شاهدت أنا وإبنتي ذات السادسة عشرة فيلمًا أجنبيًا بعنوان "عيون الملائكة" والفيلم يحكي قصة امرأة تنتقم من زوجها بعد أن عذبها نفسيا و جسديًا لعدة سنوات وحاول أن يقتلها عندما قررت تركه. سألتني ابنتي بعد نهاية الفيلم "كيف لامرأة جميلة و ذكية "كهذه" أن تختار رجل" كهذا"؟ ولماذا تبقى معه حين انكشف على حقيقته؟".
وجهة نظر إبنتي البديهية أن الإنسان بطبيعته يبعد عن ما يؤلمه لذلك فهي لم تستوعب كيف يمكن لامرأة تعيش في مجتمع منفتح أن ترتكب خطأ فادحًا كهذا ومع ذلك تستمر فيه لسنوات عديدة قبل أن تقررالهرب! سؤالها استدعى لذاكرتي قصة المذيعة الخليجية التي ضربها زوجها بعد أن قضت سنوات كثيرة من الإهانة و الخوف قبل لجوئها إلى المستشفى و الإعلام لعرض قضيتها ثم تراجعها وقبولها بالرجوع إليه لظروف خاصة بها.

يمكن مناقشة هذا الموضوع من عدة نواحٍ. فهناك الناحية الإجتماعية والعائلية التي تفرض على كثير من النساء الارتباط برجل غير مناسب لأحلامهن ولطموحاتهن. وهناك أيضا العامل التربوي والحاجة النفسية لبعض النساء للإرتباط بأي شخص كان مهما بلغن من نجاح والتي تجعلهن في نهاية المطاف يقبلن شتى أنواع الإهانات. ولكن هناك جانب آخر أود الخوض فيه قليلا ولا يقل أهمية عن النواحي المذكورة أعلاه وهو العامل البيولوجي أو الغريزي المتوارث منذ ملايين السنين والذي يؤثر في اختيارات الرجل والمرأة لنصفه الآخر وقد يكون هو السبب في الوقوع في المطبات هذه.

فكيف تختار المرأة الرجل.....ولماذا ؟

لقد أثبتت الدراسات أن معظم الخيارات التي نقوم بها يتخذها عقلنا "الباطن" من دون أن نشعر ويقوم عقلنا "الظاهر" بتبريرها لنا وأن جزءا كبيرا من اختيارات العقل الباطن مبنية على احتياجات غريزية متوارثة.

فالرجل يختار المرأه المناسبة له عن طريق غريزة حب البقاء و الرغبة بالخلود. ولأجل هذا يقوم الرجل باختيار المرأة التي يراها مناسبة لتقوم بهذه المهمة على أحسن وجه ممكن. لهذا عادة مايقوم الرجل باختيار إمرأة تصغره سنا و تحمل ملامح جمالية توحي بالقدرة على إنجاب أطفال أصحاء يقومون بدورالتخليد هذا. ثمة إحباط للرومانسيين والرومانسيات عندما يعلمون ان مايجذب الرجل عبر عقله الباطن ،هو إمرأة صغيرة السن ذات ملامح جذابة ولكن ذلك يتم لأسباب وراثية لايلام عليها بالطبع. وأن كل مايخالف ذلك هو نتيجة التربية والأعراف الأخرى والتي قد تجعل الرجل أكثر مقاومة لأزليته هذه.

ولكن ماذا عن المرأة؟ ماهي العوامل الغريزية التي تجعلها تنجذب إلى بعض الرجال دون غيرهم؟ نفس الدراسات تشير الى أن المرأة في أحيان كثيرة ولأسباب متوارثة تنجذب إلى من يملك القدرة على حمايتها ورعايتها و رعاية أولادها وتلبية رغباتها حتى لو كان أكبر سنا أو سيء الطباع بعض الشيء وأن النساء ،لاشعوريا، يملن إلى من يحملون نوعا من جينات الـ"إم إج سي" المختلفة عنهن.
لكن هذا الإنجذاب اللاشعوري هو نوع من حماية الإنسان لنفسه من توارث الأمراض الوراثية التي قد تؤدي إلى "عدم الخلود". هذا معناه أن عددًا كبيرًا من النسا ء قد يقمن بخيارات خاطئة وعلاقات غير متكافأة لأسباب وراثية بحتة. أنا متأكد أن هذه الحقيقة قد تسبب ألما لكثير من الرجال الذين يعتقدون أن وسامتهم هي التي كانت المسؤولة عن نجاحهم العاطفي..

فهل هذا يعني أننا لانستطيع أن نلومهن على ذلك؟

لا.فإن المرأة إذا كانت مزودة بمقدار أكبر من الحكمة والإرادة والقدرة على حسن الإختيار ستتمكن من مقاومة غريزتها وبالتالي تتخذ القرارات الصائبة. إضافة الى تزويدها بشحنات من الثقة بالنفس لتدافع عن نفسها وترفض الإهانة مهما تعاظمت حاجتها للرعاية أوالحماية. كذلك علينا نحن الأباء أن نربي جيلا من الفتيات الواثقات المتمتعات بالحكمة والكبرياء ليتمكنّ من اتخاذ القرارات الصائبة. وكما علينا أن ننشئ جيلا من الأولاد الذين يحترمون المرأة لعقلها ويبتعدون عن الظلم لانهم الأقوى جسدا.

أرجو أن أكون قد وفقت في جوابي لابنتي ، والأهم من ذلك أرجو أن أكون قد وفقت في تربية إبنة تمتلك الحكمة و القدرة على حسن الإختيار والثقة بالنفس وأن لا تكون عرضة لما شهدناه في هذا الفيلم.


[email protected]