ليس لكلمة ( الفيدرالية الطائفية ) محلا في قواميس القانون الدستوري، كما أن هذا التوصيف لايبتعد عن الواقع والمنطق فقط، إنما يجافي الحقيقة والحق حين يراد الإشارة به الى حل من الحلول التي يتوخى معها نهاية الأزمة الخانقة في بغداد.
ويبدو الأمر وان كان مغلف بكلمة ( غير الملزم ) يعبر تعبيرا صادقا عن الجهل المطبق لما تعانيه الذهنية الأمريكية الحاكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، فهي ليس فقط تتدخل في الشأن العراقي تدخلا في الطول والعرض، وهي ليست فقط تستبيح الدم والكرامة في العراق، إنما تعبر عن منهج خلط السم بالعسل حين يراد تغليف الفيدرالية التي قدم أهل العراق التضحيات الجسام من اجل إن تتحقق، ليتم تغليفها بورق الطائفية المقيت الذي طالما رفضه وأستهجنه العراقي، وهو تعبير عن الحالة الهجينة التي يتعكز عليها بعض السياسيين والأحزاب في السلطة، ونتاجها تلك الفوضى وإشاعة الجريمة والاختلاسات وسرقة المال العام، والقتل المنظم وسيطرة الجيوش المساندة لحكومات صغيرة تستبيح الدولة العراقية والإنسان العراقي بشكل عام.
وليس جديدا أن يطلق أحد أعضاء الكونغرس الأمريكي نظرية يتوسم فيها تقسيم العراق، مادام العراق ممدد على طاولة التقسيم، وأدوات التقسيم موجودة وجاهزة، ومادام هناك من يدافع عن الفيدرالية، وتحت تلك اليافطة يمكن أن يمرر المشروع.
العراق ثلاث دول فيدرالية واحدة للأكراد والثانية للشيعة والثالثة للسنة، وبغداد تبقى عاصمة للأقاليم، وهذا التوصيف الطائفي لايتشابه مع معاهدة دايتون في البوسنة، فليس عندنا حرب بين المسلمين والمسيحيين ولابين الأيزيدية والمسلمين، ولا حروب دينية أو قومية قائمة اليوم، لذا فتوجه الأمر على أساس مماثلة التجربة العراقية لتجربة البوسنة لايمكن تطابقها.
الفيدرالية توحد وتدفع باتجاه وحدة العراق وسلامته واستقلاله وسيادته ونظامه الديمقراطي، والمدن العراقية المختلطة لاتتجانس مع كل ما ورد بالمشروع.
وإذا كان صاحب المشروع قد تجاهل مكونات الشعب العراقي، وتجاهل الأحزاب العراقية وشعاراتها التي ناضلت من اجل نبذ الطائفية وتحقيق الفيدرالية، والدستور العراقي نفسه يؤكد على رفض الطائفية والأحزاب التي تعتمد الطائفية، كما إن المشروع نفسه يتجاهل متعمدا الإرادة العراقية باعتبار أن الكونغرس الأمريكي الوصي الشرعي الدولي على الدولة العراقية القاصرة اليوم.
التقسيم الذي يشطر العراق الى ثلاث فيدراليات يتناقض حتى مع حق كل ثلاث محافظات أو أكثر في تكوين إقليم فيدرالي بناء على الاستفتاء، لأن التقسيم يجعل من المحافظات أساسا طائفيا لإقليم طائفي، وهذا التأسيس يتناقض مع منطق الفيدرالية التي تبني الأقاليم على أساس أنساني، بالإضافة الى حرص الأقاليم على حلول إنسانية لاتقوم على أساس التكريس الطائفي، ولايمكن أن يقبل أهل العراق بإقليم يقوم على أساس طائفي لأنه يعني الخراب والإلغاء والتهميش والظلم وبعثرة المواطن.
لم تقم الفيدرالية في كردستان العراق على أساس طائفي ولايمكن أن تقوم، ولانعتقد إن شعب كردستان يسمح بأن تؤسس فيدراليته التي رعتها قوافل الشهداء على الطائفية التي طالما رفضتها القيادة الكردستانية.
ومثلما هو الحال فأن أساس المشكلة التي تقوم عليها الإشكالية العراقية اليوم في التأسيس الطائفي، وليس من سبب للوضع المأساوي سوى الحرب الطائفية والإرهاب، فإذا ما أتفقت الأطراف إن القضاء على الإرهاب قاسما عراقيا مشتركا، صارت تباشيره تلوح في الأفق، ينبغي التحلي بشيء من الجرأة والصراحة والصدق في رفض الطائفية وكل القيادات التي تحرص على التعامل بها وتأسيسها وتكريسها، والخلاص من بشاعتها لإنقاذ أهل العراق بغض النظر عن دياناتهم ومذاهبهم منها.
أن ما قرره السناتور الأمريكي لايعدو إلا جسا لنبض الحس الوطني وللضمائر العراقية التي استفزها مشروعه، وبالتالي تقدير قوة تلك الضمائر في الساحة العراقية، وخصوصا التيار الديمقراطي واللبرالي والرافض للمشاريع ألأمريكية وللطائفية، حتى يمكن أن يتم احتساب تلك القوة ضمن مشاريع وأفكار جديدة.
لاشك أن النظرة القاصرة للمشروع تدلل ليس الى سذاجة مبني المشروع إنما الى عدم معرفته بمرارة العراقيين ونضالهم الطويل، النضال الذي لايمكن أن يلغيه زمن طارئ ومر مغمسة أيامه بالفكر الطائفي المدجج بالأسلحة والموت والإرهاب، وتضحيات العراقيين منذ بواكير تأسيس الدولة العراقية في العشرينيات من أجل عراق ديمقراطي تتعايش ضمنه كل المكونات من العرب والأكراد والتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن، وكل الديانات من المسلمين والمسيحيين والأيزيديين والمندائيين واليهود، وكل تلك المكونات التي يتعارض وجودها كليا مع بناء أقاليم مجزأة تقوم على الفصل الطائفي.
يسعى المشروع الى تكريس الطائفية تحت يافطة حل معضلة الواقع العراقي، في حين يؤسس المشروع أقاليم طائفية مريضة، ويسعى المشروع الى تأسيس فيدرالية جديدة في القانون الدولي، في حين انه يتناقض مع المفهوم الفيدرالي للدولة الاتحادية، وبالرغم من أن المشروع يزعم عدم الزاميته، فقد ولد ميتا وعلامات موته واضحة ومنكشفة، التخالط المذهبي في المدن العراقية روحيا لايمكن أن تفصله الأقاليم الطائفية، والتمازج الإنساني بين العراقيين لايمكن إن تشطره الأقاليم الطائفية، مثلما أن التجاوز على الإرادة العراقية وأن تم تغلفه بورق مسلفن ويافطات ظاهرة تقول انه غير ملزم، إلا إنه يدلل على التدخل الفظ والرسم والتخطيط لما يسيء للعراق والعراقيين، ولم تكن هناك سابقة تاريخية في القانون الدستوري أن قامت أقاليم طائفية، مثلما لم تكن هناك سابقة دستورية لبلد يراد له أن يحل مشاكله بالتمزيق الطائفي، والسعي للإقرار بسيادة الطائفية على الواقع.
أن المقترح لم يثر هواجس العراقيين بل أثار تخوفهم من المخططات التي تحاك لمستقبلهم، مما يدفع باتجاه إن تصحو القوى الخيرة التي تسعى لمصلحة الشعب العراقي وإنقاذه وخلاصه مما هو فيه اليوم، وتكاتف كل تلك القوى اليوم ردا وطنيا على تلك المشاريع والأفكار، فهل تدرك تلك القوى من الأحزاب والتجمعات والشخصيات الخطر الذي يحيق بالعراق؟

زهير كاظم عبود