بين نحر وزير الداخلية ورجل النظام القوي والمندوب السامي السوري الأسبق في لبنان اللواء غازي كنعان الذي فاجأ العالم في زمن ربيع الحرية الدمشقي القادم القريب والذي أشرنا إليه غير ذات مرة!، وتبريرات وزير الإعلام السوري السيد مهدي دخل الله للفضائيات العربية بعد الحادث مباشرة مسافة من أساليب الفذلكة الإعلامية تذكرنا على الدوام من أن العقلية الإعلامية البعثية التي تعتمد على التضليل وحجب الحقائق وتزويق الألفاظ والهروب لعوالم الشعارات ولغة التبرير الساذج لم تزل هي المهيمنة في دولة البعث السوري التي تصارع الأنواء والأحداث والأقدار من أجل البقاء بعد أن حان وقت الرحيل!، ورغم سقوط وتلاشي أسلوب الراحل (محمد سعيد الصحاف) وفضائحيته بعد الهروب البعثي الكبير في العراق إلا أن التوأم السوري لم يتعظ للأسف مما حدث هناك؟، ولم يزل مصرا على ركوب موجات التحدي الفارغة، ومعاندة رياح التحول التاريخية التي ستفرض في النهاية منطقها!، فالنظام السوري ليس مجرد نظام سياسي عادي يلجأ أحد وزرائه للانتحار لأسباب شخصية ذات علاقة بمعاناة نفسية أو هربا من فضيحة مالية أو جنسية كما يحصل في العديد من دول العالم؟ إنه غير ذلك بالمرة؟ فهو نظام أمني يتصور أنه محصن! ومحاط بألف سور وسور، والرجال الذين يديرون مؤسسات ذلك النظام تم إنتجابهم بعد سلسلة من المواقف والتجارب وبعد عقود من العمل السري المباشر المشفوع بخلفية طائفية معينة يعرفها الشارع السوري كما بات يعرفها العالم أجمع؟ وحادث الإنتحار أو النحر أو التصفية الجسدية هو من ضمن الحلول المعروفة التي تلجأ إليها الأنظمة المافيوزية المغلقة من أجل حسم الأمور وتغطية الملفات وإنهاء الأزمات؟ وقد حصل ذلك في التاريخ السوري المعاصر وتحديدا في الأول من آذار / مارس عام 1969 أن قام (عبد الكريم الجندي) أحد جلادي البعث السوري وأحد أعضاء اللجنة العسكرية ومدير مكتب الأمن القومي في حزب البعث السوري منذ عام 1967 بالإنتحار و إطلاق النار على نفسه في مكتبه بعد وصول صراعه مع الأطراف العسكرية المتنافسة ضمن إطار الترويكا البعثية التي كانت تحكم سوريا لأقصى مدياته ثم تبعته زوجته بعد أيام!! لأن العقيد عبد الكريم الجندي لم يكن مستعدا لمحاكمة وتصفية حساب من رفاق الحزب القائد وفضل إنهاء حياته بتلك الطريقة ليتخلص من كوارث شخصية كانت في الطريق إليه لم يكن على إستعداد لتحملها!! وهكذا هي لعبة الحكم والسلطة وآلياتها وأساليبها التي لا ترحم؟، أما موضوع (اللواء غازي كنعان) فهو مختلف لكونه لا يتعلق بصراع داخلي على السلطة كما كان الحال في السابق بل أنه يتعلق أساسا بالحفاظ على السلطة من خلال الهروب من مواجهة الإستحقاقات الدولية الواجبة الدفع التي فرضها ملف إغتيال الشهيد رفيق الحريري والذي شاءت الأقدار وتصاريف الزمان أن يكون دمه ورفاقه هو الثمن التاريخي لتحرير لبنان ولربما بلاد الشام بأسرها من قبضة الأجهزة الأمنية وبما يؤشر على قرب حدوث متغيرات تاريخية ستغير الصورة العامة للأوضاع في الشرق الأوسط، لقد كان واضحا منذ الهروب السوري من لبنان بـأن دمشق ستكون هي ساحة المواجهة المباشرة التالية!، كما كان واضحا للعيان بأن الجهاز الأمني السوري وخصوصا أجهزة المخابرات السورية التي ظلت طليقة خلال العقود الثلاث الماضيات لن تنجو هذه المرة من الإصطياد وإن الدائرة ستدور عليها؟ وتصرف النظام السوري على ذلك الأساس، ومارس كل أساليبه التضليلية المعروفة، ولكن المضحك إن الجهاز الإعلامي السوري الرسمي ممثلا بوزارة الإعلام كان يتصرف بوحي من خيالات الماضي وأصدائه الباهتة، فقد صرح وزير الإعلام السوري السيد مهدي دخل الله بعد مصرع كنعان بقوله من أن (سوريه هي دولة مؤسسات دستورية ولا تتأثر بأحداث من هذا النوع)!! مكررا أحاديث المؤامرة والصمود والتصدي وعازفا على معزوفة الصهيونية والإمبريالية!! وهو نفس لغة الخطاب الخشبية البعثية التي أوردت الأمة العربية موارد الهلاك والردى!!، والوزير السوري أول من يعلم بأن موقفه لا يحسده أحد عليه بالمرة!! فهو يدير الإعلام السوري في وقت لم تعد تنفع فيه لغة الشعارات الحزبية!! وفي حين يعرف فيه الشعب السوري والعالم أجمع الحقائق كاملة وغير منقوصة! ويعلم أن تداعيات الصراع الإقليمي وإستحقاقات التغيير الداخلية العاجلة قد فرضت نفسها؟ وإن (أسوار دمشق) ستطبق هذه المرة على الجلادين الذين أذاقوا الشعب السوري مر العذاب طيلة أكثر من أربعة عقود من التسلط والنهب والتصفية والهزائم والجمود وتحويل الوطن السوري لمزرعة عائلية يلعب في مراعيها ضباط التخلف والموت والإرهاب!، وتساقط الرؤوس الأمنية الكبيرة التي كانت ذراع النظام الضاربة في الداخل ودول الجوار هو الحلقة الأولى ضمن مسلسل إنعتاق الشعب السوري وتخلصه من آثام الماضي وظلاله الكئيبة، والتغيير الحتمي سيفرض نفسه فرضا عبر مصارع الطغاة وتلاشيهم كل بطريقته وأسلوبه، والصراع بات محسوما اليوم بين قوى ورياح الحرية المندفعة بقوة وبين نظام أمني ومخابراتي قد تلاشى ولم تعد تنفع معه المقويات، إنها الحقيقة العارية، وقد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان، وستستمر قرابين (البعث) بالتساقط المتتالي حتى تتحقق الحرية الحمراء، ويا دمشق.. أنت على موعد مع التاريخ.
- آخر تحديث :















التعليقات