أصدرت وزارة الثقافة فى مصر كتابا عن اللغة العربية، قام بكتابته الأستاذ شريف الشوباشى، طالب سيادته فى هذا الكتاب بتطوير اللغة العربية، واتهمها بأنها سبب تخلفِ ورجعيةِ العقل العربي (موقع ايلاف - حسام عبد القادر السبت 26 يونيو)، وقد أحدث هذا الكتاب رد فعل عنيف، حيث قامت عاصفة هجوم ضده فى الصحافة المصرية، ووصل الأمر لأن تقدم أحد نواب التيار الاسلامى فى مجلس الشعب باستجواب للسيد وزير الثقافة حول هذا الموضوع اذ تساءل السيد النائب عن "كيف يصدر هذا الكتاب بأموال المصريين ليسفه لغتهم بغير حق"؟ (المصدر السابق) و زاد الأمر تعقيدا، ان السيد شريف الشوباشى وكيل وزارة الثقافة...

و انا هنا لن أتعرض للكتاب من الناحية العلمية، فلست من علماء اللغة العربية، و لست متخصصا فى اللغات، و بالتالى فالاعتراضات التى أوردها الأستاذ الشوباشى و نقلها المصدر السابق وعدة مصادر متفرقة لن تكون ذات اهمية لأننى لست مؤهلا للحكم عليها، كما ان الأمر ينطبق على صيحات الاحتجاج على أفكار الكتاب، و بالتالى فلن نوردها هى أيضا هنا، لكننا سنعلق على الكتاب و العاصفة التى أثارها من نواحي أخرى، والتعليق عبارة عن قسمين، قسم عن الكاتب والكتاب و قسم عن نتائج العاصفة التى أثارها.

القسم الأول، عن الكاتب و الكتاب:

- المؤكد أن الكاتب لم يتعرض للمقدسات الدينية، بل على العكس من ذلك، فقد أكد سيادته أن النسبة الأكبر من مسلمى العالم اليوم لا تتكلم العربية، ,و أكد على ضرورة ان يفرق العرب بين القرآن و اللغة العربية(سامح سامى - شفاف الشرق الأوسط 7 يوليو 2004)، وبالتالى فالكتاب يبقى كتابا فى اللغة ولا علاقة له بالدين.

- اللغة العربية ليست هى اللغة العامية التى يستعملها العرب فى لهجاتهم المحلية اليوم، على الأقل فيما يخص التخاطب، وبالتالى تصوير الأمر على انه هجوم على لغة العرب هو أمر غير دقيق وغير صحيح، لأن العرب لا يتحدثون بهذه اللغة، يكتب بها من يستطيع الكتابة منهم و يقرأها من يستطيع القراءة منهم لكن التحدث بها - بخلاف بعض الأماكن و المناسبات الرسمية المحدودة - يكاد يكون منعدم، بل وفى بعض الأحيان يكون شيئا غريبا ان يتحدث شخص باللغة العربية، فكيف نتهم كتاب باهانة لغة ناس وهم لا يتحدثون بهذه اللغة؟

- كل اللغات فى العالم تمر بمراحل، واللغات التى كان يتم التحدث بها منذ قرون تختلف عما يتم التحدث به اليوم، و بالتالى فبحث مثل هذا يطرح فكرة هامة من شأنها أن تقدم شيئا مفيدا للغة العربية، و الشىء المفيد هنا هو فكرة التطوير..، و اذا أخذنا فى الاعتبار أن نصف سكان مصر - فى احسن الأحوال - يجيدون القراءة و الكتابة لكنهم لا يستطيعون التحدث فى أى موضوع لمدة عشر دقائق بلغة عربية فصحى سليمة، أعتقد انه وجب علينا أن نعترف بأن هناك شيئا يحتاج للتطوير، قد تكون اللغة، قد يكون التعليم،.. أيا ما كان.. فكرة التطوير لا بد من الاستماع اليها بتعقل و هدوء، بعيدا عن الدوافع والمشاعر الدينية، خاصة اذا كانت عن عصب الحياة.. اللغة

- سلاح القمع و المساءلة والارهاب الفكرى سلاح خطير جدا، لا ينبغى ان يستخدم على الاطلاق، فالمجتمعات العربية لن تزدهر مع ازدهار الرقابة و المساءلات فى مجلس الشعب ضد الفكر، وتخويف أى باحث أو مفكر يريد أن يطرح رأى أو وجهة نظر، كل هذا ينبغى أن ينتهى و يتوقف تماما من حياتنا، كان بامكان هذا التيار الذى جعل نفسه رقيبا على الفكر و الأفكار والمفكرين أن يصدر أبحاثا علمية تواجه أفكار كاتب هذا الكتاب بدون طعن فى دينه او وطنيته، بدلا من ان يعيدونا لعصر محاكم التفتيش، و لكن هذه المرة.. و ياللهول.. باسم الديموقراطية.

و بالتالى فالسيد شريف الشوباشى لا غبار عليه، الرجل حاول ان يقدم شيئا جديدا، اجتهد و له اجره كما قال السلف، هل أصاب فنرى ان له أجرا آخرا، أم أخطأ فليس له سوى أجر الاجتهاد فهذه مرحلة أخرى، يناقشها اهل العلم بهدوء ليقرروها، و لكن فى الوقت الحالى ليس لنا سوى أن نحييه على اجتهاده فى موضوع هام مثل هذا، و نحيى الهيئة العامة للكتاب على أنها قدمت مثل هذا البحث.

القسم الثانى، عن العاصفة التى أثارها الكتاب:

ولكن التحية لا ينبغى ان تقف عند هذا الحد، بل ينبغى ان نلفت النظر لنقطة و ان كانت تبدو بعيدة الا أنها هامة جدا، فالسيد الشوباشى لم يكتب فى كتابه أن المقدسات الاسلامية - والعياذ بالله - محرفة، كما فعل الدكتورين زغلول وعمارة فى أكبر جريدتين حكوميتين تصدران بالعربية فى مصر بل و ربما فى العالم كله، عندما وصفا الكتاب المقدس بالتحريف، و أظنه وصف فى منتهى البشاعة أن يصف كاتب فى جريدة حكومية(أو غير حكومية)
مقدسات بعض قرائه بالتحريف، و هذا الكاتب يتقاضى من هذه الصحيفة الحكومية أجرة نظير كتاباته من أموال دافعى الضرائب و منهم بالتاكيد من يؤمن بهذه المقدسات التى تتعرض للسب، و رغم أن السيد الشوباشى لم يسب المقدسات الا أنه تسبب فى استجواب للسيد وزير الثقافة قدمه التيار الاسلامى، بينما فى حالة الكاتبين الذين سبا مقدسات المسيحية سبا صريحا لم نسمع أى تعليق من التيار الاسلامى ينتقد فيه أحد الكاتبين المذكورين، بل الأدهى من ذلك أن أحد الكاتبين - دكتور محمد عمارة - عندما عاود تجاوز كل الحدود فى سبه لمقدسات المسيحية أثار بعض الصحفيين الشرفاء، فأعدوا بيان احتجاج وطالبوا مجلس نقابة الصحفيين بالتوقيع عليه لتقديمه للمجلس الأعلى للصحافة المسئول عن الجريدة التى نشرت هذا السباب فى العقيدة المسيحية، فاذا ببعض أعضاء مجلس النقابة من التيار الاسلامى يحاولوا عرقلة تقديم بيان الاحتجاج للمجلس الأعلى للصحافة..

لقد كشف لنا الأستاذ شريف الشوباشى عن احدى حقائق التيار الاسلامى، وأنه لا يمثل المواطن العادى كما يدعى، بل هو يحاول ان يمثل المواطن المسلم فقط لا غير، وحتى هذه عليها قولان كبير ليس هنا مكانه، لكن المؤكد انه تيار ازدواجى المعايير، لا يعطى للأقليات العددية و ديانتها أى اهتمام، بل و يضع قناعا يخفى خلفه نوايا غير طيبة لهذه الأقليات، لأن التيار الذى يدعى الموضوعية ويغضب لأجل بحث تم توزيع عدة ألاف نسخة منه فى أحسن التقدير كان بامكانه أن يعلن عن عدم عنصريته ويسمعنا صوته عندما كتب البعض مقالات بصحف توزع بملايين النسخ و تتضمن سبا صريحا فى مقدسات أبناء للوطن، أو على الأقل لا يحاول عرقلة جهود المخلصين من ابناء هذا الوطن لصيانة الوحدة الوطنية!

لهذا الصنيع الجميل الغير مقصود نشكر الأستاذ شريف الشوباشى، و نحييه كذلك على اجتهاده ونهتف له "يحيا شريف الشوباشى".