برغم من انني قد اكون ذكرت المثال التالي، الا انني اراه مهما لتوضيح ما اريد قوله، والمثال او القصة تعود الى خريف عام 1978، حينها كنت اعمل موظفا في المؤسسة العامة لتوزيع المنتوجات النفطية، وكانت وزارة النفط تصدر مجلة شهرية اسمها النفط حسب ما اذكر، وتوزع على جميع الموظفين، ففي خريف ذلك العام جأت المجلة وبعد ان تصفحتها وجدت ان في المنتصف كانت بعض الاوراق بلون بني، يخالف اللون الابيض لبقية اوراق المجلة، ففتجت المجلة عليها واذا بها تضم بين طياتها النص الكامل لما سمي بأسم الميثاق القومي العربي، والموقع بين قيادات حزب البعث العراقي والبعث السوري فاستليت هذه الصفحات من المجلة ووضعتها في الدرج الاعلى لمكتبي، فشاهد احد الموظفين هذه الفعلة مني، فاستفسر عن مغزى احتفاظي بهذه الصفحات، فقلت له ساقول لك في حينها، وفي تموز عام 1979 خرجت علينا الصحف والاذاعات وكل وسائل الاعلام بخبر اكتشاف مؤامرة لتغيير نظام الحكم بدعم من سورية وقمت انا ايضا باخراج نسخة الميثاق القومي وقلت للموظف المشار اليه ها ما رأيك، فرد بابتسامة كبيرة فقط.
بعد الانقلاب البعثي في العراق عام 1968، كانت العلاقة بين نظامي الحكم في العراق وسورية سيئة في اغلب الاحيان، وسأت بعد ان سيطر على السلطة المرحوم حافظ الاسد، وكانت التهم التي يكيلها الاعلام العراقي، والموجه من قبل الحكومة والوحيد المسموح الاطلاع عليه، تندرج بين طائفية النظام كونه ( علوي نصيري) ورجعيته كون علاقاته جيدة مع بعض الدول العربية، وعميل للصهيونية والامبريالية كونه يتفاوض ويقبل بالقرار 242 الصادر عن مجلس الامن، ولكون الاعلام في العراق مغلق واحادي الجانب، الا اننا يمكن ان نجزم بان النظام السوري كان يكيل نفس التهم للنظام العراقي، ولا اعتقد انه كانت تعوزه الاسباب.
ففي فترات العلاقات الحسنة بين النظامين كان الاعلام يتشدق بالعلاقات العربية والاخوية بين قادة الشعب الواحد، وفي الاوقات التي كانت تسئ العلاقة، كان النظامان لا يكتفيان بالسباب والاتهاما بل كا يحبكان لبعضهما البعض مؤامرات تكلف خزينة البلد الملايين من الدولارات، كما كانا يكتشفان عدد لا يحصى من المؤامرات التي قام بها احد الاطراف ضد الاخر، فكل من يشم منه رائحة المعارضة كان يتهم بانه عميل للنظام الاخر، مع زيادة الجرعة باضافة العمالة للصهيونية والامبريالية.
ولكن المثير في الامر، ليس في ما ذكرته بل في معرفة النتائج المأساوية على الفرد المتلقي لمثل هذه الممارسات المتناقضة، والتي تتوزع بين الود التام والعداء الشرس، والتي تجعل من نفس الشخص مرة قديسا وقائدا كريما وبطلا مغوارا، وبين وصمه بكل ما يشين من عبارات التخوين والتجريم ومحاولة القتل المادي والمعنوي.
فما هي النتائج التي يمكن ان يستخلصها الفرد العادي من كل هذا، اليس ان كل شئ هو كذب في كذب، اليس ان من يعمل للوصول الى السلطة، لا بد ان يكون لصا ومحتالا، اليس ان لا مبادئ ولا قيم قومية او وطنية بل مصالح شخصية، اليس سوى زرع قيم النفاق والنميمة والدس، ان مثل هذا الاعلام سيصنع مواطنا لا يبالي الا بالتكالب على الحصول على كل شئ لنفسه، وليذهب الجميع الى الجحيم.
ولكن اين نحن ابناء هذا الشعب الذي لا يريد الاتفاق عى اسما موحدا، والذي لا يريد ان يضع ميثاقا للشرف في العمل السياسي، اين نحن من كل ما ذكرته؟ اعتقد ان من يطلع على هذا الموقع سيجد ما ذكرته، يتكرر وبنفس التفاصيل والغباء، فالمنتسبين لحزب معين لا يريدون رؤية اخطائهم، فيما هم يوصومون الاخريم كل الاخرين، بشتى التهم (عملاء، لصوص، متكالبون على المناصب، عشائريون، طائفيون وهلم جر)، طبعا اعضا اغلب احزابنا تمارس هذه العملية ضد الاخرين من اعضاء الاحزاب الاخرى، ليس هنالك من محاولة لتفهم الاخر، ليس هنالك من محاولة للادراك ان للحرية حدود، وان على السان او القلم مسؤولية قول الحق كما تشاهده على الاقل، وليس لوي الحقائق.
اود ان اعلم الى ماذا سيوصلنا المسلسل الممل والذي لاينتهي ابدا، اي اجيال ستتربى في ظله واي وعي سياسي واية تجربة سيضيف الى مداركنا، انها عملية بشعة ترمي الى قتل انسانية الانسان وتحويله الى عبد ذليل، غير قادر الى فرز الصالح من الطالح، على الاقل كشخص يريد ان يمارس خياراته ما لم تؤذي الاخرين.
في مسألة الانتخابات، وحيث يشيع بازار النقد وكشف المستور، يشيع البعض انهم فقط ممثلي شعبنا بكل تسمياته، وانهم نالوا البركة من البطريركية، وان بقية القوائم ما هي الا اشخاص متلهفون الى السلطة والجاه، على حساب الشعب المغلوب على امره، ويتهمون الاخزاب الاخرى، بانهم باعوا القضية، لتحالفهمن مع الاحزاب الكردية، ولكنهم يتناسون انهم ايضا متحالفون مع نفس الاحزاب الكردية في انتخابات المجلس الوطني لاقليم كردستان، وعندما تسألهم تبريرا لهذا التناقض لا يجيبوك الا بان الحالتين مختلفتين، ولكن ما هي الاخنلافات، علمها عند ربي.
لقد توصلت بعض احزاب شعبنا الى نتيجة تقول ان افضل حل لمشاركتنا السياسية الفعالة هو في التحالف مع اطراف وطنية اخرى، وهذه الاحزاب هي الحركة الديمقراطية الاشورية و الحزب الوطني الاشوري وحزب بيت نهرين الديمقراطي و حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، نشر زوعا وبشر بتحالفه مع القوى الليبرالية، قلنا في انفسنا انه نعم الخيار، فليكن، ولكن بعد المحاولات الحثيثة والمتعددة، يظهر ان اي من هذه القوى لم تقبل التحالف مع الزوعا، ليس لي علم بالاسباب، ولكنه الحاصل، فابتداء بالتقرب الى احزاب شعبنا، واسعد هذا التقرب بعض هذه الاحزاب، حيث اعتقدت ان الامور ستمشي هذه المرة، ولكن التقرب، كان بغرض الهاءها من لعب اي دور، والدليل ان الزوعا لم يحضر الا اجتماعا يتيما واحدا مشتركا، مع كل الاحزاب لاجل العمل من اجل الانتخابات، والغريب ان الزوعا لم يحضر الاجتماع الذي دعا اليه بنفسه، اذا كانت لعبة مكشوفة اي ان يلهي زوعا تنظيمات شعبنا بالحديث عن القائمة الموحدة، ولكنه كان يبحث عن حليف قوي يقبله وهذا ما لم يحصل فكان اللجوء الى تنظيمات شعبنا، وحتى هذا اللجوء الذي كان يجب ان يكون درسا لفهم الية العمل المشترك، حاول زوعا فيها ان يوزع الحصص باسما البطريرك والشهداء (هؤلاء الشهداء الذين لم يحترم بذلهم لدمائهم ابدا)، فانهار التحالف منذ البداية، ودخله الاتحاد الكلداني، ولكنه ايضا خرج هاربا بجلده من طمع القيادة الفذة. اما الحزب الوطني الاشوري وحزب بيت نهرين الديمقراطي وحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني، فمنذ البداية اعلنوا نيتهم التحالف مع قوائم وطنية اخرى موضحين الاسباب. فبدلا من انتقادهم ان كان هنالك مجال للانتقاد، نرى حملة مسعورة للاتهامات الرخيصة والشوفينية، بحق هذه الاحزاب الثلاثة وحتى الشعب الكردي، الذي يجب ان نتعايش معه الى الابد.
ان مرمى القيادة التاريخية هو شئ واحد فقط، هو ان يكون الممثل الوحيد والاوحد لشعبنا، وانني لعلى يقين اذا قالت القوى السياسية العراقية اننا سنمنح لك كرسيت ابديا في البرلمان ممثلا لهذا الشعب على ان يكون وحيدا، لطار فرحا ولقبل على الفور، اليس هذا هو الاستنتاج الذي يمكن ان نخرج به من كل هذه الممراسات المخجلة.
فاذا اين الاعلام الناشر للحقائق، الكاشف عن الخفايا، لكي يتعلم الفرد، ويتمكن من الفرز الصحيح؟ اليس اعلامنا غبيا؟ اليس كل المشاركين في عملية طمس الحقائق، والتباكي على القائمة الموحدة، هم في الواقع يتباكون على وحدانية قائد الضرورة في تمثلينا.
ان الاعلام بقدر ماهو نبراس ينير الدروب المظلمة، هو ايضا قاطرة تسحب البشر الى الظلمة الحالكة، لكي تحولهم الى الات صماء بكماء تردد ما قالته وسائل الاعلام والقيادة الخالدة وها نحن نعود القهقري الى عصر واكاذيب الاعلان العربي الموجه.
تيري بطرس
التعليقات