شاعر مقيم في باريس، من مواليد 1973 بميدلت (المغرب). درس في المعهد العالي للمسرح بالرباط قبل أن يتابع دراسات عليا في المسرح وفي السياسات الثقافية الدولية بجامعة السوربون الجديدة . يشتغل في حقل الصحافة والترجمة وينشر قصائده منذ بداية التسعينات في مختلف الصحف والمجلات العربية.
رفقة شعراء وفنانين مغاربة، أسس سنة 1998 "جماعة الأكروبول الشعرية" وأخرج للمسرح عروضا مستوحاة من نصوص شعرية بالعربية والفرنسية، من بينها "انبعاث: ذكرى سفر" (مسرح محمد الخامس، الرباط 1999). أصدر ديوانه الأول سنة 2001 تحت عنوان "الديناصورات تشتم ستيفن سبيلبيرغ" (منشورات وزارة الشؤون الثقافية، الرباط 2001). قريبا، تصدر له يوميات باريسية ساخرة تحت عنوان "كيف أصبحت فرنسيا، في خمسة أيام ومن دون معلم".
القصيدة كلمات تسبح في محيط من الصمت

الشعر، مثله مثل الحياة، مسألة شخصية ومصير فردي. إنه حصتي من الصمت.
شخصيا، لا تهمني القضايا الكبيرة، لذلك تنحاز قصائدي لموضوعات لا تكاد ترى بالعين المجردة. الشعر لعب قبل كل شيء. لعب بالكلمات والصور والذكريات. وأنا لا أجيد اللعب بالقضايا الكبيرة، لكنني لست متطرفا يعادي من يكتبون عنها. أعتقد أن الأساسي هو أن تكون القصيدة تلقائية تعبر عن جسد شاعرها وأحاسيسه وأفكاره وأحلامه. لا يهم بعد ذلك عم سوف تتحدث. أكره القصائد المكتوبة عن سبق إصرار وترصد.
عندما أعيد قراءة ديواني الأول (الديناصورات تشتم ستيفن سبيلبيرغ) أكتشف أنني مصاب بنرجسية مفرطة. على الأرجح، لأنني شخص كتوم لا أتحدث كثيرا عن نفسي في الحياة، أعوض ذلك في القصيدة. الكتابة بالنسبة لي هي فضح مستمر للذات، ما يشبه عملية "ستريبتيز" ممتعة. أنا سوريالي. لكنني لم أفكر يوما في تغيير العالم كما فكر بروتون وأصدقاؤه. فقط فكرت في تخريبه مرارا. يروق لي أن أحطم ما لا يعجبني من منطلقات ذاتية صرفة، لذلك أكتب أحيانا بمطرقة. أرثي موت من أحب وما أحب، وأشمت في الآخرين (أشتمهم !). لأن الكتابة لعب مجاني على حدود السخافة فهي انتصار للطفولة وللحرية. أجدني مرات أشبه شخصية جان- بول بيلموندو في فيلم فرنسي قديم عنوانه "الرائع" (Le magnifique) حيث يلعب دور كاتب منعزل، يلتصق بآلته الكاتبة ويصفي حساباته على الورق مع كل من يسيء إليه في الحياة اليومية، عن طريق جعلهم شخصيات داخل الرواية التي هو بطلها، قبل أن يفتك بهم بسادية مضحكة. الجدية أخت توأم للمباشرة لذلك فالشعرعندي بالضرورة ليس جادا. إنه انحياز لللعب المجاني وللسخافات.

في قصائدي أحاول اصطياد المفارقة وأبحث عن المدهش واللا متوقع، ليس عن طريق خلق علاقات جديدة بين الكلمات، لكن من خلال توليد صور ومشاهد تخرج عن المألوف، باستعمال مرجعيات مشتركة مع القارئ. لذلك تحضر بكثافة أسماء لأشخاص (مشاهير) و لأصدقاء (شخصيون) وأسماء الأمكنة والمدن والكتب والأعمال الفنية. هذه الأسماء تعني لي أشياء خاصة، لذلك أصوغ منها مشاهد سيرتي الذاتية. البعد المعرفي أساسي في القصيدة. ليس ضروريا أن يحضر بشكل مباشر في النص لكن لا بد أن يكون حاضرا في رأس الشاعر. لا أظن أن شخصا لا يقرأ ولا يشاهد ما أبدعته الحضارة الإنسانية (مسرح، سينما، تشكيل، معمار، تكنولوحيا، أساليب حياة... ) بإمكانه أن ينتج شعرا جديرا بأن يجد مكانه بين ما كتب. أنا من عشاق الرسام البلجيكي السوريالي "رينيه ماغريت" الذي رسم ذات يوم مظلة وكأسا وسمى لوحته "عطلة هيغل" وعندما سئل لماذا، قال إن "الكأس تستقبل الماء بينما المظلة تطرده، أليس ذلك تمظهر" للجدل" جدير بأن يسلي هيغل إذا ما فكر فيه أثناء إحدى عطله" !

القصيدة هي عبارة عن كلمات تسبح في محيط من الصمت. لكل كلمة صمتها. والكلمة هي تآلف بين صوت ومعنى. لكن عندما تأخذ الكلمة مكانها في القصيدة، تغدو تآلفا بين صوت وطيف من المعاني. كل كلمة تملك طيف ظلال. في منطقة تقاطع هذه الظلال بالضبط، يوجد الشعر.
من "غيمات أسفل الأدراج"
(مجموعة غير منشور)
مـصابيح مكســرة

الزقاق المعتم. والخطوات المشمسة. وعشب المدرسة القديمة. والمصابيح المكسرة على رأس الهواء الأعمى. أين أذهب؟ أسأل المدن التي تسيل مثل جرح في كتاب. أسألها عن الصباحات المغلقة وعن الصباحات المفتوحة والمستطيلة والمربعة. عن الدجاجات الملونة في صباي. عن البيض البريء الذي سرق الأصدقاء. و عن ريشات الزقاق المعتم. أحمل أحزاني في حقيبة جلد. أركب درّاجة في اتّجاه الأبدية. وأهمس في أذن عمود الكهرباء الطويل:
-ذاهب للنهر ... ولا تخبر أمي !
ذاهب للنهار كصوفي خذلته الأمطار والشطحات. كبندقية صيد ترتاح فوق كتف الماضي. على لوحة حائط. بلا غابات وبلا يمامات في البال...
اليمامات
اليمامات.
شويناها في ضحكة. تقاسمناها مع أعدائنا الصغار. لا تكترث بعقارب الساعة التي تلدغ وتدور في الإتجاه المعاكس. الوقت في رأسي وفي ملامحنا القديمة. تركنا جنب النهر شقاواتنا الخضراء. تركنا أدغالا مرتبة بعناية وشجيرات تفاح وقحة ... لا تكترث!
باريس/ أبريل- ماي (نيسانأيار) 2002

قصائد بلا مستقبل

الضباب في الرأس. والمطر في الخارج ممل. والمدن ثقيلة مثل تركة جد أحب الغبار. هاهي ذي على الحائط قصائدي القديمة مبللة وبلا مستقبل. هاهو النهر يمشي، حذرا كصياد غمام يراوغ الحظ والخسارات. هاهو عمود الكهرباء فارعا ووقحا كتلميذ كسول بنظارات سميكة وأحلام شاهقة. يسرق تفاحات ملونة من طبيعة ميتة فوق الجدار. وينكل بطيور وديعة على غلاف دفتر الأشياء. في الرأس ضباب ومدن رمادية ثقيلة وفي الخارج مطر ممل. ما عدنا نسقط كما كنا. ما عدنا نصعد. على الأرصفة سينبت أصدقاء جدد. وعلي أن أسرق مزيدا من الضوء. علي أن أنظف مربعا صغيرا فوق رأسي. أن أضع فيه نجمتين وقمرا لكي أكتب رسائل حزينة وأسهر. علي أن أقفز بخفة نحو قرون لاحقة لكي أخدع العمر والخسارات.
الرباط/ 31 يوليوز (تموز) 2002
غيمة الهنود

تخلع الغيمة تبانها وترتمي في النهر. أنظر للنوافذ وهي ترقص. للغيمة وهي تجري. للجنرال وهو يقتل الهواء. للهواء وهو يضحك. أنظر. ينزل هنود حمر من قصيدة رامبو. يبحثون عن الجثث وعن كتب الحب. يتشاجرون قرب النهر. فوق المركب السكران. يفتشون عن رؤوسهم في حقول القطن. يصبغون بالأزرق أرواحهم ويختفون مثل أعاصيرمغرورة. أنظر. مؤلمة غيمة الهنود. كفكفت دمعها الغابات. وجثا الشتاء على ركبتيه يبكي. كان الليل يعتني بأحلام مستعملة. يبريها بإزميل صدئ. وأنا أنظر.
باريس/ 03 شتنبر(أيلول) 2001
حـيوانات القــلب
لا أنهار في يديه. لكنه يثق في يوم الأربعاء. الحيوانات التي غادرت قلبه في الصباح ذهبت لتكتب سيرتها في كوكب بعيد. حسنا. سيسجل في أجندته هواتف أشجارالصفصاف. سيحيي لقلاقا فوق بناية البريد. لماذا ترقص في روحه المناديل ؟ ألا بد من ريح للوداع؟ لن يراسل أحدا. لن يهتف لنهر الأمازون. عمود الكهرباء رومانسي جدا. أضاع تبانه في البحيرة. كأن الثلج توأم نسيانه. كأن النوافذ تستدرج أحزانه لشتاء. يا موجة علقتها في مصباح. يا ضوءا يتدلى من موتنا. يا روحا تلمع فوق حبل غسيل: هل أمد رأسي نحو النجمة؟ أما زال عمود الكهرباء يخاف الحنين؟ والحيوانات التي غادرت قلبه هل تركت قمرا فوق الوسادة؟ هل تركت رأسا مقطعا كي أصحو على ابتسامته الباردة؟.
باريس/ 09 يونيو(حزيران) 2000
La Si Do Do Si La Sol
هذه هي الحياة:
عمود الكهرباء الذي يلعب كرة الطاولة فوق عمارة غاضبة. القطار الذي تأخر ساعتين فوجدته في حان يشرب. الشماليون الذين ينكلون بالشمس. الشريرات العموديات. الدافئات رغم أنف الثلج. الغجرية التي تضيء الطريق إلى النهايات. الكلمات المبللة فوق حبل الغسيل. الغائبون. الغائبون الطيبون. La Si Do Do Si La Sol من أكورديون الأعمى. العجيزة التي تحرس الليل في المترو رقم 13. الثواني التي تمر فوق رؤوسنا مثل سرب صحون طائرة.
هذه هي الحياة:
قميئون يتجشؤون في صيدلية نسيان. أنبياء بأقراط في الأنوف. يدهنون البدايات بمراهم بيضاء ويرفعون تفاحاتهم نحو الغيوم. أصدقاء مشردون في فكرة. مواخير في حروف الهجاء. ياءات رامبو. بصاق الصيادين في نهار معطل.
هذه هي الحياة.
تتسكع مثل رائحة في مطبخ قاس. مثل أشخاص لا نعرفهم لكن نتبادل معهم التحية والنساء.
........
سأخرج من الدولاب حياة نظيفة هذا الصباح.
باريس/ أبريل (نيسان) 2000

أبـي

لم تكن السنونوات تكفي. ولا جبل الزيتون. ولا صباحات الصحراء البعيدة. القطارات هي القطارات. وصفير الأيام مؤلم. سنغرس في أرواحنا أشجارا وقبعات. سنحرس ما تبقى في الظهيرة من تمتمات فوق نشيد الذهاب. ولا بد أن تنهض من جديد لتحيي في الطفولة خوخة. لا بد أن تحملني بين ذراعيك إلى كوكب قديم ... أتعرف أن الفراشات عادت وأن الشتاء ابتسم؟ ستكون نائما كما في حلم. باسما كالضوء في كف عمود الكهرباء. لم تكن الفصول تكفي. ولا السنونوات. كان يوليوز أصفر. ولو شاءت الغيمات لكان السريربساط ريح. لكن. كان لا بد أن نحدق في القطن. لم تكن الظهيرة حقا ظهيرة. وصباح الأحد. قتل سنونوات على النافذة. ومر. صباح الأحد.
باريس/ 18 أكتوبر(تشرين الأول) 2002
الشيخ

الشيخ. الشيخ الذي يمشي في الحلم بلا عكازات. ويتثاءب مثل كلب أنزله صحن طائر. الشيخ الذي في عينيه كرتا ثلج وفوق رأسه مدينة محطمة. لماذا يعذبني بمنديله الملون وابتساماته الخضراء؟ الشيخ الذي كدس الأغاني في محفظة ممزقة. وحمل الأنهار فوق خديه. والحقول على صدره. والبلاد في حذائه المثقوب. وجاء إلى الحلم لكي يربك القطارات التي تشخر. الشيخ. قلت الشيخ الذي بلا إسم ولا ظل ولا رأس. هل يعرفني؟
غبيا سأبدو، مثل شاحنة تسير خلف نشيد. جنود العدو دخلوا سرا إلى قلبي. أحببتهم. جنود صغار بدبابات من ورق. قصفوا كلماتي الجميلة وكسروا جدران المدينة. دخلوا كالحب. الشيخ مازال يمشي في حلمي. شخير القطارات لا يزعجه. وأنا صرت صديق أعدائي. الشيخ. قلت الشيخ. لماذا يزعجني؟
باريس 2002
نظارات بيكيت
كنا نلتقي في ذلك الكوكب البعيد. حيث قطعان الشمس لا يدركها الليل. كنا بلا رؤوس. نحرس الحياة من الريح. نقرع أجراس الأبدية. على ذلك الكوكب البعيد. نزرع البطاطس والحماقات. لم نكن وحدنا. كانت ضفاف النهر الوسيم تغني يوم الجمعة لقارب ينام بين أصابع الله. الرسالات لا تصل. والكوكب معلق في عيني فتاة من ورق الألومنيوم. في الثلاثاء الأول رقصنا بلا أرجل. بسماوات قليلة وغيمتين. رقصنا. كأن الحياة جلست على الأدراج تنتظر النهاية. كأن الحائط غاضب. كأنها الأبدية. رقصنا. في الرأس جسد صغير. وفي الجسد فكرة مبللة. لا بد من مفتاح لهذا الفراغ. خذ الفضاء معك وأنت تغادر الحزن. خذ تفاصيل الأصابع. اترك لي نهدي أستاذة الرقص. لاشيء نفعله. سنلتقي في الفكرة العاشرة. بدأت أصدق ذلك. لا قهوة في الكلام. هاك كلمتين. ألقهما في سطل القمامة. انتظر. سوف يمر غودو بعد هنيهة. حرك مؤخرة الهواء. انتظر. عمودك الفقري عنقود نجوم. سوف نضيء هذا الصباح. لا عليك. خذ تبانها الوردي ودع لي النهدين. هذا البحر مبلل. كأنه يدنو من الرقصة. كأننا نبتعد. سنلتقي في البداية. نكّل بالأرض. اترك لي نهديها وقطعة شمس. خذ الرقصة. انتظر. علقني على حبل الفراغ. هاهو غودو يجرجر حماقاته. دع لي نهديها.
باريس/ 01 يونيو (حزيران) 2001
غيمات أسفل الأدراج
أوقدوا أصابعكم وانتظروا أسفل الأدراج. بعد بضع ضحكات سوف يمر هاملت. سوف يمر دون جوان حاملا نسوته في كتاب صغير ووسامته في حقيبة جلد. سوف يمر أوديب. لاتحفلوا بالغيمات. سوف تسقط سماوات كثيرة فوق الخشبة. لا تكترثوا بالشتائم. سوف نبكي جميعا. نبكي على المدافع الكسولة وعلى المحيط الأزرق البريء. المأساة طويلة. وعيوننا من زبرجد. أوديب ما زال يستمني على الجسر. سنثقب أعين السماء لكي تحلق أرواحنا عاليا. تقدم. حصة الإرتجال سخيفة. ورجلاك من خشب. افتح تنكة أخرى. اكسر زجاج الفكرة. اصعد في الهباء. ها نحن جميعا نرقص. نسينا الظلال معلقة في حصة الموسيقى. والحوريات سقطن في سامفونية غامضة. اكسر زجاج الفكرة. أغلق ديون أراغون. ستطير كل العصافير. من سرق التفاحة من نشيدي؟ من أرسل دجاجاتي إلى الكوكب؟ تقدم. تبدأ المسرحية بصرخة. تنتهي المسرحية بنجمة. تقدم. الأضواء خافتة. ورجلاك من خشب. عيوننا من زبرجد. والحركات ظلال: كيف تجمعنا في هذا الشتات؟
باريس/ 21 غشت (آب) 2000
رحلة الكنز
لم يبق لي غير سماء ممزقة فوق. وأحذية مؤلمة تحت. الهواء ملوث بالذباب والأعداء. صديقاتي كلهن ذهبن مع الريح. ذهبن في اتجاه الحسرة مثل صيحات في صحراء، وتركنني وحدي في مزبلة النجوم. الكواكب قربي تمسح خطومها. الملائكة يلعبون الكرة. الأنبياء يقتسمون الخسارات. وأنا أفتش عن ذهب الأرواح. أسرق من الريح نساء الريح. أثقب أحلام السفينة. أدلي رأسي في بئر الحزن. أسقي جثث الموتى بالضحكات. أحرق رغبات البنايات العجوزة. أنكل بملابس الليل. أشتم كوابيسه الملونة. أجلس قرب اليأس كفكرة خضراء خلفها البحر وراءه. الموجات ذاهبات نحو الخريف. الربان ينظر للهواء. يخرج من عيونه عيونا لزجة. مثل فواكه قاسية يوزعها على منبوذبن وأشرار. القراصنة كلهم يحبون الضوء. يضعون في سطل القمامة أمهاتهم ويكتبون على الماء سير أرجلهم الخشبية. صحت في البحر: " أيها الجلف كف عن الضحك ولا تلتهم أرجل الأصدقاء". صرخت معي الأمواج . جررنا الماضي من ربطة عنقه: ماذا سنفعل بالغرقى إذن ؟ كنت فخورا بالضوء. ألوح للعائدات من البداية. أخسر عمري في الطريق إليّ. الشعراء يصطفون خلف زجاج الأبدية. يلوحون لي. يلوح لي المتنبي. رامبو. طرفة بن العبد. بودلير. لوتريامون. يلوح لي إيلوار. تلوح لي أعمدة الكهرباء الكسولة. أشجار الصفصاف الحمقاء. تلوح لي الأناشيد المبللة. تعبت من المناديل. سأرفع تفاحتي عاليا إلى الله. عاليا سأصيح:" أيها القراصنة الطيبون، دعوا سمائي ممزقة وخذوا كل الذهب! "
باريس/ 15 أكتوبر(تشرين الأول) 2001
أبديـة مـن ورق
عادوا من نفق بعيد إلى الصحراء. مثل أضباب أكلت هواء آخر ليلة. مكثوا بضع دقائق في التاريخ ثم خرجوا. يحملون الهزائم وجثث الأصدقاء. كأنهم قطط في منتصف ليل أخضر. كأنهم كواكب تأكل حزنها. تقول للهواء ما عن في رأس الغزالة. يا للنجوم المتأخرة فوق المشيئة تبكي. يا لليل المخبا في صوت هاملت : كيف يمر أمامي ثانية شبح أبي الأول؟ كيف أقطف تفاحة صمت من حديقة الكلمات؟ إنهم أصدقائي. عادوا من الحقيقة بخدوش في الوجه وأظافر في الكلام. عادوا بلا رؤوس. ارتموا على صحن البطاطس. نقوا مثل ضفادع. وافقوا على النزول إلى الحضيض. تناولوا إفطارا سريعا في فكرة صغيرة. كتبوا قصائد بيضاء عن الخريف وعن موت من نحبهم. رتبوا العمر في دولاب وتواعدوا على اللقاء في نجمة. بسبب القطارات المؤلمة. لم أعد أحبهم. بسبب الغيمة الوقحة التي تفتح الباب في لوحة ماغريت. كلهم عادوا. علقوا رؤوسهم مثل قمصان على حبل الغسيل. سقطوا في البئر. هل نظفت صدري من نفاياتهم؟ لا شمس فوق رأسي. تعال نشتم غيمات أبريل لأنها تشبه صديقاتنا السمينات. لماذا لا ترقص الشمس؟ لماذا ينكلون بالأبدية فوق الطوار؟ الأصدقاء لايعودون إلا لإشعال الحرائق. وأبديتي صفراء. عادوا بلا رؤوس لكي تبكي الفصول. هل في يديك كواكب أخرى كي نضع فيها زوارقنا الورقية ؟ كي نبدأ؟ كي نحرس الهباء؟ كل المناديل اشتعلت. سنصعد للسماء كي نوزع أدوار مسرحيتنا الأخيرة. سوف نعيد المشهد ذاته أمام النجمة الغاضبة. لم نوقع مع الريح عقودا. هل أنت من سيحرث الهواء؟ أنت من سيحمل أكياس الضوء؟ لست صديقي لأنك تركتهم يعبرون. كانوا واضحين كأسف. تركتهم يعبرون. نظراتهم من زجاج. تركتهم يطلون من سقف الفكرة. كزنوج فروا من مكيدة. لم يعد أحد. وحدي ألقيت تحية الصباح على الحديقة. سقطت التحية فوق الرصيف. كانوا يبيعون الرسائل والدموع. نظفوا شوارع الروح ومروا. عادوا ثانية. سوف أخبئ رأسي في مشنقة جديدة. أجرح الهواء كي تصرخ الأرانب. هاك تفاحة أخرى أيها الموت. دع للأبدية أصدقائي. دعهم يضحكون ... أيها الموت.
باريس/ 18 يناير(كانون الثاني) 2001
قواربي الوقحة تنزل البحر المتدارك

1-عطلة نهاية الأسبوع
في صباح الأحد
عاليا قد رفعت يدي
عاليا صحت يا سيدي
...
لم يكن في السماء أحد
2-عاشقان يتجولان في سماوات قديمة
آدم في الغيوم
يتبع امرأة
ثم يقفز فوق النجوم
...
توتة... توتتان...
يسقط العاشقان
3-الفتى الذي ضيع أشياء كثيرة
آه لو كنته
كنت ألفيت كل الحدائق مشنوقة في النشيد
كنت ألفيت كل البنايات تبكي وتصرخ
حتى الجدار العنيد
آه
لو كنت هذا الفتى الجلف
...
ذاك الذي صرته
4-تشرد الليل في كواكب مجهولة
العجب:
ملاك الجنوب
وملاك الشمال الذي في السماء
أخطآ في الغروب
لهذا السبب
وجد الليل نفسه في كوكب آخر
ليلة الأربعاء
5-جدارية مسروقة
رأيت بلادا تعانقني
بأيد صباحية: كن
جديرا برائحة الخبز. كن
لائقا بزهور الرصيف
فما زال تنور أمك مشتعلا،
والتحية ساخنة كالرغيف
الرباط باريس 1999