وشك الضياع وصدّقوني لن تنفعكم يومها لاطائفة ولا قومية فليس بعد العراق من شيء يُبكى عليه

مصطفى القرة داغي

[email protected]