علي اوحيدة من بروكسيل: يواجه الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري والاقتصادي الأول للولايات المتحدة ومنافسها الرئيسي حاليًا على الصعيد الدولي تحديات فعلية خلال فترة الولاية الجديدة للرئيس الأميركي جورج بوش. وتراقب الدوائر الاقتصادية والنقدية والسياسية الأوروبية الخطوات الأولى للرئيس بوش في فترة ولايته الثانية والتي بدأت اليوم.

ومثلت السنوات الأربع الماضية من إدارة بوش فترة صعبة من المواجهات المتعددة الجوانب بين ضفتي الأطلسي وهي مواجهات لم تقتصرعلى الجانب الدبلوماسي من معاينة الملف العراقي بل تخطته لتشمل قطاعات تجارية حيوية أمام منظمة التجارة العالمية او ترجيح فرض العقوبات المتبادلة بين الطرفين.

وتعتبر الولايات المتحدة المستثمر الأجنبي الأول في منطقة الوحدة الاقتصادية والنقدية الاوروبية ويعمل عشرات الآلاف من الأوروبيين في مؤسسات أميركية مختلفة منتشرة داخل القارة حاليًا كما تمثل وتيرة التجارة اليومية بين ضفتي الأطلسي اكثر من اثنين مليار دولار وهي أعلى حجم تبادلي بين أوروبا واحد شركائها في العالم على الإطلاق.

ويأمل الطرف الأوروبي أن يجتاز الاقتصاد الأميركي خلال الفترة الثانية لحكم الرئيس بوش المصاعب الهيكلية التي عصفت به وحالت دون تمكنه وكما هو في السابق من جر عجلة النمو العالمي، إذ تعاني الدول الاوروبية في مجملها من حالة ركود فعلية وتأمل ان يمثل أي تطور حاسم وفعلي في آليات التعامل الاقتصادي الأميركي فرصة لصحوة عالمية تشمله.

ويعتبر التحدي الاقتصادي الأول للرئيس بوش في إستمرار ضعف سعر صرف الدولار الأميركي في أسواق المال من جهة والعجز المسجل على الموازنة الأميركية والذي بلغ أرقامًا قياسية من جهة أخرى.

ولكن مقابل هذه الإشكالية توجد مراهنة لدى المستثمرين والمتعاملين الأوروبيين على قدرة الاقتصاد الأميركي في الانتعاش بفعل المشاريع الضخمة المعلنة للتنفيذ حاليًا من قبل الإدارة الجمهورية في واشنطن وخاصة في مجال المقاولات العامة والطاقة .

كما ان تبسيط نظام الضرائب و إصلاح نظامي الصحة والتقاعد في الولايات المتحدة تعتبر هي الأخرى مؤشرات في الاتجاه الصحيح إذ أنهت الإدارة الأميركية العام الماضي على وقع إيجابي تقدمًا لسوق العمل وتوفير اثنين مليون ومائتي فرصة عمل خلال العام الماضي وحده وهو تحد فعلي للأوروبيين الذين يعانون من تراجع شبه مستديم في هذا المجال .

وتتجه الحكومة الأميركية الجديدة إلى التخلص من عبئ الانكماش المسجل منذ عام 2001 وتداعيات هجمات 11 سبتمبر الاقتصادية وخاصة على قطاعي الطيران والاستثمارات وفضائح النتائج المزورة لحصيلة عدد من الشركات مثل اونرون و أخيرًا آثار حرب العرق .

ولكن ورغم المؤشرات الإيجابية الفعلية فان مناخ التفاؤل لا يبدو تامًا وشاملا بالنسبة للرئيس بوش بسبب التحديات التي تواجه الاقتصاد الأميركي على المدى البعيد وفي مقدمة ذلك العجز الضخم والمتصاعد في الموازنة .

ويقول الاوروبيون ان هذه الإشكالية ستمثل بالنسبة لهم أيضًا أهم معضلة في التعامل مع الإدارة الجمهورية بسبب ثقلها على سعر العملة الأميركية في أسواق المال .

ووعد الرئيس الأميركي بتخفيض العجز الى النصف خلال خمسة سنوات من الآن إلا ان تمتعه بأغلبية مريحة داخل الكونغرس لن تدفعه دون شك نحو الالتزام بهذا الوعد.

وتكلف الحرب ضد العراق الخزينة الأميركية حاليًا مصاريف باهظة ويرفض الأوروبيون تحمل قسط منها بما في ذلك داخل حلف الناتو وهو ما سيسعى بوش الى إقناع القادة الأوروبيين به خلال لقائه معهم في بروكسل يوم 22 شباط( فبراير) المقبل.

ويتوقع ان يطالب بوش ب 80 مليار دولار إضافي لتمويل الحرب من الخزينة الأميركية وحدها وما يمثله ذلك من عبئ على الموازنة العامة في المستقبل.

وتعاني الولايات المتحدة عجزًا آخر حاليًا يتمثل في عجز الميزان التجاري توأم العجز الآخر في الموازنة والذي ناهز حسب الأرقام التي تسربت بشكل غير رسمي حتى الآن مبلغ الست مائة مليار دولار نهاية عام 2004.

ومن المؤكد حاليًا أن الاتحاد الأوروبي وأمام مجمل هذه الصورة الشائكة التي تواجه الشريك الأميركي و والمتمثلة في مزيج فعلي من مؤشرات التفاؤل والتشاؤم سيعمل على جر الولايات المتحدة نحو إدارة متعددة الأطراف للمسائل الاقتصادية الرئيسية سواء عبر الإطار الثنائي أو عبر الإطار المتعدد الأطراف أي تجنب مواجهة داخل منظمة التجارة العالمية من جهة وهو ما يتجه اليه الطرفان ومن جهة أخرى تنسيق التحرك ضمن المؤسسات النقدية العالمية لادارة افضل لتقلبات أسواق المال.