رأي للتحاور وليس للشقاق ـ القسم الأول...
لابد من الوقوف عند جزء من إشكاليات الواقع السوري ومعارضاته كلما حدث شيء ما في دمشق..دمشق التي أضحت كاليتيم على طاولة اللئام. واللئام هنا كثر..منهم من هو لئيم في مصالحه كالدول الغربية والإقليمية والسلطة السورية..وقسما من معارضة تعتاش على نهش لحم بعضها كما أن هنالك قسم منها لا يستطيع العيش دون أن يبرز على السطح من خلال أن الاسم لديه أهم من المعنى وهذا ينطبق على بعض رجالات المعارضة ـ الذين يتعاطون مع القضية بوصفها مشروعا ماديا بالدرجة الأولى !! ومنهم من يرى في أسمه بديلا عن كل المصالح
كثيرة هي الأسباب ولكنها إن أضيفت على الشرط السوري الخاص يصبح الموضوع غاية في التعقيد وأحيانا غاية في اللؤم والخبث يتلون كحرباء.. وهذا الشرط السوري الخاص هو الذي ينبع ويتراكب مع إشكاليات عميقة في المجتمع السوري كان للسلطة فيها الدور المؤسس في انبثاقها كحالة مرضية مزمنة ومهددة لوحدة المجتمع السوري :
تعاطي السلطة الطائفي مع كل مناحي سيطرتها على المجتمع من جهة، وغطرستها المرضية في التعاطي مع المسألة الكردية في سوريا من جهة أخرى. حول هذا المحور تتلون أشكال من التعاطي السياسي مع الشأن السوري بدء من اللون الطائفي وانتهاء بألوان من العقد والمصالح لا يعرف بها سوى الله عز وجل !! سأعطي مثالا :
إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي في لحظة صدوره أول اتهام وجه له أنه إعلان طائفي إقصائي. وافتتحت وقتها ولازالت ورشة سجال لم يبق فيها ـ ستر مغطى ـ كما يقول المثل العامي في دمشق الجريحة. وسأبدأ النص بفجاجة فيها شيء من التهور النظري وربما الأيديولوجي :
هنالك تصريح يتردد في أوساط بعض المعارضين منذ زمن على لسان معارضين آخرين ربما منهم من كان مسؤولا في سلطة من سلطات هذا النظام أو الذي سبقه تقول أو مفادها :
[ نحن لا نريد العودة إلى تاريخ كانت فيه النساء العلويات ـ نسبة إلى الطائفة العلوية في سوريا ـ يعملن في منازل أغنياء السنة ] لذا يجب أن يكون هنالك عدم استمرار بشكل من الأشكال استمرار لسيطرة الجيش على مقاليد السلطة في دمشق مهما كانت نوعية التغيير المنشود من أجل ضمان ألا يعود الوضع إلى تلك الحقبة بالطبع في تزوير متعمد للتاريخ السوري المعاصر.
وتلك النقاشات والمهاترات أحيانا التي صاحبت إعلان دمشق..نفسها صاحبت إعلان جبهة الخلاص الوطني التي أبرز مؤسسيها هما جماعة الأخوان المسلمين والسيد عبد الحليم خدام وبعض القوى في الخارج. أيضا اتهمت كما اتهم إعلان دمشق بالطائفية والإقصائية واللاديمقراطية. هنالك من يقول الآن :
ماذا يختلف السيد عبد الحليم خدام عن السيد رفعت الأسد أليس كلاهما كانا نائبين للراحل حافظ الأسد ؟ لماذا إذن جبهة الخلاص استثنت السيد رفعت الأسد ؟ ألا يشكل وجوده ضامنا لعدم طائفية جبهة الخلاص الوطني ؟
ثم تفاجئنا أيضا بما سمي [ إعلان سوريا ] والذي تم طبخه على نار أرضية ونص إعلان حلب ـ الذي كان سيأتي ردا على إعلان دمشق ولكنه لم ير النورلأسباب عدة يعرفها القائمون الحقيقيون على إعلان سوريا ـ حتى جاء تشكيل ما يعرف أيضا بالمحور الثالث الذي جاء انبثاقه في أجواء لقاء كندا للمعارضة السورية بتاريخ 29/4/2006 في مونريال بكندا. والذي أيضا رافقه تهم وتهم متبادلة بين المشاركين به وصلت إلى تناول بعض المشاركين بطريقة شخصية !!ليس هذا هو المهم.. المهم أن هذا الإعلان الجديد يدعو لطرح ثلاث تساؤلات :
الأول : ما علاقة المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان بإعلان سياسي كهذا ؟ والسؤال الثاني : كيف ننقد الأخوان المسلمين في سلوكهم الطائفي موضوعيا وذاتيا وهنالك من يقول بالليبرالية وهو ناطق باسم تنظيمات لها طابع ديني أو إثني كيف يتم الجمع بين المسألتين ؟ والثالث : لم يأت الإعلان على ذكر للقضية الكردية في سوريا ورؤيته لحل هذه القضية ؟ لهذا من منكم يدخل على صفحة التواقيع على إعلان سوريا في موقع الحوار المتمدن يجد عينة من الموقعين ومن التعليقات على توقيعهم ـ بعض أبناء شعبنا من السريان حيث يشكل أحد المنتجين لهذا الإعلان ناطقا رسميا باسم أحد الحركات السريانية الآرامية. وهذه حق لأن حق المواطنة مهدور في سوريا فحقهم بهذا الإحساس بالغبن الذي لحق بشعبنا السرياني في سوريا ولكن هل لحق بشعبنا السرياني لوحده ؟ تماما نفس النقد الموجه لجماعة الأخوان المسلمين تقع فيه الأطراف الناقدة نفسها. وأنا كنت قد بينت في أكثر من موقع ودراسة وحوار أن الجماعة في التكوين المجتمعي السوري يحضرون موضوعيا كوجه طائفي. وعليهم تجاوز هذه المحنة !! كيف يمكن فصل الدين عن الدولة وأنا أتحدث عن أنني أمثل حركة دينية طائفية في حضورها الموضوعي أو في حضورها اللامرئي في خلفية المشهد الذي أزينه بتعبيرات ليبرالية..الخ والسؤال الذي يتعلق هنا بالضمير المهني والقيمي والمعرفي : هل يمثل الأخوان المسلمين الشعب السني في سوريا ؟ بمعنى هل يصبح السوريين السنة كلهم أخوان مسلمين ؟
وإذا كنت أؤمن بمفهوم المواطنة على أرضية تنظيم سرياني وخلافه علي أن أؤمن بها على أرضية تنظيم عربي سني !! وهذا ينطبق أيضا على الأخوة والأصدقاء في الحركة الكردية : كيف أؤمن بتنظيمات كردية قومية في مفهوم المواطنة وأرفض التنظيمات القومية العربية داخل هذا المفهوم ؟ ليس غايتنا الإساءة لأحد كائن من كان لكننا نحاول إخراج النصوص المعلنة من حربائيتها الضمنية. وهذه المحاولة برمتها يمكن أن تكون خاطئة ولكنها مطروحة للحوار. ويبقى السؤال المركزي الطارد لتلك الغطاءات والتلونات : كيف سيتم تداول سلطة على أرضية نفس السلطة كما هو مطروح في إعلان سوريا ؟
ليس الطائفية تدين فقط بل هي إحساس بالانتماء لأن السلطة أفقدت المواطن حس الانتماءات الأخرى السياسية والمدنية وكيف هي الدعوة للقيم الليبرالية الكونية على أس طائفي أو ديني أو قومجي متعصب ؟ وهذه الفقرة ستكون مثارة في مقالة مستقلة ستنشر قريبا..الفارق بين الإحساس الطائفي كتدين سياسي ـ السلطة والأخوان نموذجا ـ وبينه كانتماء ثقافي وجداني قسم من رجالات السلطة وبعض مثقفي المعارضة السورية نموذجا.
أسئلة هي خارج النص المعلن في كل المعارضات السورية ـ وهي معارضات وليست معارضة واحدة وكل المحاولات لجعلها معارضة واحدة تبوء بالفشل وهذا ما يجعلني أحيانا في حالة اليأس من إمكانية أي انبثاق لمعارضة واحدة !! والفرق بين معارضة واحدة ومعارضات بالنسبة لي هو : شرف الخلاف والاختلاف..وليسمحوا لنا إذن بالقول المعارضات ليس لديها شرف الاختلاف والخلاف بل هي فرقاء تريد تحطيم بعضها بعضا !! أما معارضة واحدة هي التي تؤمن بحق الاختلاف وبحق الآخر بالمعارضة وتبحث عن مفهوما مركزيا جاذبا وليس مفهوما طاردا وهو مفهوم التعايش في الفكر التنويري الغربي وتجربته التاريخية على أرض الواقع. المعارضات تستند في وجودها على الطرد وليس على الجذب..لهذا هي فرقاء تتحارب وليس فريقا يختلف
ويتعايش..بينما المعارضة تستند على الجذب والتعايش الحر الضامن لحق الاختلاف. وفي هذه النقاط ما يعيدنا إلى أجواء إعلان بيروت دمشق الذي راح ضحيته سجونا وتنكيلا رموزا مهمة من المعارضة السورية التي هي بفلك إعلان دمشق..والمفاجأة كانت بالنسبة لي هي تبرير معارضات سورية أخرى بشكل بريء أو سيئ النوايا للحملة التي قامت بها السلطة بحجة إما أن التوقيت غير مناسب أو أنه يخدم إسرائيل وهذا المنطق يدعو المرء أحيانا لكي يقف أمام نفسه قبل أن يقف أمام الآخرين ويسألها :
أي معارضة ديمقراطية يمكن لها أن تبرر اعتقال شخص على رأيه مهما كان هذا الرأي مخالفا لتوجه هذا النوع من المعارضات ؟ رغم أن هذا المنطق الذي يتحدث عن التوقيت يمكن الرد عليه ببساطة متناهية : وهل توقيت إعلان سوريا يخدم قضية الديمقراطية في سوريا رغم أنني منحاز تماما لفضاء الفكر الليبرالي الذي لم أره بعد في سوريا كفكر جاذب وليس كفكر عدائي بمواجهة الآخر على الطريقة الإسلامية أو الطائفية أو الدينية؟ بقي نقطة واحدة بما يخص هذه القضية لاحظناها في سياق إعلان سوريا وذهاب السيد الغادري ليدلي بشهادته أمام الكونغرس عن وضع حقوق الإنسان في سوريا..أن يأتي إلى المعارضات معارضة جديدة لم يسمع بها أحد من قبل هذا حق لكل سوري بأن يصبح معارضا تكفله كل الشرائع. ولكن النكتة أن كل معارضة جديدة تأتينا بأسماء لا ترى نفسها في المعارضة إلا عبر تناول الآخر والانقضاض على ما حققه سابقا..حتى أن بعضهم يريد أن يعريك من شرف أنك سجنت بسبب رأيك..!! وكل معارض خارجها بالقدح والتشهير والإساءة الشخصية والسياسية وهذا داء من أمراض معارضات الخارج السوري الذي يختلف معها أو لا يلبي شروطها سواء في السياسة رمزيا أومن زاوية ـ البزنس ـ.. ومن أجل ألا تبقى هذه النقطة معومة ومفهومة خطأ ـ ليس عيبا أن يطرح أي سوري نفسه كمعارض بزنس ولكن العيب أن يطرح نفسه بديلا عن الآخرين..بينما عليه أن يطرح مفهوما راقيا للتعايش والاختلاف الذي يريد التعايش لا الشقاق.
وقبل الانتقال للقسم الثاني : الاعتقالات الأخيرة أتت تأكيدا على أن هذه السلطة لا تريد الخير لا لمجتمعها ولا للمجتمعات التي حولها..
غسان المفلح




التعليقات