لا بد من الاعتراف بادئ ذي بدء بأن حق الاشتراك والتصويت في الانتخابات القادمة هو حق شخصي وممارسة فردية يجب أن لا تخضع إلى أي نوع من أنواع الضغوط.

ويجب أن توفر للمواطن العراقي الفرصة اللازمة للتعرف على المرشحين و قوائمهم الانتخابية و أن لا تخضع عملية الإعلان لهذه القائمة أو تلك إلى أي تدخل من قبل القادة الدينيين أو غيرهم من ذوي النفوذ السياسي أو الروحي على المواطنين. ومن مسلمات الانتخابات الحرة والنزيهة أن يكون أعضاء المفوضية العليا المستقلة للانتخابات داخل العراق و خارجه غير منتمين إلى أي كيان سياسي و أن لا يقوموا بالدعاية لهذه القائمة أو تلك. لكن الحاصل الآن هو أن الكثير من أعضاء هذه المفوضية داخل العراق وخارجه أعضاء في أحزاب تشترك وتتنافس على مقاعد المجلس الوطني وقد قام قسم كبير منهم باستعمال نفوذه للضغط على المواطنين كما هو حاصل في الكثير من المحافظات العراقية وكذلك خارج القطر. فإذا أخذنا إيران وسورية كمثال على عمق التدخلات واستخدام النفوذ نجد بأن الفرص ليست متساوية أمام جميع القوائم.

إذا نظرنا إلى واقع الانتخابات العراقية المزمع إجراءها في نهاية هذا الشهر، نجدها لا تنطبق عليها الحدود الدنيا التي تتطلبها أية انتخابات ديموقراطية.

-
الأساس الأول لإقامة انتخابات ديموقراطية هو وجود تعداد سكاني يحدد بطريقة نزيهة ودقيقة عدد العراقيين الذين يحق لهم التصويت، أما الادعاء بأن ذلك غير ممكن في ظل الظروف الأمنية الحالية فهو منطق مرفوض وإدعاء ذو معايير مزدوجة، لأن الاعتماد على البطاقة التموينية غير عملي لما خضعت إليه هذه البطاقة من تزوير على نطاق واسع،إن الانتخابات في هذه الحالة سوف لن تكون واقعية وممثلة لكل شرائح المجتمع العراقي في ظل الظروف الأمنية الحالية حيث أن مناطق كبيرة في جنوب ووسط وشمال العراق لا تخضع للسلطة المركزية ويتمتع المسلحون الإرهابيون من بعثيين وبقايا أجهزة قمعية متحالفة مع الوافدين من خارج الحدود باليد الطولى في هذه المناطق ويستطيعون فرض إرادتهم على الناخبين.

-
الأساس الثاني لأقامة انتخابات حرة ونزيهة هو إتاحة الفرصة للناخبين للتعرف على أسماء المرشحين والالتقاء بهم للتعرف على أفكارهم ومواقفهم من الديموقراطية وإعادة البناء، لم تعلن هذه الأسماء لحد هذه اللحظة بحجة الظروف الأمنية الغير طبيعية لكن الانتخابات تقام رغم هذه الظروف وهي مفارقة جديرة بالتوقف عندها طويلا.

-
الانتخابات الحرة والنزيهة تتطلب إلغاء جميع الميليشيات المسلحة فهل تحقق ذلك، ونحن نسمع عن ممارسات وضغوط ضد الناخبين من قبل مجموعات وميليشيات مسلحة مرتبطة ببعض الحركات السياسية.

-
الانتخابات الحرة و النزيهة تتطلب ابتعاد المرجعيات الدينية عن توجيه و
إرشاد الناخبين لانتخاب هذه القائمة أو تلك طالما إن المرجعية الدينية ليست بعراقية ولا يحق لها التدخل بالشأن العراقي وسبق لها أن صرحت بذلك و سبق للسيد حسين الشهرستاني ان قال في مناسبات عديدة ( استمعت له شخصيا في محاضرة عن موقف المرجعية من الانتخابات في الشهر السابع من عام 2003 في مسجد خان الوقف في قضاء الهندية التابع لمحافظة كربلاء ) بأن المرجعية لا تنوي التدخل في الانتخابات لأنها أي المرجعية غير عراقية ولا تسمح لنفسها في التدخل في شأن داخلي سيادي.

-
الانتخابات تتطلب وقف التدخل الأجنبي فيها والتأثير على الناخبين عن طريق شراء الذمم كما هو حاصل حاليا في مناطق عديدة من العراق.

من كل ما تقدم هل نتوقع بأن تقدم لنا هكذا انتخابات ما كنا نصبو إليه من تغيير جذري لشكل النظام في العراق ومن إقامة ديموقراطية حقيقية فيه؟. أرجو أن لا نصاب بخيبة أمل كبيرة بسبب توقعاتنا الغير مبنية عل أسس واقعية و أن لا نرجو من الانتخابات أن تحل لنا مشاكلنا لأن مشاكلنا لا تحل إلا بتكاتف الجميع وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تنقلنا إلى مرحلة اكثر أمنا وسلاما إلى مرحلة تتولد فيها القناعات لدى جميع مكونات الشعب العراقي بأن مستقبل العراق أمر يهم الجميع ويجب أن يشارك فيه الجميع و أن يترفع قادتنا عن السعي وراء مصالح شخصية أو حزبية أو طائفية أو قومية ضيقة.

ورغم الذي تقدم فإني أحث كافة العراقيين للتوجه الى صناديق الأقتراع والأدلاء باصواتهم و ماذكر أعلاه إن هو إلا وجهة نظر هدفها خدمة الصالح العام.

* كاتب وناشط سياسي مقيم في السويد