مسكينة تلك الفتاة العراقية التي شاكس معها القدر والنحس بطريقة غريبة، استطاعت تلك الفتاة ان تقترن بشريك حياتها الاول بعد قصة حب جميلة لكن الحزن طرق بابها سريعا ففقدت زوجها في حادث مؤسف، لملمت جراحها حيث منحها الله كما منحنا جميعا نعمة النسيان واستطاعت ان تعيد الكرًة من جديد فالتقت بمن تكمل معه مشوار العمر وتزوجت ثانية لكن القدر صوَب سهمه هذه المرة ايضا تجاهها ففقدت زوجها الثاني اثر مرض عضال. مرت السنون وانتبهت الى نفسها وقررت بعد ان توفرت الظروف ان تتزوج للمرة الثالثة قبل ان يتجاوزها قطار العمر. إعتقدت انها قد دفعت ثمنا باهضا في الحياة وأنَ لها ان ترتاح ويضحك لها الزمن في ماتبقى بعد ان استنزف دموعها فيما مضى، ولكن مرَ الزمن ( الحلو ) سريعا وزار ملاك الموت زوجها الثالث فاختطفه برمشة عين. عادت المراة التعيسة الى قريتها الام بعد هذه الرحلة الطويلة واعتزلت الزواج لانها تيقًنت ان لا ( قسمة ) لها معه. لم يكن لها اي ذنب فيما جرى بل كانت ضحية للاقدار لكن ذالك لم يمنع البعض من التندر على ما اصابها فكانوا يقولون عنها ( انها تِصرف رجال ). ربما يقول البعض وما علاقة ذالك بالسياسة والعنوان ولكنني اطلب التمهل قليلا لأدلَه على امراة اخرى قررت ان تمتلك طابورا من الرجال ينتشرون في مناطق المعمورة تحتفظ بهم جميعا في وقت واحد لا بل تراها احيانا تمتلك اكثر من ( زوج ) في منطقة واحدة او بلد واحد. ألا يردد الجميع دائما فيقول ان فلان هو( رجل امريكا ) في هذا المكان او ذاك؟. مَن مِن الذين حضروا قبل ايام قمة الجزائر لايجد اسمه مكتوبا في قائمة ( رجال ) امريكا؟
لقد اختارت امريكا زواج المصلحة هذا بعد ان حددت شروطه ووقوانينه ومنها ان ( يتوهم ) الزوج احيانا فيظن نفسه زوجا فعالا له الكلمة الفصل فتُسمعه الزوجة تلك الاغنية الجميلة التي تؤديها سميرة سعيد وتقول كلماتها بما معناه ( تأمر اقلًك أمرك وفي الاخر ألاقيك بتنفِذ أمري ). كما ان من شروط هذا الزواج ان تكون ( العصمة ) بيد الزوجة ولها مطلق الحرية في فسخ العقد او تجديده كما ان لها الحرية المطلقة في اختيار اسلوب انهاء العلاقة وقد تمكَن العالم لحد الان من تصنيف ثلاث طرق تلجأ اليها الزوجة ( امريكا ) لانهاء هذا الزواج، اما الاول فهو خلع الزوج بالعنف ووضعه في السجن بانتظار ان يقدم الى القضاء العادل الذي سيأمره بدفع ( المؤخر والنفقة )، واما الثاني فهو التخلص من الزوج في ظروف غامضة في صفقة يرتاح لها الطرفين حيث الزوج في حل من المؤخر والنفقة والزوجة حمت سمعتها من اي ( خدش ) كان سيسببه نشر لغسيل الفضائح التي كانت قد رافقت ذالك الزواج، واما الاسلوب الثالث والاخير فهو ( تسريح باحسان ) وفي هذه الحالة تلجأ الزوجة شخصيا الى دفع الؤخر والنفقة كتعبير عن الشكر والعرفان للزوج وكمكافأة له في نهاية خدمته وتفعل هذا فقط مع اؤلئك الذين تمكنوا وبنجاح من تجاوز كل حقول الالغام التي وضعتها في طريقهم
مام جلال، مشوار طويل في العمل السياسي كان كافيا لكي يصادق ويخاصم الجميع، دخل معارك كر وفر من الصعب تعدادها، اسلوبه في العمل السياسي يقوم على مبدأ ( نام على الجنب الي يريحك ) غير ابه ان كان هذا( الجنب ) في يوم ما سوريا او ايرانيا او امريكيا او حتى صداميا، استعمل ولازال يستعمل الجميع كورقة لانه يدرك جيدا انهم جميعا لم ولن يتوانوا عن استخدامه كورقة ايضا. كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ( رحمه الله) يؤمن ايمانا كبيرا بقدرة وسحر ( القبلة) على اذابة كل جليد الخلافات وجلال الطالباني يؤمن بان النكتة وتقمص الفطرة وعدم الاكتراث لرأي المقابل تحتوي جميعا على كمية كبيرة من مسحوق ( السايت ) الذي يكفي لغسل كل المتراكمات من فعل الايام. جلال الطالباني وهو الكردي حسِبَها ( حساب عرب )، ما بقي من دور يلعبه ليس اكثر من ما مضى. مام جلال يعرف جيدا قواعد الفيزياء على مايبدو ويؤمن انها تصح قوانينا للسياسة ايضا. هنالك قاعدة في الفيزياء تسمى مبدأ باولي للاستبعاد وتنص على انه لايمكن لالكترونين اثنين ان يمتلكان نفس الاعداد الكمية اي لايمكن ان يتواجدا في نفس الموقع وفي نفس الزمن. ان كان ذالك يصح على الالكترونات وهي جسيمات متناهية الصغر فكم بالحري على الانسان. لازالت لعبة الاشخاص والكراسي لعبة محببة في اللقاءات الاجتماعية ومن المعروف ان نهاية اللعبة تكمن في جلوس احدهم على الكرسي الاخير. قد تتطلب مرحلة ما استمرارا في تواجد شخصين وكرسيين ولكن الهرم في النهاية لن يأخذ شكله المعروف إلا برأس واحد. جلال الطالباني يعي ذالك جيدا ويعرف ان بعض القياديين في صفوف حزبه قد ملَوا الجلوس في مقاعد الصف الثاني كما يعرف ايضا ان ارتباط اسم البارزاني بالحركة الكردية يشبه ارتباط السكر بحبة العنب لايمكن الفصل بينهما، ولكن من حقه ايضا ان يطالب بمكافأة مجزية وهنا يظهر للعيان كرم كاكه مسعود البارزاني حيث يمثل ترشيحه لجلال الطالباني لمنصب رئيس جمهورية العراق هدية ما بعدها هدية فيفتح هذا المنصب - بغض النظر عن كونه شرفيا - ابواب التاريخ على مصراعيه امام السيد الطالباني كون اسمه سيكون جوابا ولعشرات لا بل مئات السنين عندما يُنطق بالسؤال عن الكردي الاول الذي اصبح رئيسا للعراق. أليس ذالك ما يتمناه اي سياسي مخضرم في ان تكون لخاتمة حياته السياسية بصمة تاريخية كبيرة؟. من المؤكد ان ذالك لم يكن لبتحقق لولا مباركة ورضى الزوجة صاحبة الحل والربط.
ليس المقصود بهذه السطور معارضة لتولي السيد جلال الطالباني منصب رئيس جمهورية العراق فالرجل ربما يكون اكثر السياسيين العراقيين الحاليين خبرة في اللعبة السياسية الوطنية والاقليمية والدولية كما ان المراقب والمحلل المحايد والعادل الذي يجد نفسه مختلفا في بعض النقاط مع السياسة الكردية لايملك إلا ان يشيد باعجاب بجوانب ونقاط اخرى في هذه السياسة لعلَ ابرزها النهج العلماني للقيادات الكردية حيث يمثل ذالك حاجة ضرورية لعراق يتمناه الكثيرون و المقصود ايضا ليس الانتقاد عن طريق الاشارة الى كون القيادات الكردية من ( رجال) امريكا في المنطقة لان ذالك ليس حصرا بهذه القيادات بعد ان استطاعت امريكا ان تعقد قرانها طبقا للشروط اعلاه وفي ظروف القطب الواحد هذه مع القادة العتاة والساسة الكبار والصغار ابتداء بيلتسين وصدام وبوتين ومرورا بمبارك واخرين وانتهاءّ بمحمود عباس والجلبي وقائمة طويلة على الساحة العراقية
ايتها الزوجة المستبدة المتغطرسة، لقد اصبحنا نؤمن ان الزواج مبكِ امر حتمي في عالم اليوم، لكننا سئمنا النظر في كل من اقترن بكِ من العراقيين وقد اصبح اداة لألاعيبك وحيلكِ. ترى متى يستطيع احدهم ان يغزو قلبكِ فيجعلكِ تهيمين في حبه ويأخذ منكِ اكثر مما يعطيكِ. ان المأساة تكمن في ان القلوب تبقى معطًلة في الزواج السياسي حيث تنبض المصالح فقط، كما انني اتمنى ان اكون مخطئا حيث لا ارى في طابور المتقدمين والمرشحين للزواج من العراقيين من يستطيع ان يُوقع بهذه الزوجة الصعبة ولذالك فان قائمتها ستطول في العراق و( ستصرف ) رجالا كثر.
الدكتور وديع بتي حنا
التعليقات