كامل الشيرازي من الجزائر: حمل كتاب quot;التموين خلال حرب التحرير الجزائريةquot;، الصادر حديثا عن دار quot;القصبةquot; بالجزائر، حقائق تٌطرح لأول مرة عن الثورة الجزائرية الكبرى ضدّ المحتل الفرنسي (1954- 1962)، وكشف الباحث التاريخي عبد المجيد بوزبيد الذي كان يشغل رتبة نقيب سابق في جيش التحرير الجزائري، معلومات جديدة ظلت طي الكتمان عن أشهر ثورة تحررية في التاريخ الحديث.
واستعرض الكتاب مختلف الأساليب التي كان يستخدمها ثوار جيش التحرير في التموين بشتى الإمدادات بالأسلحة والذخيرة وسائر أنواع العتاد، وهي مهمة يصفها المؤلف بـquot;الدقيقة والحساسة والخطيرةquot;، وكان لها بحسبه الدور الفارق في انتصار الجزائر على فرنسا وانتزاعها الاستقلال.
ولم يعتمد الكتاب، الأدوات المتعارف عليها في البحث الأكاديمي، بل عمد إلى سرد تجارب شخصية عايشها المؤلف عبر مشاهدة الأحداث أو المشاركة في صناعتها أو حيازة بعض وثائقها، وقال quot;بوزبيدquot;:quot; بالنسبة لدعامة التموين، الأمر تعلق بفن عسكري غاية في الحيوية والإستراتيجيةquot;.
وشدّد الكاتب على بطلان الفكرة القائلة بكون قيادات جيش التحرير الجزائري حرمت عددا من قواعدها من التموين بداية من العام 1957، موضحا أنّ الوضع لم يكن يسمح بضمان نفس الوتيرة في التموين، خاصة بعد إقدام سلطات الاحتلال على وضع خطي موريس وشال، ما تسبب آنذاك في سقوط مئات الشهداء، وهو ما أرغم جيش التحرير الجزائري على تقليل نشاطه التمويني، وضمان الحد الأدنى من الإمداد، مستدلا بكم هائل من الشواهد والبيانات الرقمية حتى يبرر صدق ما ذهب إليه.
وعاد عبد المجيد بوزبيد بالذاكرة إلى المؤتمر الثاني لحزب الشعب الجزائري المنعقد بتاريخ 15 فبراير/ شباط سنة 1947، وتوّج وقتئذ باتخاذ العمل المسلح لافتكاك الاستقلال بعد أن فشلت كل الوسائل السلمية والخيارات السياسية، وكانت البداية بتأسيس المنظمة السرية التي انضم إليها الكاتب في سن مبكرة، قبل أن تتم أولى عمليات التسليح، وما تلاها من أعمال سمحت بتشكيل نواة لوجستية صلبة سمحت بتفجير الثورة ضدّ الفرنسيين سبع سنوات من بعد.
ونفى النقيب السابق، ما راج حول وجود خلافات بين قيادات جيش التحرير في الخارج وقيادات الداخل عموما وفي الولايتين الرابعة والثالثة بصفة خاصة، وهي الخلافات التي نجم عنها ndash;بحسب روايات تاريخية غير رسمية- تصفية العشرات من كوادر الثورة الجزائرية، وبهذا الشأن أوضح الكاتب:quot;أجزم بعدم حصول أشياء من تلك القبيل، وذلك من منطلق معايشاتي ومشاهدتي، وليس انطلاقا من سماعه لأقوال قيلت هنا وهناك.
ويرى الكاتب أن هناك أسبابا موضوعية هي التي خلقت الضغط بين (الداخل والخارج)، والأكيد أنّ التداخل بين quot;السياسيquot; وquot;العسكريquot;، انتهى إلى التأقلم مع الظروف الجديدة التي خلّفها رد الفعل الفرنسي على ما بلغته ثورة التحرير من تنظيم وفاعلية بعد مؤتمر الصومام، وينتهي بوزبيد إلى أنّه لم يقل كل شيء عما دار في حرب الجزائر مع فرنسا، تاركا الانطباع أنّه سيخوض في المستور لاحقا.
يشار إلى أنّ عبد المجيد بوزبيد ولد في ربيع سنة 1931 بمدينة عنابة، وبدأ نضاله الوطني ببيع جريدةquot; الجزائر الحرةquot;، قبل أن يشارك كمناضل في صفوف حزب الشعب وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، وسجن سنة 1950 بعد اكتشاف أمر المنظمة السرية التي كان احد أعضائها الفاعلين.
وبعد إطلاق سراحه سنة 1951 التحق عبد المجيد بوزبيد مجددا بصفوف الحركة الوطنية إلى غاية اندلاع ثورة نوفمبر، حيث كلفته جبهة التحرير الوطني بولاية عنابة (600 كلم شرق الجزائر)، بجمع الأموال والمعلومات المتعلقة بالسلطات الفرنسية، وفي 1956 التحق بصفوف جيش التحرير الوطني بعد مطاردته من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي، ليعيّن في 1958 للإشراف على مركز تونس على إثر إنشاء مصلحة التسليح والتموين العام بقيادة العقيد اعمر أوعمران.
وبعد تشكيل الحكومة المؤقتة في نفس السنة، أعيد تعيين عبد المجيد بوزبيد على رأس المركز المذكور، قبل أن يتم تكليفه بالمهمة نفسها بعد إدماج وزارتي التسليح والتموين العام والمواصلات العامة والاتصالات في وزارة واحدة، كلف بها عبد الحفيظ بوصوف مؤسس أول جهاز مخابرات في التاريخ الجزائري الحديث، كما تقلد بوزبيد بعد الاستقلال، مناصب عليا في الدولة، من أهمها إدارة المديرية العامة للأمن الجزائري بين 1987 و1990.