ضحاياه من الحالمين بالثراء السريع
النصب على الهواء !

أحمد عبدالمنعم: بين الواقع والخيال شعرة وبين الفقر والغنى هوة .. واذا كان حجم الشعرة لا يتغير بتغير الزمان والمكان ، فمساحة الهوة تضيق وتتسع باختلاف المكان وربما تصل ذروتها فى منطقتنا العربية التى يعيش بعض أبناءها فى رغد يفوق بكثير ذلك الذى عرفه ملوك أوروبا فى عصور ظلامها ، بينما يعيش أغلب أبنائها فى فقر متقع أو على الكفاف فى أحسن الأحوال .
وبعيدا عن مشاعر الغبطة والحسد التى تنتاب الأغلبية الفقيرة تجاه الأقلية الغنية فان المشاعر الأكثر سيطرة على هذه الفئة تلك التى تفصلهم عن الواقع المرير وتسبح بهم فى بحر الأحلام الذى ينقلهم الى عالم الأغنياء ، وهي أحلام مشروعة فى كثير من الأحيان وربما تكون الباعث الوحيد لاستمرارهم بالعيش ، ولأنهم يدركون جيدا استحالة تحقيق هذه الأحلام قياسا الى تجاربهم على أرض الواقع فانهم عادة ما يكونوا صيدا سهلا فى أيدي بعض الذين احترفوا التجارة بأحلام البسطاء لتحقيق مكاسب طائلة . تلك التجارة التى تأخذ أشكالا عدة وحيل لا تعرف الجمود تنشط بصورة واضحة خلال شهر رمضان ربما لأنه شهر الصفاء النفسى الذى يدفع البسطاء الى تصديق كل ما يقال لهم بدعوى أن من يكذب في رمضان فسيكون عقابه نار الجهنم وبالتالي لا أحد يكذب في هذا الشهر المبارك، وربما أيضا لأن التلفزيون الذى صار جسر المرور الأول بين للنصابين والبسطاء يحظى بمشاهدة أكبر خلال الثلاثين يوما الرمضانية .

اتصل على" 0900" واربح مليون جنيه ،مبروك كسبت أسبوع سياحي مجاني على الساحل الشمالي، املأ هذا الكوبون واحصل على فرصة عمل مقابل 50 جنيها .فما إن ينطلق مدفع الافطار معلنا نهاية يوم من أيام الصيام ويجلس الجميع لمتابعة التلفزيون حتى يفاجأ بهذا الكم الهائل من الاعلانات السابقة التى تثير شهيته أكثر من الأطباق الموضوعة أمامه . يتردد لحظة قبل أن يرفع سماعة الهاتف ليطلب هذا الرقم الخاص بالمسابقة خاصة وأنه سبق أن اشترك فى هذه المسابقة تحديدا أكثر من مرة وانتظر الفوز من دون جدوى، ولكن هذا التردد لا يستمر طويلا خاصة عندما يطل الفائز بالجائزة السابقة من شاشة التليفزيون والإبتسامة العريضة تملأ وجهه لفوزه بسيارة حديثة ويطلب من المشاهدين المساكين أن يحذون حذوه علهم ينالون ما ناله خاصة وأن الفرصة مازالت قائمة حتى نهاية الشهر الكريم .تتضاءل قدرته على المقاومة حتى تنهار تماما أمام هؤلاء الفائزين الذين يطلون عليه بتلك الابتسامة المعهودة .. المسابقة اذا حقيقية والجوائز المقدمة ليست خدعة ولكن المشكلة هى سوء الحظ الذي يلازمه وبالتالي فلا مانع من تكرار المحاولة أكثر من مرة طوال الشهر الكريم لعله حظه التعس يبتسم له ولو لمرة واحدة . ينتهي رمضان وينتهي معه حلم الثراء الذى ضل يراوده ليحل محله كابوس الفاتورة المزعج ، فهو الآن مطالب بسداد قيمة المكالمات الهاتفية التى أجراها للاشتراك فى المسابقات الرمضانية واما أن يدفع أو تقطع عنه حرارة الهاتف .
وبالطبع فان المشاهدين ليسوا جميعا من الذين يبتغون عرض الحياة الدنيا ويحلمون بالشقة الفاخرة والسيارة الفخمة ، فهناك أيضا قطاع آخر من المشاهدين الذين يراودهم حلم زيارة الآراضى المقدسة لآداء فريضة الحج أو العمرة على الأقل .وكلما اقترب هلال رمضان وصلت تلك الرغبة الى ذروتها وبالتالي لا مانع من أن يكون لهذه الفئة نصيب من مسابقات " 0900" فكل ما عليهم هو الاجابة عن السؤال التالي وببركة الله ودعائهم سوف يربحون رحلة حج شاملة الاقامة وتكاليف السفر .

400 مليون جنيه !

بالفعل تحولت مسابقات " 0900" الى غول يلتهم الجزء الأكبر من ميزانية الأسرة المصرية خلال رمضان ،وهذا ما أكدته دراسة حديثة للدكتور حمدى عبدالعظيم عميد أكاديمية السادات للعلوم الادارية .وأشار فيها الى أن 20% من المصريين يشاركون فى مثل هذه المسابقات على التليفزيون المصري وشاشة الفضائيات العربية وكشفت الدراسة أن حصيلة المكالمات وصلت الى ما يقرب من 400 مليون جنيه خلال رمضان فقط .
هذا الرقم الذى كشفته الدراسة السابقة أثار حالة من الهلع في صفوف المصريين ما دفع الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية وعضو مجلس الشعب الى تقديم طلب احاطة عاجل الى الحكومة يطلب فيه وقف المسابقات الرمضانية التى تهدد مستقبل الأسرة المصرية وباتت تطارد المشاهدين في أكثر من 40 مسلسلا و17 برنامجا تليفزيونيا. ولكن يبدو أن هذا القرار لم يكن بالسهولة التى تصورها البعض بعد أن تحولت المسابقات الرمضانية الى ما يشبه شبكة العنكبوت التى تنسج خيوطها بشكل محكم يستحيل معه تفكيكها بهذه البساطة . فحصيلة مسابقات " 0900" والتى تقدر بملايين الجنيهات يذهب جزء منها الى التلفزيون وجزء آخر الى شركة الاتصالت وجزء ثالث الى مصلحة الضرائب والجزء الاخير للشركة المنظمة للمسابقة . ذلك المربع من المستفيدين والذي يمثل الجهات الحكومية ثلاثة من أضلاعه بالطبع لن يقبلوا جميعا التنازل عن الأرباح الهائلة التى تحققها تلك المسابقات التى أخذت فى الزيادة بصورة ملحوظة خلال العام الحالي رغم علامات الاستفهام التى تثار حول مصداقيتها ولكن تبقى الرغبة فى تحقيق الثراء أقوى كثيرا من تلك الشكوك المثارة وتبقى أيضا القاعدة القانونية الشهيرة ..القانون لا يحمي المغفلين .