نعمة خالد من دمشق: عقد الملتقى الأول للغرافيك في سورية مؤخرا شارك فيه عدد من الفنانين، منهم: الفنان محمد الوهيبي، والفنان محمود السعدي، والفنان زكي سلام، إضافة إلى مجموعة من الفنانين الآخرين. وقد أقيم الملتقى في المركز الفلسطيني للثقافة والفنون. وكان نتاج هذا الملتقى ما ينوف عن أربعين لوحة، اهتمت بالإنسان مطلق إنسان. وقد كان افنانين الذين شاركوا في الملتقى ذوي اختصاصات مختلفة، فبعضهم فنان تشكيلي مثل محمد الوهيبي، وبعضهم نحات مثل زكي سلام. والجدير بالذكر أن فنان الغرافيك الأول في العالم العربي هو الفنان الراحل مصطفى الحلاج. وقد أقيمت الورشة تحت عنوان تحية لمصطفى الحلاج الذي أنجز أكبر لوحة غرافيك في تاريخ هذا الفن، وكانت جل أعماله في إطار هذا الفن. ولعل المتتبع للوحات المعرض سيجد أن الوجوه الموشحة بالأبيض والأسود قد قالت الكثير عن متاعب إنسان عصرنا، وقد تميزت لوحات الفنان محمود السعدي بليونة الحفر حيناً، كأنه يريد أن يقول: رفقاً بالأخاديد التي حفرها الزمن، لأن هذه الحفر ما تشكلت على هذا الوجه، إلا بعد أن تناسلت الروح إلى عتبات للوجع، وغرقت الخلايا بالعرق، وتقرحت العيون بالدمع، وهي ترنو هناك، خلف حد وهمي، ورغم أنه وهمي لكننا لا نستطيع أن نمحو قطعة منه.
في حين اختار محمد الوهيبي البعد الميثولوجي الكنعاني، فظهرت خطوط الثور الذي يحمل جزءاً يسيراً من أرض هي له، خطوطاً قاسية ومستقيمة، في حين ناءت قرونه تحت الحمل، وكأن بمحمد الوهيبي يريد أن يقول لنا: هي مساحة صغيرة من هذا العالم اسمها فلسطين، لكن هذا العالم كله لم يستطع أن يحملها على الرغم من كل الأضاحي التي قدمت كقربان أمام ثور الأرض الذي يقسم ويرسم بخطوط واضحة حتى للأعمى، فإلى أين سوف تسير كل الوجوه المتعبة حولي والتي حملها الفنانون الآخرون للوحاتهم؟.

والتقت إيلاف مع منظم الملتقى الفنان زكي سلام ليحدثنا قائلاً: (الغاية من الملتقى تعريف الفنانين على فن الغرافيك وعلى وسائل إنتاجه، خاصة في تقنية محددة هي quot; الحفر على الخشب الصناعي MDF quot; والتي كان فناننا الراحل مصطفى الحلاج قد أبدع بها أكثر أعماله ومنها جداريته العظيمة والتي تعتبر أهم وأكبر عمل غرافيكي أنتج في منطقتنا وربما في العالم، لتكون ورشة العمل بهذه التقنية بمثابة تحية وأحياء ذكرى للحلاج الذي رحل عنا وبقيت ذكراه بيننا.

هذا إضافة إلى المهمة الرئيسية للورشة المتمثلة بتبادل الخبرات والأفكار بين الفنانين الذين عملوا في نفس المكان والمواد والأدوات و القياس، وما ينتج عن ذلك من حوار حول وسائل العمل إلى الحديث في جميع المواضيع والأفكار وهذا أهم ما أنتج في الورشة إضافة إلى مجموعة الأعمال المطبوعة والتي تجاوز عددها 40 عملا موضوعها المشترك الإنسان بأحواله المختلفة.
إن تخصصي بالنحت جعلني قريب جدا من فن الغرافيك، حيث أجد قواسم مشتركة بين فني التشكيل على الرغم من اختلافهما في الجوهر والوظيفة فالغرافيك فن (الأبيض والأسود) والنحت فن (الظل والنور)، وأيضا للفنين إمكانية إنتاج عدد محدد من النسخ وأشياء أخرى كثيرة يصعب الدخول فيها في هذا المقام، وبطبيعة الحال فإن أعمالي الغرافيكية عموما والمنفذة في هذه الورشة خصوصا، هي بمثابة دراسات أولية لأعمال نحتية تم العمل عليها وتطويرها كي تتناسب مع روح الحفر في توازن الأبيض والأسود في وجوه إنسانية تعبر عن معاناة الإنسان بشكل عام بملامح محلية بيتها الأول المخيم حيث المعاناة تحمل عدة روافد أساس مجراها الصراع المفروض منذ عقود وما نتج عنه من فقدان للوطن وخيبات الأمل مازالت تكوي إنسانيتنا بثأرها وشرائط لذكريات من الماضي ورموز ذات دلالات تربط هذا الإنسان بأرضه في زمان مضى حيث الوطن.
هذه الدراسات التي أصبحت لوحات مطبوعة جزء منها قد تم تنفيذه فعلا كمنحوتات والجزء الآخر آمل أن يكون في طريقه للإنجاز أيضا).
وإذا ما أردت التوقف أمام منجز زكي سلام في الغرافيك، سأجد أن مشاركته في المعرض، قد جاءت كرافد مهم، حمل العديد من المقولات والتقنيات، ولعل الظل والنور في لوحاته، قد تجوز مسألة التجاور بالمعنى الفيزيائي، أو التقني، بل سيجد المتتبع لوحاته، العديد من الأبيض والعديد من الاسود، أكثر من ظل وأكثر من نور، وكأن بزكي سلام، يريد أن يجمع شموس المجرات وليلها، ليخط عبر هذي الشموس والليالي: حكاية عرف بدايتها لكنه يحلم بنهاية ربما تضيء شمس ما من مجرة أخرى فجر هذي النهاية. فعيون الوجه ترنو إلى ظل ليس بظل، ونور ليس بنور، وما بين العينين قبس من دم هو أحمر وليس بأحمر. هو قبس من ليال راحت ذبالة قناديلها تخبو مع الأيام التي راحت تسل العمر رويداً رويداً. فهل من مغيث.
هو فن الغرفيك الذي يفسح للخيال أن يجول، وهي وجوه حفرت على الخشب، لتوشم حكايات لم تكتب. وربما لن تجد هذي الوجوه من يكتبها.

[email protected]