اثير محمد شهاب
في كثير من الاحيان يصيـبني الدوار مما نحن فيه او مما تعانيه اوساطنا الثقافية؟ إذ تجد في الاحيان اغلبها ظاهرة نقر الدفوف حول قضية معينة ، ومن دون مبرر، وحينما افتش او امضي باتجاه تلك القضية - وبشغف طفولي - يصيبني القرف والازدراء من هذه الادعاءات العائمة والفارغة ، ساعتذاك ، اقول لنفسي :
-هل الخلل فيّ؟ ام في الوسط الثقافي؟

في بعض الاحيان اشاهد كثرة اعتماد الحداثيين بعض الكتب النقدية على حساب غيرها ، وحينما اطلع على تلك الكتب المعتمدة اجد فراغها ولا شيئيتها !!
الحقيقة ان اوساطنا الثقافية - ان كان هنالك وسط ثقافي - تعاني من سوء فهم، وسوء هضم ، وسوء تسويق - وبصدق-، فمنذ ان تعلن ثقافتنا - الشفاهية - موهبة شاعر تدق الطبول. ساعتذاك .. اتردد في قبول هذا الرأي لانني ابتعد عن الانضمام الى ناقري الدفوف الثقافية الذين يعتمدون المشافهة من دون فحص او تحقق من صدق الادعاء .
لقد طال نقرنا – وبقوة - لدف البريكان الشعري، الى درجة لا توصف، على النحو الذي جعلني اصيح في وجوه كل الذين ملأوا فراغ الجرائد :
- كفى ….. اين هي شاعرية البريكان؟

يجيبني بعضهم :
- اه …اه.. انه شاعر خطير !!!
فاقول له :
- وما الخطير فيه؟
فيبتسم - عند ذلك –
ويجيب اخر اكثر جدية :
- انه شاعر كبير …
فاقول له :
- كبير في عمره … ام كبير في شعره .. ام كبير على شعره؟.

فلا يجيبني …

إن حديثي هذا - وبصدق- لا ينم عن اية ضغينة مسبقة ، انا انظر بحسب ماتمليه عليّ ذائقتي، ولقد وجدت فرقا شاسعا بين ما قيل في البريكان الشاعر وشعره بوصفه نصا ابداعيا.
لا ابغض أي شاعر ، ولا اخبىء تحت معطفي أي حقد قد يتهمني بعضهم به، فانا اقدر النص في ضوء الكثافة الابداعية التي يقدمها ، واقول لكل الاصدقاء :

- إن شعر الصائغ يوسف تاج رأسي ، وشعر الحجاج كاظم فانوسي الذي استضيء به في هذه الايام المظلمة والظالمة …

لقد راجعت شعر البريكان اكثر من مرة ، ولقد دققت نظري في قصائده والحق يقال :

-إن خصوصية قصائد البريكان تكمن في اهتمامه بالمهمش (( حياة القرد داخل القفص، النسر والقفص، الفراشة المعذبة ))، ويبدو ان الاهتمام بالمهمش عند شاعر ريادي هو الذي جعله يأخذ هذا الحيز من دون ان تكون هنالك اية خصوصية بالنسبة لجمله الشعرية وصوره الشعرية الانعكاسية ، خذ مثلا قصيدة - رحلة القرد - :

داخل القفص الخشبي
في مؤخرة الشاحنة
يقبع القرد ، ويبدو عليه الهدوء
يتفحص ما حوله
تنطوي تحته الارض مسرعة
تتباعد عند المناظر
تنطلق الشاحنة
في الطريق الذي يتلوى ولا ينتهي
وهي تهتز
يضطرب القرد لكنه يستعيد الهدوء
ويواصل تحديقه :
المزارع خضراء صفراء غبراء
تحت ضياء النهار

لا اعتقد بانتماء المقطع الى حقل الشعر، لا من قريب ولا من بعيد ، فهو بشكل او باخر ينتمي الى لغة القص والتي - مع انتمائها للقص - تبتعد عن كل مستويات الابداع. لغة انعكاسية تقريرية محضة ، وصور شعرية فجة لا يمكن عدّها شعرية ولا سردية.
اشاد النقاد اغلبهم بقصيدة ( الطارق ) ويبدو ان الاشادة قد جاءت في ضوء الموضوع الذي قدمته ( قدوم ملك الموت - الطارق - ) الى الشاعر وطرقه للباب ، تبشيرا باقتراب ميعاده ، ومما زاد من اهميتها تحقق نبوءة الشاعر عند قتله، على الطرف الاخر وفي لغة شعرية عالية في ادائها نجد - الفكرة نفسها – في ديوان سيدة التفاحات الاربع ، وتجسد الفكرة عند الصاتئغ قد تمظهرت في اكثر من موضع :

اهذا إذن كل ما يتبقى؟

اذا انتصف الليل … واسودّ
ليل بلا قمر او نجوم
وصار الندى مبهما في الحديقة …
سيدتي،
ستجيء كعادتها،
ستعبر هذا الممر الكئيب،
وتمشي على العشب حافية،
لحظة،
وارى وجهها، ملصقا، في زجاجة نافذتي،
من هنا،
حيث ينكسر الضوء والوهم:
عينان ذاهلتان،
وشعر من الابنوس، قد اخضر من بلل الليل،
والتمعت خصلة منه،
فوق الجبين،
ومن دونما كلمة،
وبصمت المحبين،
سوف تمد اصابعها
وتشير الى بنصر نزعوا خاتم الحب عنه،
فموضعه ابيض ، مثل جرح قديم،
وتبسم لي …

هكذا … لمحة
وتغيب،
وتترك فوق ضباب الزجاجة
هذا الحنين الغريب-
حنين غريب …
انا … يشبه القبلات حنيني..
سابحث عن شعرة علقت في الوسادة
قنينة عطر..علاها الغبار
قميص به عرق امرأة..
اهذا ، اذن كل ما يتبقى من الحب؟


جمعة الاموات !

اليوم جمعة الاموات
سوف يخرج الناس،
الى القبور

قومي معي..
نبكي على قبرك ياحبيبتي
وحينما يتعبنا البكاء
نترك عند القبر
إكليلا من الزهور..

[email protected]