فراس سليم :لا أزال أذكر بوضوح تلك الفتاة التي كانت تقف عند مفترق الطريق . لم تكن بتلك الجميلة ، لكنها كانت فارعة الطول .ولا أزال أذكر كيف أردت أن أعاكسها .ترددت قليلا قبل شروعي بتنفيذ المهمة فسبقني أحدهم اليها، تسمرت في مكاني أراقبها وهي تكلمه ، وبعد أخذ ورد رحل .
ركنت سيارتي وإنتظرت ، وأخذت السيارات تتوقف واحدة تلو الأخرى أمام فارعة الطول ، وبعد عدد من المباحاث كانت ترحل السيارة ،إلى أن عقدت العزم على عجوز "مهلهل" يقود سيارة حديثة جدا لا بد أن سعرها يتضمن العدد الفلاني من الأصفار .
تمايلت فتاة المفترق وهي تصعد مع العجوز ، ورحلا .
كتمت غيظي ورحلت .
وفي اليوم التالي ، وجدتها . تقف عند المفترق نفسه ،تقوم بنفس الخطوات التي قامت بها أمس .يا إلهي إنها عاهرة .
هزأت من غبائي ، ولكني لم أرحل .
وهكذا بت أركن سيارتي كل يوم ، وأراقبها .
ولم أكتف بالمراقبة فحسب وإنما كنت أشجعها من موقعي لتلتقي أحدهم وأعاتبها حين تقوم بالإختيار الخاطئ .
وبعد مرور حوالي الشهر قررت أن أراها عن كثب ،كان الفضول يتآكلني . شهر كامل ولم أر منها سوى شعر طويل ينسدل على كتفيها وملامح مبهمة لا توحي بقدر كبير من الجمال.
وبعد عدة محاولات للملمة شتات رجوليتي المبعثرة ، إستجمعت شجاعتي ولم أركن في مكاني المعتاد هذه المرة . إقتربت منها ببطء . أحنت رأسها ونظرت إلي .حدقت بها مطولا ،رفعت شعرها بتمهل وقالت "مئة دولار ..وأنت تؤمن المكان".
"لماذا " عاجلتها بالسؤال ، وشرعت تتكلم من دون إنقطاع .
هززت رأسي بنفور " لا شكرا ".
ورحلت .
حاولت في اليوم التالي ألا أعود إليها ، وألا أراقبها ،لكني وجدت نفسي أقود سيارتي لا شعوريا ،وهذا كذب طبعا ، إلى المكان نفسه .أردت أن أقنع نفسي إنني عدت إلى هناك بأمر من اللاوعي عندي وإنني أنا ، هذا الإنسان المحترم إبن الحسب والنسب لم يدمن على مراقبة عاهرة مفترق الطريق .
ها هي هناك ،كما كل يوم .توقفت سيارة أطالت الحديث أكثر من المعتاد . يا لها من غبية ألم يساورها الشك ، فأنا غير المعني بالموضوع ساورني الشك حول هذه السيارة . وما هي إلا دقائق حتى ترجل أحدهم وألقى القبض عليها .
لعنت الغباء في سري وشكرت الله أن فضولي "تمرد " أمس وليس اليوم .
هززت رأسي بيأس وأنا أنظر اليها بأسف . ماذا حل بالعاهرات ، لتحل اللعنة على هذا الزمن الذي يلقى فيه القبض على العاهرات من الشوارع ، ما هذا الرخص . نعم إنني أطالب بحقوق العاهرات .
فالعاهرة فيما مضى كانت على قدر وقيمة .. لكنها اليوم تبيع نفسها مقابل سيجارة . ماذا حل بالعاهرات اللواتي كن قادرات على التلاعب بأذكى الأذكياء، من سمح لهؤلاء الغبيات الدخيلات اللواتي لا يعرفن من العهر إلا الجسدي منه بالحصول على صفة عاهرة . إنني أطالب بإعادة العهر الفكري .. وأطالب بذلك بقوة .
لا أريد أن أرى إحداهن تقف على مفترق طريق . لا أريد أن أسمع أن إحداهن تنتقل من رجل إلى آخر لان مهنتها الترفيهية تقتضي ذلك ، ولا أريد أن أشاهد التلفزيون وتظهر أمامي قبيحة القبيحات وهي تحاول جاهدة إقناعنا أنه وعلى الرغم من أنها "تشغل " وظيفة محترمة لكنها تملك "مسحة" من العهر.
إنني أطالب كل من يحاول التعدي على هذه المهنة بالتخلي عن هذه المحاولات فورا . لذلك سأكتب عريضة وأقوم بتوزيعها لنرفعها بعد ذلك إلى نقابة العاهرات .

حضرة العاهرة الأم ..
لن أطيل الحديث يا سيدتي .. فقط سأعرض الوضع كما هو اليوم .
لم تعد مهنة الدعارة كما كانت ، الكل يريد حصة منها . يقال إن بعض العاملات في مجالات أخرى غير الدعارة يحاولن للقيام بما تقمن به أنتن ، وفي نهاية المطاف يرفضن لقب عاهرة ..وكأن أحدهم سيطلق عليهن هذا اللقب .أعلم أن الباب مفتوح أمام كل من يريد، لكن المعايير تدنت وباتت كل من تريد أو مهنتها تتطلب شبكة معارف واسعة ، تمارس المهنة وفي حال إطلاق لقب عاهرة عليها تقيم الدنيا ولا تقعدها .
حضرة العاهرة الأم .. لو أردت اليوم أن تطردي كل من دخلت إلى المجال لأسباب مختلفة عن أسباب "العهر الطبيعي"، أعتقد أنك ستبقين وحيدة .
لا أعرف ما الحل .
وشكرا ..
حريص على صفة عاهرة .