توفي ليلة أمس عميد الشعر الأمازيغي الشاعر والمؤرخ والسياسي المناضل علي صدقي أزايكو بعد معاناة طويلة مع مرض عضال؛ اضطره إلى الرحلة طلبا للإستشفاء بفرنسا بمِؤازرة من الملك محمد السادس على غرار مواقف القصر منذ عهد الملك الراحل مع مجموعة من المثقفين المعارضين للنظام في سنوات الجفاء بين السلطة والمعارضة في السبعينات والثمانينات كمحمد خير الدين ومحمد زفزاف وغيرهما...
والراحل شاعر كبير ومتميز باللغة الأمازيغية "المنبوذة" من طرف النخبة، صدرت له مجموعة دواوين منها "تيميتار" و"ءيزمولن".. وهو أستاذ للتاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط إلى حين تقاعده قبل سنة ونيف؛ متخصص في تاريخ الشمال الأفريقي وله كتابات نقدية جريئة في هذا المضمار ضمنها كتاب "الإسلام والأمازيغ" والمنشورات القيمة التي قام بطبعها مركز طارق بن زياد الذي يديره الدكتور حسن أوريد الناطق الرسمي باسم القصر، إلى جانب مقالات ومناقشات وحوارات عديدة أدلى بها الراحل للصحافة الأمازيغية المناضلة كمجلة "الهوية ـ تاماكيت" وجرائد "تاويزا" و"العالم الأمازيغي" .. وغيرها
وعلي أزايكو أيضا باحث منتسب للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وعضو وازن في مجلسه الإداري.. تم "تعيينه" في هذه المؤسسة المحدثة بظهير ملكي في إطار سياسة انفتاح الدولة على الأمازيغية وإشراك منظمات وفعاليات الحركة الثقافية الأمازيغية؛ غير أنه ما يفتا يبدي ما يشبه الحذر وحتى الامتعاض من المسار الثقافي للمؤسسة ومن وظيفتها المستقبلية..
***
علي صدقي أزايكو مفكر أمازيغي جريء ومعارض؛ أسس أول جمعية أمازيغية في نهاية الستينات، وكتب ونشر دفاعا عن الهوية الأمازيغية منذ ذلك الحين( زمن هيمنة الفكر القومي العربي)،وهكذا باعتباره الرمز النضالي الأول تعرض للاعتقال والمحاكمة، لا، بل أودع السجن سنة كاملة في مطلع الثمانينات ثمنا لآرائه السياسية حول الأمازيغية..
فبسبب من مواقفه الفكرية وبسبب من حجاجه العلمي القوي سندا لبعد أساسي من أبعاد هوية الشعب المغربي اضطرت السياسة الإقصائية التي تسترت ولا تزال تتستر وراء الوحدة والتقدمية حينا، ووراء الدين حينا..
أن تعتقل أزايكو وتتهمه وتدينه بتهمة البحث والتفكير المفضيين إلى التشكيك في عروبة المغرب مع أن البلد غالبية سكانه أمازيغيون، وبتهمة توظيف المصطلح العلمي: "الغزو" عند البحث في أحداث تاريخ المنطقة بدل المصطلح الأيديولوجي: "الفتح" مع أن الأحداث تشهد أن عقبة بن نافع وموسى بن نصير ومن والاهما لم يفتحوا "شمال أفريقيا" بمجرد الدعوة إلى الله وبالورود بل عنوة وبقوة السلاح..
وفوق الانتقام المادي بالحبس الفيزيقي لمفكر، حرم الأستاذ الجامعي معنويا من حق استكمال دراساته العليا بالخارج، بعد منعه من السفر بحجز جواز سفره طيلة سنوات عمله التي صادفت عقود الرصاص والتي لم تنته ـ يا لعنف السياسة ويا لسخرية القدر ـ إلا ببلوغ عميد الشعر الأمازيغي الراحل سن التقاعد منذ سنتين فقط!
ولم يعان المؤرخ الشاعر السياسي الأمازيغي طيلة حياته عموديا من عسف السلطة الحاكمة فحسب، بل ظل طوال حياته يعاني أفقيا كذلك من سوء تعامل التنظيمات الثقافية والأحزاب السياسية ذات التوجه العروبي الإسلامي المتطرف ضد الأمازيغ والأمازيغية
لقد تم تجاهل عملية اعتقاله ومحاكمته وإدانته من قبل الصحافة التابعة لهذه التنظيمات والتي يفترض استنادا إلى شعاراتها المبدئية أن تتضامن معه.. كما لزم الكتاب والمثقفون الصمت وتآمروا سواء كفعاليات فردية أو جمعوية وفي مقدمة تلك الفعاليات اتحاد كتاب المغرب ومنخرطوه..
لا، بل لقد اتخذ ثلة من هؤلاء قرار حرمانه من جائزة المغرب لسنة 1995عن ديوانه "ءيزمولن"؛ الجائزة التي منحتها إياه عن استحقاق ـ وقد نشرت جريدة الشرق الأوسط الخبر في حينه ـ لجنة وزارة الثقافة المغربية قبل أن تتراجع تحت ضغط ذوي النفوذ وذوي الحساسية ضد الأمازيغية
***
عميد الشعر الأمازيغي .. وداعا؟!
أيها الصديق العزيز: من ذا يستطيع أن يقول للتاريخ وداعا!
بل، نم هنيئا فأنت لم تمت
أي نعم؛ أنت لم تمت، ليس لأن الصحافة القومجية ببلادنا قد لا تعلن ذلك؛ ولأن مثقفيها لن يعزوا عائلتيك الصغيرة والكبيرة بالمناسبة الأليمة، بل لأنك من عظماء التاريخ الذين لا يرحلون أبدا إلا إلى ذاكرة التاريخ.
صديقك والمعترف بجميلك
مبارك بولكيد
انقر على ما يهمك:
عالم الأدب
الفن السابع
المسرح
شعر
قص
ملف قصيدة النثر
مكتبة إيلاف
التعليقات