الكاتب والمخرج المسرحي عبد الإله عبد القادر:
المسرح الإماراتي اليوم قادر علي منافسة المسارح العربية علي اختلافها

محمد الحمامصي من القاهرة: يعد الكاتب والمخرج المسرحي عبد الإله عبد القادر أحد العلامات المضيئة في المسرح العربي عامة والمسرح الإماراتي خاصة ، بدأ تجربته علي خشبة المسرح العراقي في أواخر الستينيات وخلال السبعينيات حيث مثلت أعماله الفرق المسرحية المعروفة ، ثم انتقل إلي دولة الإمارات في أوائل 1980 ليواصل عمله في الكتابة والإخراج حيث أخرج عدة مسرحيات للعديد من فرق الدولة وكذلك كتب عدة مسرحيات مثلت علي مسارح الدولة ، وقد مثل الإمارات في مجمل المهرجانات والملتقيات المسرحية العربية ، حصل علي درجة الماجستير في (مسرح توفيق الحكيم) والدكتوراه في (جذور وتاريخ المسرح العربي في العراق) ، وتعد كتبه عن مسرح الإمارات والتي تبلغ سبعة كتب من المراجع الأساسية ، فهو أول من تناول تاريخ المسرح الإماراتي ، وفي هذا الحوار معه نتعرف علي تجربته ومراحل تطورها ورؤيته للمسرحين الإماراتي الذي يعرف عن قرب خلال ما يزيد علي الثلاثين عاما وكذا المسرح العربي الذي يتابعه أيضا عن قرب .

** هل لنا أن نتعرف علي المراحل الرئيسة التي قطعتها تجربتك الإبداعية وفي أي مرحلة تقف الآن؟

لا أذكر أنني قد قسمت حياتي لمراحل أو أحسست أنني أمر بمراحل معينة أو أنني وصلت إلي مرحلة ، التجربة هي بمجملها هي استمرار الحياة ، وما دامت الحياة مستمرة تستمر التجربة ، ولا أدعي أنني قد وصلت إلي شيء مما أرنو إليه وأحلم به ، مازلت أحلم بأنني لابد من أن أحقق أشياء ومنجزات حتى الآن لا أعرف كيف أصفها ، ولكن لي شعور داخلي أو أملك شعورا داخليا بأنه أحتاج أن أحقق أشياء أخرى ، هناك مشاريع كثيرة متوقفة وأفكارا كثيرة مسجلة علي الورق ولكن عجلة الحياة اليومية هي التي تسحق أي مبدع غير متفرغ للعمل الإبداعي ، بمعنى أخر لابد أن يعمل من أجل أن يعيش ومن أجل أن يتعايش ويتواصل مع الحياة ، فلابد أن يعمل في جانب مهني إلي الجانب الإبداعي ، لذلك لا أشعر بأني أمر بمراحل بقدر ما أنه لابد من العمل من أجل أن تتبلور التجربة ، أن تعطي نتاجا أفضل ، أن تعطي حياة أفضل ، أن تكون متجانسا مع الإبداع العام ، مع الإبداع العالمي ، مع حركة الثقافة ، مع حركة الإبداع ، وبالتالي لابد أن تراقب ، ولابد أن تشاهد من أجل أن تقيم نفسك دائما ، ومن أجل أن تكون حافزا لك وليس إحباطا .

** ماذا عن النقلات الرئيسة في تجربتك؟

هناك نقلتان أساسيتان ، النقلة الأولي العمل داخل العراق وهي تبدأ منذ الطفولة وحتى خروجي من العراق عام 1980 وعدم عودتي إليه حتى الآن ، حتى في زيارة قصيرة لم أعد ، هذه الفترة الأولي هي الفترة التأسيسية ، وأنا أشعر أنني تأسست مع المدرسة العراقية الرصينة وقوية الشروط وعميقة الجذور ، وعلي يد أساتذة كبار ، بعد ذلك أصبحوا زملاء في العمل الإبداعي اليومي ، دائما أذكر هذه المرحلة باعتزاز كونها مرحلة تأسيسية تعليمية بدأت معي منذ أن كان عمري سبع سنوات وتطورت ونمت بتطور ونمو الإنسان واتساع الحركة والنشاط ، تلك فترة أنتجت فيها الكثير ، ولكن مع الأسف لم أستطع أن توثيقها لأسباب منها أن المسرحيات التي كتبتها في تلك الفترة مثلت علي خشبة المسرح ولم تطبع ، علي أمل أن تطبع ذات يوم ، كانت تؤجل لأننا كنا في عملية إثراء وإسراع في الإنتاج من أجل أن نغطي حاجة العمل اليومي المسرحي مثلا ، وبالتالي هذه المسرحيات ظلت مخطوطة ، حوالي 15 مسرحية ، عندما خرجت من العراق سلبت بعد أن جاء الأمن وفتش البيت وكذا إلي آخره ، وطبعا هذه لا نريد أن نعود إلي هذه الفترة ، وبشكل إضطهادي مزقت هذه الأعمال ، وفقدت أنا عددا كبيرا جدا من نتاجي الذي كنت أعتز به وكان يشكل نقطة إضاءة في المسرح العراقي في تلك الفترة ، لأنني عملت في تلك الفترة ما بين الإخراج والتأليف والكتابة المسرحية .

المرحلة الثانية هي مرحلة من الخروج من العراق حتى الآن ، واستقراري في دولة الإمارات العربية المتحدة ، وأنا سعيد بهذا الانتماء الآن ، لأنني عندما خرجت عام 1980 ودخلت الإمارات ، كانت الأرض في الإمارات بكرا لم تحرث بعد في الكثير من الأجناس الأدبية خاصة في المسرح ، ومن يوم وصولي الأول في الإمارات بدأت أن أعمل بشكل جدي ومبرمج ، ونستطيع أن نقول بعلمية كاملة ، وبذلك حققت باعتقادي واعتقاد كثير من المراقبين للنتاج الأدبي والثقافي والمسرحي في دولة الإمارات أنني حققت إنجازا لا بأس به ، إنجازا سيسجل لي في دولة الإمارات ، وموثق توثيقا كاملا ، وبالتالي هذه مرحلة أعتز بها وهي مستمرة حتى الآن معي ، وأصبحت أنا جزء منها وهي جزء من عندي وصرنا انتماء واحدا ، وهي مرحلة بدأت تنويرية تأسيسية والآن الشباب الذين تعلموا علي يدي أصبحوا الآن فنانين وأدباء كبارا ويحتلون مراكز ثقافية كبيرة في دولة الإمارات ، وطبعا هذا حين تبني الإنسان ، هذه تجربة كبيرة واعتزاز بإنجاز كبير ، وأنا أعتز بهذا الانتماء وهذا التواجد في دولة الإمارات منذ حوالي ثلاثين عاما ، وأصبحت أمثل هذا البلد مثلما هو يمثلني أيضا ، وهو حاضري وهو مستقبلي أيضا.

** ماذا قدمت للمسرح الإماراتي منذ وصولك من أعمال؟

أهم من الأعمال المسرحية ، كنت المدير الفني للمسرح الوطني في الشارقة ومسئول عن المسارح في وزارة الثقافة والإعلام في المشاركة ، أهم من أن يكون عندك عمل وظيفي ماذا تستطيع أن تقدم للحركة ، أول ما قدمت أنني أصدرت أول كتاب نقدي عن المسرح في دولة الإمارات ، لم يسبقني أحد في إصدار أي كتاب عن المسرح في الإمارات ، وأنا أصدرت أول كتابين عن المسرح في الإمارات لم يسبقني إليهما أحد من قبل ، الأول نقدي ، والآخر أنني استطعت كتابة تاريخ المسرح في الإمارات ،وهذا الكتاب طبع في بيروت ووزع منه حتى الآن آلاف النسخ واعتمد في الأكاديميات المسرحية في العالم العربي كمرجع أساسي عن تاريخ المسرح في الإمارات ، والآن طبع طبعة ثانية معدلة ولا يزال مطلوبا حتى اليوم بشكل يومي ومكثف ، هذا الإنجاز يجعل للإمارات تاريخا مسرحيا ، وهو ليس من السهل أن تجمع التاريخ الشفوي وغير المكتوب ومن أفواه الناس ، وأنا جمعتها في كتاب حوالي 350 صفحة ، ثم أصدرت كتابا ثالثا ثم رابعا ثم خامسا ثم سادسا ، عندي 7 كتب عن المسرح في الإمارات فمن يريد أن يتحدث عن المسرح الإماراتي سيذهب لكتبي إن شاء أو أبي ، اليوم أو غدا أو بعد نصف قرن ، لماذا ؟ لأن هذه هي الكتب التأسيسية ، قد لا أكون جمعت بها كل شيء ، قد لا أكون قد قلت بها كل شيء ، قد تكون آرائي مغايرة عن آرائك ، ولكن هي الأساس التي ينطلق منها كل الكتابات وكل التنظير وكل ما يمكن أن يكتب عن المسرح في الإمارات . هذا بالنسبة للمسرح ، أيضا عملت كعضو مؤسس في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات وأيضا عضو شرف في جمعية المسرحيين في الإمارات وعضو في مسرح دبي الشعبي وعضو مسرح الشارقة الوطني ، ومن هنا أعمل بشكل يومي متواصل عبر ثلاثين عاما.


** هل برأيك وصل المسرح الإماراتي إلي أن يقف علي قدم المساواة مع مسارح كالمسرح المصري أو السوري أو اللبناني؟

المسألة نسبية ، نستطيع أن نعكس السؤال ، ونقول إلي أي مدى استطاع المسرح الإماراتي أن يتطور خلال الأربعين عاما الماضية ، أفضل من أن نقارن بين مسرح عمره مائتان أو ثلاثمائة سنة ومسرح عمره أربعون أو خمسون سنة ، لأنه كما تعرف المسرح يحتاج إلي تراكمات والتراكم هو الذي يفرز النوع ، فبدون تراكم في المسرح ، تراكم كمي ونوعي لا تستطيع أن تفرز مسرحا ، أنت ليس بالصدفة أن يكون عنك كاتب مثل نعمان عاشور أو نجيب سرور ، هو نتيجة إفراز وتراكم سنين طويلة من العمل الثقافي والإبداعي ، ومن سلسلة من جيش من المبدعين سبقوا هؤلاء حتى يكون لديك كاتب مثلا في الأدب كجمال الغيطاني ، الغيطاني ليس كاتبا صدفة أن يأتي ، وإنما كاتب مؤسس علي سلسلة من كتابات روائية طويلة ، تبدأ من الومضة الأولى حتى التجربة الأخيرة والسلسلة مستمر ، إذن نقلب السؤال ونقول : إلي أي مدى استطاع المسرح الإماراتي أن يتطور في الأربعين سنة ؟ في اعتقادي ودون تبجح ومن خلال عملي المتواصل عبر ثلاثين عاما نسبة تطور المسرح الإماراتي أعلي من نسبة التطور في البلدان العربية دون أن أسمى تلك البلدان ، بمعنى أنه عندما أقارن ما كان موجودا عندي عام 1980 نسبيا وما هو موجود عام 2008 تحديدا سأجد أن الفارق كبير جدا ، عام 1980 لم يكن عندي كاتب مسرحي معتمد أو يستطيع أن يكتب مسرحية ، وعام 2008 عندي ما يزيد عن 15 شابا في مسرح الإمارات يستطيع أن يكتب نصا مسرحيا جيدا وينافس به زميله العربي في أي مكان ، هذا تطور كبير جدا ، عام 1980 لم يكن هناك مخرج أكاديمي من أبناء دولة الإمارات ، عام 2008 هناك عشرات الأكاديميين المسرحيين الذين تخرجوا من الأكاديميات المصرية أو المغربية أو الكويتية أو الأمريكية أو البريطانية أو غيرها ، إذن هذا التطور النسبي بين 2008 و1980 لو نأخذ جزئية جزئية سنجد أن هناك تطورا نسبيا كبيرا قد لا يحدث مثله في بلد أخر ، ربما عددنا أقل ولكن أنا أتحدث عن النسبية وليس عن العددية ، الآن فرق الإمارات عندما تذهب المهرجانات المسرحية الإقليمية العربية تذهب منافسة وليست فرقا عادية ، فرق منافسة تستطيع أن تثبت وجودها في هذه المهرجانات وهذه الملتقيات كممثلين ومخرجين وكتاب وإنتاج مسرحي عام ، إذن هذا تطور كبير جدا ، في عام 1979 حينما قاد إبراهيم جلال فريق الإمارات إلي مهرجان دمشق المسرحي لم يستطع أن يحقق غير وجوده هناك للمشاهدة ، لكن اليوم حين يقود أحدنا هذا الفريق ليذهب به إلي أي مكان سواء في القاهرة أو دمشق أو قرطاج أو بغداد ، سيقف بجانب كبار المسرحيين دون خوف أو وجل أو استيحاء ، بالعكس بندية كاملة ، إذن هذا التطور.

** هل يعني ذلك أن راض عما وصل إليه المسرح الإماراتي؟

لا .. هناك طموح ، الطموح أعلي من الرضى ، دائما في العمل الفني والإبداعي حينما تحقق نقطة من النقاط ، نعم حققت هذه المرحلة أو هذه النقطة لكنه لابد أن أتجاوز هذه النقطة ، نحن نعم في موقف جيد لكن هذا لا يعني أننا لدينا طموح في بناء أكبر وأكبر ، خاصة وأن هناك رعاية كبيرة جدا من المسئولين سواء كان في وزارة الثقافة وتنمية الشباب أو من لدن صاحب السمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة ، عضو المجلس الأعلي ، وهو أيضا مسرحي ويكتب مسرحيات وهو يعتني بالمسرح ويحضر للمسرح كأي مسرحي وليس كمسئول ، وهذا يعطيك طموحا أكبر فأن ترى الرأس الأكبر يعمل معك ميدانيا ، هذا يعطيك اندفاعا ذاتيا ومعنويا شديدا جدا أن تكون مع كمسئوليتك لأن المسئول الأكبر يقف بجانبك ويقف بظهرك ويدفعك ، هذا حافز كبير جدا يدفعنا ألا نرضي علي أنفسنا ، نرضي علي المرحلة ولكن نحلم بالشيء الأجمل ودائما نحلم بمستقبل أجمل.

** هذا الحب وهذا الحماس الذي تحمله للمسرح الإماراتي وتجربتك من خلاله علي نفس الوضع مع القصة والرواية في الإمارات؟

شيء طبيعي ، القصة والرواية مسألة ذاتية ، أن تعكف في البيت وتكتب ، لكن المسرح عمل جماعي ، المسرح هو الأساس عندي ، أنا في البداية رجل مسرح ، ورجل المسرح عندما يتأسس تأسيسا جيدا تصبح القصة والرواية والأدب والشعر مسألة من مكونات المسرح ، لأن المسرح هو أبو الفنون والآداب ، فمن يتقن المسرح يتقن بقية الأجناس ، لأن الأجناس تتداخل في المسرح ، وليس المسرح يتداخل في الأجناس ، وبالتالي فمسألة الكتابة في القصة والرواية هي كتابة ذاتية أنت وذاتك تجلس ، هي جزء من هوايتك ، من عشقك ، من مهمتك الفكرية ، من رسالتك في الحياة ، لكن المسرح هو الرسالة الجماعية ، هو العلم الجماعي والعمل الجماعي ، هو عمل الفريق مثل عمل فريق كرة القدم ، فريق كرة القدم يتكامل ، من المدرب ومساعده إلي اللاعبين حتى الجالسين علي خط المشاهد ، كذلك المسرح ، بريشت علمنا أن المسرح يجب أن نراقب الرياضة وكرة القدم بالذات من أجل أن نشكل فرقنا المسرحية ، وبالتالي المسرح هو العمل الجماعي الذي يمنحك لذة جماعية في التواجد ، أما الأدب فخصوصياته تختلف.

** وكيف ترى لموقع المسرح الإماراتي من المسرح الخليجي؟

موقع ممتاز ، المستويات تقريبا متقاربة ، قد يكون المسرح في الكويت متقدم زمنيا لكن تتفاوت السنين قليلا بين قطر والإمارات والبحرين ، ولكن هي مستويات متقاربة وتحاول دائما أن تتنافس فيما بينها من خلال مهرجان المسرح الخليجي ، وهي متقاربة في المستويات والمعطيات والعلاقة الجماهيرية والاجتماعية ، لأن المجتمعات أيضا متقاربة في طبيعتها وفي أيديولوجيتها وفي تفكيرها وفي تراثها وفي طبيعة حياتها ، الإشكاليات اليومية متقاربة ، وبالتالي أعتبره مسرحا واحدا متعدد الفرق.

** كيف ترى حال المسرح العربي عامة؟

ليس جيدا .. حتى لا أظلم شيئا جميلا أحبه وأعشق ، مقلق ، رغم أنه نؤمن أن المسرح لا ينتهي ، لكن القلق جدا علي وضع المسرح العربي ، تنازل أو تراجع كثيرا جدا ، المستويات التي وصل إليها في فترات سابقة ، لا أريد أن أتبجح وأرجع للستينيات وأقول مسرح الستينيات ومسرح السعينيات وأعلام المسرح في هذه الفترات نعمان عاشور وسعد الله ونوس ويوسف العاني ونجيب سرور إلي آخره من كتاب المسرح الكبار ومخرجيه وممثليه ، لا اريد أن أذهب إلي هذا وأقول وأنا مع الشباب ومع إنتاجهم لكن هناك عوامل خارجة عن قدرة الإنسان وإرادته أو إرادة الفنان المسرحي ، هناك منافسة شديدة جدا في الحياة اليومية ، عوامل كثيرة ظهرت في هذه الفترة ساعدت علي أن يتراجع المسرح العربي والمسرح بالعالم كله تقريبا ، منافسة التليفزيون أساسية ، والتقنيات التي ظهرت بالتلفزيون ، لم تتطور تقنيات المسرح كما تطورت التكنولوجيا في التلفزيون والسينما ، السينما عانت في فترة من الركود ثم وجدت سبيلا في تقنيات جديدة وفي أساليب وطرق جديدة لتعود مكانتها الجديدة ، المسرح حتى الآن لم يستطيع أن يتواكب مع تقنيات وتطورات العصر السريعة وإيقاعه ، هذه إشكالية لابد أن ندرسها واقعية وجذرية من أجل الوصول إلي حل هذه الإشكاليات ، أنا لا أقول أزمة أنا أقول إشكالية ، والإشكالية يمكن أن تحل ، ربما الحياة الاقتصادية أيضا تلعب دورا كبيرا جدا في العمل المسرحي ، هذا العمل الجماعي ، والفنان المتفرغ للمسرح فنان فقير لا يعطي المبالغ التي تساعده علي الحياة بكرامة ومن ثم يضطر إلي أن يترك المسرح إلي التليفزيون أو السينما أو أماكن أخرى ، وحتى إلي المهن الأخرى البعيدة عن مهنته الأساسية ، وبالتالي فما عادت المعطيات في المسرح المادية تساعد الفنان علي الصمود والبحث عن وسائل جديدة للتطور.
أيضا الحياة الاجتماعية تؤثر ، فالشارع المزدحم والإيقاع المزدحم ، كل هذه الأشياء ساعدت أن ينحسر المسرح عن مكانته ، لكن يبقي المسرح هو الأساس ، لأن التليفزيون يعتمد علي التمثيل والدراما ، يبقي المسرح هو الأساس لأن السينما تعتمد علي الحياة والتمثيل والدراما ، المسرح هو الحياة ، الحياة بكاملها هي المسرح ، الإنسان ممثل بطبعه ، أنا وأنت يدخل فينا عنصر التمثيل بشكل إرادي أو غير إرادي ، يعني أنت تمثل علي ابنك والمعلم يمثل علي التلميذ ، وزوجتك تمثل عليك ، وابنتك تمثل ، وأنا أمثل ، وأنت الصبح تجاملني وتقول لي : صباح الخير ، وربما لا تحبني ولا تقول لي صباح الخير وتبتسم بوجهي وأنت تمثل الابتسامة ، كلنا نمثل يوميا ، وكلنا عندنا عنصر التمثيل ، وعنصر التمثل ليس بعيدا عن الإنسان اليومي ، لكن الحياة الاجتماعية لا تجعلنا نوظف هذا العنصر الموجود في داخلنا لصالح خشبة المسرح.

** ما تقيمك للمهرجانات المسرحية العربية التي تقام هنا أو هناك هل تعلب دورا إيجابيا أم هي مجرد مهرجانات؟

كانت تلعب دورا أساسيا ، لكن هي أيضا عانت مثلما عاني المسرح العربي ، عانت من انحسار مادي كبير في عدم الصرف عليها ، وبالتالي لم يستطيع هؤلاء الذين تبنوا هذه المهرجانات من أن يتواصلوا ، وكانت هناك مهرجانات مهمة جدا أذكر منها مهرجان دمشق المسرحي الذي كان من أهم المهرجانات المسرحية العربية ، الوضع السياسي العربي لم يساعد علي استمرار كثير من المهرجانات ، مثل مهرجان بغداد المسرحي وهو مهرجان آخر مهم جدا كان يضيف للحركة المسرحية العربية ، أيضا المهرجانات في مصر ، مهرجان قرطاج ، كلها تعاني تعاني معاناة ذاتية من التنظيم ومن التمويل ومن الرعاية ومن أشياء كثيرة مما يؤدي إلي عدم استطاعة هؤلاء العاملين في هذه المهرجانات من تأدية وتخطيط سليم لهذه المهرجانات وبالتالي ينحسر دورها ، بعضها توقف تماما مثل مهرجان دمشق ، وأرادوا عودته لكنه عاد بشكل ضعيف ، مهرجان بغداد كأن لم يكن ، مهرجانات كثيرة جدا ، في حين ظهرت مهرجانات محلية صغيرة ربما الآن تشكل أهمية مثل مهرجان أيام الشارقة المسرحية وهو يشكل أهمية جديدة مهمة جدا لدينا في الإمارات ، وظهر أيضا مهرجان الفجيرة للميولودراما العالمي هو أيضا جديد لجمع الميولودراما في العالم في مكان واحد ، هذه المهرجانات مهمة للتعرف علي تجارب الآخرين والتلاقح والتواجد وتبادل الآراء والتجارب والأفكار ، ولكن هذه المهرجانات عانت وتعاني من كثير من القضايا التي ينبغي علي المسئولين في وزارات الثقافة وفي المنظمات والمؤسسات الثقافية أن تلتفت إليها لإعادة هذه المهرجانات إلي مكانتها وإلي ما كانت عليه من تأثير ومن إيجابية.