حاتم العطاء: في زيارة هي الأولى لي لمعرض صديقي الفنان التشكيلي المثقل بصكوك وتباشير دخوله الى العالمية والموقعة له بأنامل أنبياء الفن ورسله في العالم اكتشفت وللمرة الأولى فوائد القبح في عالمنا السفلي ...كانت لوحات زياد مغرقة بآيات الفتنة والجمال حتى كادت تختنق ، كان بريشته الحساسة والدقيقة والفنانة يلقم لوحاته أوكسجين الفتنة والجمال فتنة خلف فتنة وجمالا يتلو جمال دون أن يجعل لها مجالا لأن تزفر قليلا من القبح ..
اقتادني صديقي الفنان من يدي وأخذ يطلعني على لوحاته الباسمة في وجه الحياة بفخر شديد ...انظر ياصديق هذه لوحة اقتبست فكرتها من زيارتي الأولى لنهر الفنون في بيروت ...كانت الصورة جميلة جدا لاتملك عينا أي رجل عند مصافحتها الا أن تنحني لها لتقبلها ببطءٍ شديد وترتشف النشوة رويدا رويدا من كأس غواية ملامحها المجنونة ، امرأة في الثلاثين من عمرها تشع من وجهها نضارة نادرة لايمتلكها الا القليل من بني جنسها ، ذات نهدين مكتنزين ومكورين تبرزهما من بدلة الرقص بعناية شديدة وبدقة محسوبة كعنقودي عنب ناضجين متدليين من عنق شجرة كل مافيهما يدعوك لتذوقهما.
أشار لي زياد بالانتقال الى لوحة أخرى ..على مضض سرت معه وأنا أضمر في داخلي عودة أخرى لتلك اللوحة وبمدة تأمل أكبر تستحقها مثل هكذا لوحات. انتقلت الى اللوحة الثانية ...زياد: هذه لوحة رسمتها وأنا في باريس اقتبستها من أحد المشاهد الحقيقية خلال نزهة قمت بها في منتزه الشانزليزيه..كانت اللوحة جميلة بحق ولاتقل ابهارا أبدا عن سابقتها ، رغم أنها أقل غواية من سابقتها الا انها أكثر رقة وعذوبة ..كانت اللوحة لفتاة في الخامسة والعشرين من عمرها ،ممشوقة القوام ، ذات الملامح الباريسية المعهودة ، تطل بابتسامتها عليك وبوجنتيها المتوردتين وشعرها الذهبي المنسدل على ظهرها من تحت قبعة مخملية حمراء كملاك جميل جدا لايحلق مثله الا على لوحات زياد.
تحركت مع زياد أيضا الى اللوحة الثالثة وأنا أضمر في نفسي عودة تليق بتلك اللوحة وهكذا كان حالي مع باقي اللوحات .. كانت كلها لوحات جميلة فنية تضج بملامح الغبطة والسعادة والتفاؤل ... أطلعني زياد على لوحات كثيرة لثغور باسمة وشفاه تتعانق وزهور تتفتح وأجساد تتلاحم وأنهار تتدفق ..كانت مناظر جميلة جدا لم يستطع خيالي تمالك نفسه أمامها الا أن حلق في بساتينها ذات الروائح الزكية والألوان الربيعية وفي ملاهيها الصاخبة ومضاجعها المأهولة..حتى وصلت الى آخر لوحة واذا بي أحس بأنفي مزكوما من رائحة تلك الزهور التي أصبحت لاأستطيع تمييز عطورها وشذاها وأصبحت عيناي ترى الوجوه متشابهة فكلها آيات من الجمال استحالت الى آية وحيدة جميلة ...ماان وصلت الى اللوحة الأخيرة حتى غيرت رأيي وألغيت جميع مواعيد العودة التي قطعتها مع تلك اللوحات ..أصبحت أشعر أنني بحاجة الى أن أفتح عيني على امرأة قبيحة أو شوكة صحراوية ..أصبحت أبحث عن رائحة كريهة لأشتمها علها تخرجني مما أنا فيه وتعيد لحواسي النصف الآخر من معادلة ذوقي .
ظللت على هذه الحالة اسبوعين بعد زيارتي لمعرض زياد حتى شاء الله تعالى في يوم من الأيام أن أزور معرضا للصور يشترك في تأثيثه مجموعة من الفنانين والموهوبين الشباب .."سعوديات في بيروت شوبينج وبرونزاج" "الشعبنة تزود بالخمور قبل رمضان" صورتان من صور كثيرة التقطها الفنان اللغوي حسن المصطفى – لاأخفيكم سرا كان لها الفضل في اعادة النصف الغائب من المعادلة لحواسي الخمس..صورتان التقطهما الفنان حسن بلغته الرقمية بدقة وعناية شديدتين فكان لهما الإبهار في معرض شباب الواقع غربي شمال صحيفة ايلاف الإلكترونية. قد تبدوان الصورتان لوهلة في حجمهما الحقيقي والطبيعي ولكن ماان تدقق وتطيل النظر فيهما قليلا حتى تتكشف لك حقيقة اخفاء المصور بأدواته المتقدمة وكفاءته المعلومة للجانب الجميل من المشهد الخليجي السعودي وتركيزه وابرازه للجانب الأقبح في الصورة وتكبيره وتضخيمه له حتى غدت صوره الأسبوعية لوحة سوداء سعودية تبرز على ظهرها بياض أعمال الخير العربية والدولية والتي لو أظهر نصف المشهد الآخر المطموس منها لغرقت أعمال تلك الدول وذابت وتحللت في ينابيع الخير السعودي.
فتيات سعوديات يتحين الفرص للتحرر من قيود عباياتهن وتقاليدهن في أسواق لبنان وشواطئها ، وشباب سعوديون وخليجيون يملأون معدتهم بالخمور والبيرة ويحشون قلوبهم بالحب الموبوء داخل ملاهي البحرين ومراقصها مكدسين بذلك حبا وعشقا ونشوة تكفيهم لشهر كامل هو "شهر رمضان الكريم" حيث لامراقص تفتح ولا بنات هوى تغوي.
ملامح هي الأصغر حجما والأوهن تأثيرا في المشهد الخليجي السعودي ولكنها أصبحت على شاشة صحيفة ايلاف وبفضل كاتبنا العزيز الأبرز والأميز للشعب السعودي والخليجي على حد سواء.
تذكر الكاتب أمورا يفعلها بعض الشعب السعودي وراقبها وتتبعها وصورها وكبرها وضخمها وأغفل الكاتب أمورا أخرى اعتاد ولا يزال يقوم بها معظم هذا الشعب
تذكر الكاتب الفتيات المتحررات من ضوابط الدين وقيود المجتمع على شواطئ لبنان صيفا وتناسى الفتيات المتطوعات والمتدربات والمثقفات اللاتي يقضين صيفهن في تقديم المساعدة في دور الخدمات الإجتماعية كمتطوعات وفي المعاهد الأهلية كطالبات علم ومتدربات وفي المكتبات كقارئات وكاتبات وفي مختلف البلدان كسائحات محترمات .
تذكر الكاتب تزود بعض السعودين بالخمور وبنات الهوى في الأسبوع الأخير من شهر شعبان وتجشم عناء اختراع مصطلح له وهو "الشعبنة" وتناسى وأغفل تدفق كامل الشعب السعودي على الحرم المكي والنبوي في رمضان وأغفل صلة الرحم التي تفوع في بيوتنا في رمضان ونسي التسامح والود الذي اعتاد ممارسته الشعب السعودي والخليجي رمضانيا ليغسلوا به أحقاد ماضية اختزنت على مر 12 شهرا ويطهروا قلوبهم منها ولي هنا أن أصطلح "طهرنة القلوب " في رمضان وأعلقه وساما على صدر السعودين والمسلمين قاطبة في أنحاء العالم .
بعد خروجي من معرض الصور الأخير عزمت أمري وحملت حقائبي وتوجهت بها الى الخيار الأول خيار الجمال ، خيار زياد المتأثر دوما بمدينة أفلاطون الفاضلة وقررت أن أنسحب وأعتزل" المدينة الفاسدة" التي فلسفها وشيدها الكاتب حسن خيالا بطوب مقالاته الخميسية.
التعليقات