جورج جحا من بيروت: قبل قراءة كتاب (في ظل صدام.. رئيس البروتوكول يكشف وقائع أغرب من الخيال) لمؤلفه هيثم رشيد وهاب مسؤول التشريفات لسنوات عند الرئيس العراقي السابق صدام حسين يجد القارئ نفسه يتوقع الكثير من الخفايا والمعلومات والاحداث التي لم تزل مجهولة وذلك بسبب شخصية الكاتب والمسؤولية التي تولاها.
لاحقا قد يخطر في بال القارئ مثل لبناني محكي مؤداه انه اذا كان الجسم "لبيسا" بتشديد الباء هنا في صيغة مبالغة.. اي تليق به انواع اللباس على اختلافها فهذا لا يعني انه ليست هناك حاجة الى التفصيل والخياطة الجيدين.
وتطلق الكلمة على الانسان الذي مهما قيل عنه في مجال ما وان حمل مبالغة .. فشخصيته تجعل الامر قابلا لان يصدقه الناس. وشخصية الرئيس العراقي السابق وابنيه الراحلين تعتبر عند كثير من الناس "لبيسة" في مجال الظلم وانتهاك حقوق الانسان.. ومع ذلك فعند اصدار كتاب عنهم لا بد من تفصيل وخياطة جيدين ومقبولين كي لا تشوب الكتاب شوائب قد تظلمه او تظلم مؤلفه. وخلال قراءة الكتاب وعند الانتهاء منه قد يعاني هذا القارئ من خيبة أمل كبيرة متعددة الاوجه.
فالمؤلف الذي يفترض ان يكون مطلعا على أمور عديدة عبر 13 سنة من العمل رئيسا للبروتوكول عند صدام والمثقف ثقافة عالية متنوعة يكاد لا يقدم لقارئه أي جديد فغالب ما أتى به يعرفه القارئ العادي اذ ورد في وسائل الاعلام العديدة.
ولا تقتصر المسألة على ندرة وضحالة ما يكشف عنه المؤلف من خلال مركزه الذي يفترض ان يكون "مركز مراقبة واستماع" مهما وعلى استناده الى غيره من مصادر معلومات وعلى اللجوء الى اسلوب "قيل" و"يروى" وغير ذلك.. بل انه يتعلق ايضا باسلوب الكتابة الذي لم يقم على منهج منسجم وترتيب يفترض في اي عمل من هذا النوع فضلا عن اضطراب وتناقض يطلان من هنا او هناك بين فينة واخرى. أضف الى ذلك كله ان الكتاب الذي كتب اصلا بالفرنسية لم تكن ترجمته الى العربية على مستوى بعيد عن الغموض في التعبير والاخطاء اللغوية التي لا يمكن التغاضي عن بعضها احيانا.
ويكثر الاضطراب في التعبير الى درجة قد يجد القارئ فيها نفسه لا يفهم المعنى المقصود بالضبط. ومما يؤخذ على الكتاب ايضا اننا حيث نتوقع معلومات خاصة نجده يحفل بكثير من "التحليل النفسي" الخاص والشخصي احيانا الذي يطلقه المؤلف شارحا فيه خلفيات حياة صدام الطفل والصبي لفهم تصرفاته الرهيبة اللاحقة.
بعض المشكلة هنا ان القارئ يتوقع ان يورد المؤلف ما يفترض ان يكون مرجعا فيه اي ما يعرفه من خفايا حياة صدام بعد معايشته طويلا.. فاذا به يأتينا بكثير مما لم يعرفه شخصيا بل ما نقله عن اخرين من حيث الاحداث السياسية والعسكرية وحتى حياة صدام الطفل. كتاب وهاب جاء في 277 صفحة متوسطة القطع وصدر عن دار (عويدات) للنشر في بيروت وعلى غلافه صورة فوتوغرافية لصدام. الترجمة من الفرنسية الى العربية كانت لريما عويدات والمراجعة قام بها حسين حيدر. وقد أنشأ وهاب بعد سقوط صدام "حزب العراق الاخضر الجديد".
أهدى المؤلف كتابه الى ابيه وامه "...لذكرى والدي الجنرال على رشيد الوهاب الذي أغتيل بامر من صدام وحزب البعث سنة 1969." وقال متحدثا عن اضطراره الى العمل في خدمة الرجل الذي قتل والده "عملت في خدمة هذا الرجل لعدة سنوات وكي يكافئني على خدماتي حاول قتلي ثلاث مرات. وعندما تمكنت اخيرا من الهرب من العراق سجن والدتي وشقيقاتي.. والان بعد ان تحرر الشعب من حبائله استطيع الان التعبير وبحرية دون ان اخشى على اقاربي من الانتقام والثأر."
وقد هرب المؤلف من العراق في اذار (مارس)1993. يضيف القول بعربية "منهكة" الى حد ما انه هرب الى الاردن "بصحبة زوجتي وولدي اللذين كان يتراوح عمرهما بين الثلاثة اعوام والبضعة اشهر."
ويشرح بكلمات مختصرة تقول الكثير عن سمات ما يصفه بانه العقلية التي سادت العراق في تلك الحقبة "منذ ثلاثة عشر عاما كنت أمارس عملي كرئيس للمراسيم المرتبطة مباشرة بالرئيس واصبحت لدي معرفة جيدة به.. أدركت عندها انه لا ينبغي اضاعة الوقت.. كان الامر ينتهي بكل مقربي الرئيس بان يكونوا معرضين للقتل." من الامثلة على الاضطراب في ترتيب مواد الكتاب بما يجعل بعضها يبدو متناقضا أحيانا قوله انه هرب الى الاردن عام 1993 ومنه الى بلدان اخرى ثم عودته الى الحديث عن الذيول التي اعقبت هربه وقوله "لم يتوقف الانتقام عند هذا الحد فبعد ثورة 1991 اللاحقة لهزيمة العراق امام الحلفاء نجح صدام في التخلص من 684 رجلا من عشيرتي شمر بمن فيهم عدد لا بأس به من المراهقين.. عنده أجبرت والدتي وشقيقاتي على الاعتراف امام عدسات اذاعة العراق الفضائية بأنني لست الابن الحقيقي لعائلتي. تخيلوا تأثير الوضع على الام." والواضح ان هربه جرى سنة 1993 بينما جرت اعمال الانتقام قبل الهرب بسنتين.
ومن ذلك ايضا قوله في مجال عن أمور لم يشهدها شخصيا عن الاخوين كامل صهري الرئيس اللذين عادا الى العراق بعد هربهما الى الاردن "انتظر عدي المجموعة الصغيرة على الحدود باسما كما هو دوما." ليعود فيقول في مكان اخر "وعادت العائلتان بكامل افرادهما الى العراق ولدى وصولهم الى بغداد استقبلهم عدي وقصي." قبل ان تجري تصفيتهما جسديا.
ومن الامثلة على الاخطاء اللغوية القول انه اصبح بعد وفاة ابيه مسؤولا عن العائلة وهو في الثامنة عشرة من العمر "مع توفير تربية اخلاقية لاختي الاصغرتين مني."
من تجاربه الخاصة التي كتبها قوله انه اشفق مرة على مجموعة فلاحين تزور القصر لمقابلة الرئيس من الوقوف في الشمس فأجلسهم في أحد الامكنة فجاء قصي بن صدام فضربه بقدمه في عنقه وامر سجنه ثلاثة اشهر لانه ادخل اشخاصا "نتنين" الى القصر وفي كل يوم كان الابن الثاني لصدام يمر به في سجنه "ثملا ليجلدني. وذات مرة اضرم نارا في غرفتي وكاد يخنقني وما زلت اعاني من بعض الانعكاسات الرئوية."
لكنه حيث ينتقل الى التحليل تتحكم العاطفة بالنهج العلمي. يقول في فصل بعنوان "ولادة وحش" عن صدام "يرجع بعضهم قسوة صدام الى كونه ليس ابنا شرعيا وان والده لم يتزوج من صبحة (والدته) لكن هذا لم يتمكن أحد من اثباته." وقد يتساءل القارئ ما أهمية ايراد أمر لم يتمكن أحد من اثباته وهل يكون هذا ردة فعل على ارغام رجال صدام أهل الكاتب على اعلان انه ليس "الابن الحقيقي" لعائلته.
القتل في كل مجال وكل مكان في العراق بأوامر من صدام او ابنيه وبايديهم شخصيا احيانا. في نهاية الامر تشعر بالخسارة لانه كان في مقدور كاتب في هذا الموقع المهم ان يأتي بالكثير لكنه لم يفعل.