كثير من الأمم لها نوادرها الخاصة، وكثير من تلك النوادر مشتركة بين كثير من الشعوب حتى ليحسبها المطلع مترجمة لفظا ومعنى، لكن للأعراب نوادر تتحدى أن يأتى الزمان أو أى مكان آخر بمثلها.
بعض النكت بسيطة وسهلة الأدراك أما بعضها الآخر فمن النوع الحريف الذى يحتاج الى ألمعية فكرية للتوصل الى المعنى الفكاهى فيها، وتوجد نكتة مصرية توضح ذلك إذ تحكى أن شخصا زار حديقة الحيوان فشاهد الحيوانات كلها تضحك ماعدا الحمار، وفى اليوم التالى شاهد جميع الحيوانات بحال عادية ماعدا الحمار الذى كان يقهقه، ولما استفسر أخبره الحارس أن القرد حكى بالأمس نكتة ضحكت لها الحيوانات إلا الحمار الذى فهمها اليوم فقط.
نكتة اليوم الحراقة تماما تجىء من جريدة كانت محترمة فى يوم ما، تلك الجريدة تنشر يوميا صورة للرئيس المصرى لأى داع وبأى حجة، لغاية هنا والأمر طبيعى فهو رئيسنا ونحن فعلا نحبه ولعل الأكثرية أيضا يحبونه، النكتة أن الصحيفة المذكورة والتى كانت زمان –جدا- محترمة انتقت صورة يومية للرئيس، الذى نعرف أنه فى العقد الثامن من عمره المديد بإذن الله، عندما كان لازال فى الثانوية العامة، صورة عمرها لا يقل عن الستين أو خمسين عاما حتى أنها تبدو عليها القدم فعلا، صورة من أيام ماكينة التصوير بالشمس، لا أعرف إن كانت الصحيفة تريد بذلك أن تدلس علينا وتقول أن رئيسنا لا زال شابا يافعا؟ أم أنها والقائمين عليها يكرهون رئيسنا حتى يطلعوه بهذه الصورة الفقيرة الكاذبة؟

نكتة أخرى قديمة جديدة أو متجددة بمناسبة اقتراب موسم الأنتخابات المصرية للرئاسة والبرلمان، النكتة أن انتخابات البرلمان حيث تتجلى العصبية العائلية والقبلية بأوسخ تجلياتها، وحيث لبعض السيدات هو اليوم الوحيد الذى يخرجهم فيه أزواجهم من الحرملك ليدلين بأصواتهن لكبير عائلة أو عمدة قرية أو شيخ منصر –يعنى حرامى كبير-، هذه الإنتخابات التى تتصارع فيها كل الأحزاب بما فيها الجماعة المنحلة إياها والتى لها بضعة عشر عضوا بمجلس الشعب الحالى، تتمتع بنسبة حضور للإقتراع لا يتجاوز ربع العدد الذى يعلن أنه شارك فى الإستفتاء على رئاسة الجمهورية! الإستفتاء الذى ليس فيه أى طعم ولا لون ولا رائحة، الإستفتاء الذى ليس له ولا يمكن أن يكون له إلا نتيجة واحدة، مطلوب منا أن نصدق أن مقترعيه يفوقون بمراحل عدد من أدلوا بأصواتهم فى إنتخابات يأكل أكثر من أربعمائة ناجح فيها سمنا وعسلا وبقلاوة!
لا أعرف كيف تهون على وزير الداخلية نفسه وهو يقف أمام مجلس "الشعب" بين يدى الرئيس ليقول أن الحاضرين للاستفتاء كذا مليون؟ دعنا من البقية من أن الأصوات الصحيحة كذا ووالباطلة كذا الى آخر تلك الكذبة التى يعرف هو أنها كذبة ويعرف الرئيس أنها كذبة وكذلك مجلس "الشعب" وطبعا نحن وكل من يستمع من الشرق والغرب يعرف أن سيادة الوزير يكذب كذبة مفضوحة... الكل يكذب والكل يعرف والكل يستعبط... لكن بعض الوزراء – الشهادة لله- مجددون فى كذبهم... وزير كذاب زمان لكن الحقيقة دمه كان خفيف وقف فى مجلس "الشعب" ونظر للعيون التى كانت تتفرج عليه فى التلفزيون وبجرأة نصاب محترف أعلن أنه كان يصارع للدخول فى مراكز الإستفتاء حتى أنه وجد عجوز مقعدة يحملها أحفادها جاءت لمركز الإقتراع لكى تقول "نعم" للرئيس... ساعتها كان الرئيس المؤمن "المؤمن قال!" يدخن البايب وهو يرسم على وجهه أشد علامات الإهتمام والمجلس يصفق ونسوان المجلس يزغردون ورجاله يرقصون وكانت مسخرة بصحيح...

سيادة رئيس مصر، صدقنى أنا شخصيا أحبك وأظن أن الكثيرين من شعبنا الطيب يحبونك لكن هذه المساخر لا تضيف لك بل تأخذ منك... بالله عليك استبدل هؤلاء المتخلفين البلهاء الذين على قمة وسائل الإعلام لأنهم يسيئون إليك كثيرا، هؤلاء القوم أبناء ثقافة إنتهى عمرها الإفتراضى من زمن بعيد وانتهوا هم معها. سيادة رئيس مصر نحن نعرف أن عمرك يتجاوز السبعين وليس لدينا أية مشكلة فى ذلك فلم يوجد بعد من يستطيع أن يتنافس معك لأسباب كثيرة ليس هنا مجال ذكرها، وإن أخترت أن تحيط نفسك بالشباب بدلا من هؤلاء الخردة وتظل أنت ربان السفينة المحنك فلا مشكلة إطلاقا. من المعقول والمقبول أن يكون الرئيس متمتعا بحكمة الكهولة أما غير المعقول فهو أن يحيط نفسه بمستشارين وإعلاميين من عصر الموميات، لازالوا يطبقون ذات الأساليب التى عفا عليها الزمان وتعداها العصر.
وكم ذا بمصر من مضحكات... ولكنه ضحك كالبكاء

عادل حزين
نيويورك