وليد عنتر: "ليس بالامكان أفضل مما كان"..تبرير احد الاباء اللذين هجروا منازلهم وتركوا اسرهم تتحمل تبعات هذه الخطوة ، فبالنسبة لهم الامر ليس بأيديهم وانما رهن للتحولات والضغوطات التي باتت العائلات تخضع لها .
والبفعل أصبحت الحياة ذات إيقاع صاخب جدا مليئة بالمسؤوليات والالتزامات والصراعات والمشاكل التي لا تنتهيحتى يخيل اليك ان الراحة والهدوء والسعادة امور لا تعدو تخيلات وأحلام الكتاب والروائيين ولا يتخطى مداها الورق الذي كتبت عليه.
وفي ايامنا هذه لا تنهي مسؤولة الاب عند حد معين ، على العكس تبدو وكأن لا حدود لها . بداية يكون الزواج ، وما ادراط ما الزواج ومصاريفه ثم تأتي الولادة وما تتضمنه من مسؤوليات تمتد لفترات طويلة جدا من الزمن ..ولا ننسى قليل من الترفيه الذي له سعره ايضا .
ولا تنتهي الامور هنا ، فيعود الوالد ويسعى لتوفير عمل لاطفاله والمساهمة في زواجهم ، لينتهي به المطاف الى "المساعدة " بتربية احفاده والعناية بهم .
من هنا ومن اجل تلبية كل هذه الاحتياجات يجد معيل الاسرة نفسه مضطرا الى العمل في اكثر من وظيفة وبالتالي غيابه عن المنزل بصورة شبه دائمة، واغترابه عن زوجته وأولاده .ولعل هذه الظاهرة التي انتشرت بشكل كبير في العديد من المجتمعات العربية، باتت تمثل نمطاً جديداً من الأنماط الأسرية التي يغيب فيها دور الأب ، فهو موجود وغير موجود في آن واحد..
وفي الوقت نفسه تحاول معظم الأسر معايشة هذا الواقع راضية او مكرهة فإن مشاكل عدة تفرض نفسها في ظل غياب الاب .

الأمهات: الأبناء أهم
على الرغم من تقدير ام عبد الله لجهود زوجها الذي يعمل ليلا نهارا الا انها لا تنفك تصف وضعها "بالمستعصي ".." صباحا يعمل في وظيفته الحكومية وليلا يتفرغ لعمله الخاص ، ولا يأتي الى المنزل الا للراحة او النوم ". وهكذا وجدت نفسها ملزمة على تحمل مسؤولية تربية الاولاد لوحدها . هذه المسؤولية التي زادت مؤخرا مع بلوغهم سن المراهقة الذي يتطلب حنان الام وصرامة ورقابة الاب "يد واحدة لا تصفق".
هذا الغياب " اللازامي المسؤول " لبعض ارباب الاسر يقابله غياب " كيفي " للبعض الاخر الذي يفضل قضاء كل اوقاته للترفيه عن نفسه على العودة الى المنزل . فام عبد الرحمن التي تصف سنوات زوجها الاولى بالجنة ، تعيش في جحيم لا يطاق الان "بعد ان رزقنا بالاطفال تركني زوجي لاواجه كل شيء بمفردي واخذ يسهر طوال الليل مع اصدقائه ". وفي ظل اسئلة لجوجة من الاولاد عن سبب غياب الاب ، تجد ام عبد الرحمن نفسها تكذب مرة بعد اخرى وتتذرع بعمله ومسؤولياته التي تنتهي .


الآباء: ونحن أيضاً ندفع الثمن

رغم أن غياب الأب له أسباب تتأرجح بين القبول والرفض، إلا أن أغلب الآباء يرون أنهم يدفعون الثمن مثل بقية أفراد الأسرة.يسارع ابو عبد العزيز الى تفصيل "ظروفه" الذي تفرض عليه العمل طوال اليوم خارج المنزل ثم ضرورة اقتطاع بعض الساعات من الوقت الذي يفترض ان يقضيه مع عائلته لزيارة والديه لان شقيقه الوحيد يدرس في دولة اجنية وهو المكلف برعايتهما .." اعترف بالآثار السيئة لهذا الغياب على أبنائي وزوجتي، ولكن كما هم يعانون فإني أعاني من افتقادي للشعور بالحياة والذي يكتمل إحساسي بالأبوة وحاجة الأبناء لي".
ابو سعد من النوع الاخر ..النقيض لابو عبد العزيز . . فهو يفضل الهروب على مواجهة الضغوطات .." لقد كنت زوجاً مثالياً وأباً نموذجياً بداية الامر لكن عندما كثرت مشاكل الاولاد ومتطالباتهن بدأت أنفر شيئا فشيئا من الاجواء الملبدة بغيوم الهم والنكد". ويتهم زوجته بأنه تحولت عنه للاهتمام بالاولاد ، فما كان منه الا ان بحث عن "سعادته " مع اصدقائه او في الانترنيت او القنوات الفضائية.

مما لا شك فيه أن الخاسر الاكبر في هذه المعارك هم الابناء الذين يحرمون من وجود الاب وما يفرضه هذا الوجود من هالة تلزمهم بحدود واخلاقيات وتمدهم بعطف وحنان مختلف تماما عن عطف وحنان الام. قد تكون الوالدة قادرة على الحزم واللين ، وقادرة على المناورة وحل المشاكل والمساعدة بل واكثر قد تكون قادرة على القيام بدورها ودور زوجها على اكمل وجه .. لكن الواقع يبقى ان الاسرة هي اب وام واطفال وغياب اي ركن من هذه الاركان يجعلها اسرة ناقصة .