هنالك حملة مستعرة في أوساط العراقيين هذه الأيام للترويج لبعض القوائم الأنتخابية التي تعتزم خوض العملية الديمقراطية التي ستجري في داخل العراق.. والغريب أن رحى هذه الحملة يدور في خارج العراق وليس في داخله فظروف الداخل الغير مستقرة والفلتان الأمني الذي يخيّم على أجواء البلاد منذ سنتين تقريباً يحولان دون تحرّك هذه القوائم في الأوساط الجماهيرية للترويج لنفسها ولمرشّحيها خوفاً من عمليات القتل والأغتيال التي طالت وتطال بشكل شبه يومي نخب البلاد العلمية والثقافية والأجتماعية وشخصياتها السياسية.. أما في الخارج فالأمر مختلف حيث أن العراقيين هناك لديهم حرية أكبر في الحركة وبالتالي فقد بدأ مؤيدي هذه القائمة الأنتخابية أو تلك بالترويج لقوائمهم الأنتخابية بين أوساط العراقيين الذين سيشملهم حق الأقتراع في 14 دولة أجنبية.


ليس غريباً أن نرى جموعاً غفيرة من العراقيين الذين حُرموا طوال نصف قرن من الزمان من حق التصويت والأنتخاب متحمسين للمشاركة في أول انتخابات دستورية تشهدها بلادهم بعد عقود من القمع والديكتاتورية فهذا أمر مُفرح يُبهج القلب.. وليس غريباً أن نرى من تشبّعت أفكاره برؤى آيديولوجية صدأة يسعى لأستغلال هذه الفرصة التي يرى بانها لن تتكرر للترويج لقائمة تحمل نفس هذه الرؤى التي آمن بها لعقود مضت دون أعادة تقييم والتي يرى بأن الفرصة قد حانت لتطبيقها وتجربتها في العراق دون الأخذ بنظر الأعتبار ما الذي يصلح للعراق وما الذي لايصلح له من النماذج والتجارب السياسية فهذا حال المؤدلجين في كل زمان ومكان.. لكن الغريب والمؤسف حقاً هو أن نرى بعض المثقفين والكتاب الذين يعيشون في دول الغرب الديموقراطية والذين كانوا حتى الأمس القريب يدّعون الديموقراطية والليبرالية يروّجون اليوم لبعض القوائم الأنتخابية التي وأن كنّا نقدّرها ونحترم تأريخ ونضال بعض مرشّحيها ضد الديكتاتورية في العراق ألا أنها لا يمكن وبأي شكل من الأشكال أن توصف أو تصنّف على أنها قوائم ذات توجهات ديموقراطية أو ليبرالية فهي وكما أتّضح من طبيعة القوى والأحزاب التي أنضوت تحتها أختارت لنفسها طريقاً وتوجهاً خاصاً بعيداً كل البعد عن الديموقراطية والليبرالية وأن حاولت تطعيم نفسها بمرشح من هنا وآخر من هناك ألا أن التوجه العام لها واضح وضوح الشمس.. وليت الأمر قد توقف عند هذا الحد فقد بدأت الان مرحلة تسويق هذه القوائم من قبل هؤلاء الكتاب عن طريق الأدعاء بأن أستفتائاً هنا وآخر هناك كانت نتائجه لصالح هذه القائمة أو تلك في محاولة مفضوحة للتعظيم من شأن هذه القائمة أو تلك والتقليل من شأن القوائم الأنتخابية الأخرى التي لا يتّبع أصحابها ومؤيدوها بل ولا يتقنون نفس الأسلوب والسياسة آنفة الذكر


أما الجيوش الجرارة من الكتّاب الذين بدأت تظهر أسمائهم لأول مرة على صفحات الأنترنت في هذه الأيام بمقالات الغرض منها فقط الترويج لقائمة معينة والذين تفوح أغلب كتاباتهم برائحة الطائفية فحدث عنهم ولاحرج فلا يمُر يوم ألا ونقرأ لواحد أو أكثر من هؤلاء مقالة يقلب فيها الحقائق أو يَحبُك فيها قصة مفبركة من خياله المريض عن مرشّح من قائمة يراها معادية لتوجهاته الطائفية أو يروج فيها للبطل الذي تلوّن في سنتين بأكثر من لونين والسبب هو أن القائمة التي يرغب هذا الكاتب المستطرق بفوزها ومن فيها سيحققون بنظره ما يحلم به من مصالح طائفية أو قومية بات يراها وكثيرون غيره في هذه الأيام أكثر أهمية من مصالح العراق الكبير.


أما البعض ألآخر من عراقيي المهجر المتعصبين لقوائم معينة بل وممن شكّلوا لجان لدعم تلك القوائم في بلدانهم تمكّنوا من التغلغل وفي غفلة من المفوضية الموقّرة ضمن لجان تسجيل وأدارة الأنتخابات التي شكّلتها المفوضية العليا للأنتخابات بالتنسيق مع منظمة الهجرة الدولية في تلك البلدان.. وبالتالي فأن مثل هؤلاء الناس هم أشخاص غير محايدين ومن المحتمل بل ومن المؤكد أن غايتهم هي التأثير على أصوات بعض الناخبين القليلي الخبرة بمجريات الأنتخابات بل وبمجمل تفاصيل العملية السياسية في العراق مما سيشكّل خطراً على نتيجة الأنتخابات التي ستؤدي الى وضع الدستور الذي سيرسم مستقبل العراق ربما لسنين أو لعقود قادمة


ولا يفوتنا هنا أن نَذكر بأن بعض الندوات التي عقدت في أغلب دول المهجر بدعوى دعم الأنتخابات قد أستغلّت في الأسابيع الأخيرة للترويج لقوائم بعينها وقد أستغل الحضور الكثيف من قبل العراقيين في بعض هذه الندوات للأطلاع على تفاصيل العملية الأنتخابية في محاولة كسبهم لجانب هذه القائمة أو تلك عن طريق تصويرها بأنها القائمة التي تمثل الجميع وتمتلك العصا السحرية لمعالجة مشاكل العراق في حين أن بعضها يحمل في جنباته قنابل موقوتة لتدمير العراق.


هذا غيض من فيض ما يجري في دول المهجر وما نراه يومياً بأم أعيننا بخصوص الأنتخابات من قبل بعض العراقيين المقيمين في هذه الدول منذ سنوات بل وربّما عقود دون أن يتأثروا ولا بمقدار شعرة بمجتمعات تلك الدول المتمدنة وبأجوائها الديموقراطية التي يبدوا أن لبعضنا مناعة طبيعية شديدة الفعّالية ضدّها.. لذا فكيف هو الحال في داخل العراق حيث لا ديموقراطية منذ عقود وحيث لايزال الفكر الشمولي الديكتاتوري يُعشعش في عقول البعض وحيث المجتمع يعاني من أمراض وعُقد تحتاج لسنوات وربما لعقود لمعالجتها والقضاء عليها بشكل كامل!


كفى تخبطاً وبهلوانيات.. فكّروا ولو لمرة واحدة بوعي وبمصلحة العراق.. فقط العراق.. الذي أضعتموه في السابق بآيديولوجياتكم المريضة ومغامراتكم السياسية وستضيّعونه اليوم الى الأبد ( لاسمح الله ) أن بَقيتم لاهون عنه بتفاهات الأمور

مصطفى القرة داغي

[email protected]