غازي العريضي


يحاول بعض قادة المعارضة في لبنان تكرار نغمة أطلقها رموز من حزب الله يتهمون فيها الحكومة بأنها حكومة السفير الأمريكي وأنها تلتزم المشروع الصهيوني - الأمريكي، وبعض هؤلاء شن هجوماً على النائب سعد الحريري لأنه قال فقط: quot;إننا نتعاون مع أمريكا من أجل مصلحة لبنانquot;. ولم يذكروا الشق الآخر من الكلام: quot;لا نريد وصاية أمريكية أو غربية أو سورية أو إيرانية على لبنانquot;!! وهاجم هؤلاء النائب وليد جنبلاط لأنه يؤكد التمسك بالقرارات الدولية، ولأنه زار واشنطن ودعا فيها إلى رفض التدخل الخارجي في لبنان، والمقصود هنا سوريا وإيران وغيرهما. ولم يذكروا ما قاله علناً من نقد للسياسة الأمريكية في المنطقة، في العراق وفي فلسطين ومؤكداً ضرورة احترام خيارات وقرارات الشعوب الناجمة عن ممارسة حقوقها الديموقراطية سواءً في لبنان أو فلسطين داعياً إلى عدم مقاطعة حكومة حماس وإلى التعاون معها وليترك أمر محاسبتها إلى الشعب الفلسطيني.
أصحاب هذه المواقف يعلنون في الوقت ذاته دفاعهم عن السياستين الإيرانية والسورية ويؤكدون تحالفهم مع القيادتين والنظامين في كل من إيران وسوريا.

ولا بد هنا من طرح أسئلة حول التعاطي مع أمريكا وسياساتها وتقييم مواقف الجميع استناداً إلى المعيار الذي حدد من قبل قادة المعارضة في لبنان. وأنا أطرح هذه الأسئلة أؤكد مجدداً أنني ضد السياسة الأمريكية، واعتبرها المسؤولة عن الكوارث والمشاكل في كثير من الدول في العالم وخصوصاً في منطقتنا. وقد أعلنت ذلك مراراً وكتبت الكثير من المقالات والدراسات حول هذا الأمر.

وانطلاقاً من هنا أعود دائماً إلى عدم اعتماد الازدواجية في المواقف والمعايير. وبالتالي إلى الذين يتهمون الحكومة في لبنان بأنها عميلة لأمريكا وإسرائيل وهي ليست كذلك بالتأكيد، أو يتهمون بعض القيادات بالتعاون مع أمريكا، أتوجه بالأسئلة التالية:

- تقولون إنه من المعيب quot;التعاون مع أمريكا وهي التي قصفت إسرائيل بسلاحها المدنيين في لبنان وكل المناطق اللبنانيةquot;. نعم، ما جرى في لبنان كان حرباً إسرائيلية مدعومة من أمريكا. وأمريكا تحمي كل الممارسات الإرهابية الإسرائيلية وهذا سبب من أسباب معارضتنا ورفضنا لسياساتها. ولكن هل نسي قادة المعارضة أن القوات الأمريكية دمرت العراق مباشرة بكل أسلحتها ولم تكلف أحداً للقيام بهذا الدور نيابة عنها. وقد استفادت إيران وسوريا من هذا الأمر، وكل الفصائل العراقية الموالية لإيران وسوريا كانت من الأدوات الحليفة لأمريكا التي استخدمت في الداخل، ولا نسمع كلمة من قادة المعارضة حلفاء سوريا وإيران وبعض الفصائل المذكورة في العراق؟ فهل عمل هؤلاء وتعاونهم لإطاحة نظام كنا ضده، هو عمل مؤمنين مسالمين وطنيين مسلمين شرفاء، أما عمل غيرهم وبحدود أقل بكثير هو إدانة؟

- ألم نر منذ أيام السيد عبدالعزيز الحكيم في أمريكا عند الرئيس بوش؟ ألم نره لاحقاً عند رئيس الحكومة البريطانية توني بلير؟ ألا يقود فيلقاً - بعد أن ورث أخاه الذي كان يتنقل بين بريطانيا وأمريكا - كل قواته كانت في إيران وكل تمويله من إيران؟ فهل تعاون حلفاء إيران أو أدوات إيران مع أمريكا وبريطانيا quot;العدوتينquot; عمل شريف ونظيف أما تعاون غيرهم في إطار احترام المجتمع الدولي أو التعاطي معه إدانة وخيانة؟

- ماذا جرى في أفغانستان؟ ألم تسقط القوات الأمريكية بسلاحها نظام طالبان - ونحن كنا ضده وضد الاحتلال الأمريكي في الوقت ذاته - باتفاق تام مع إيران التي اصبحت شريكة فعلية لأمريكا في ضبط الوضع وتحديد المسارات والخيارات في تلك البلاد؟ فهل هذا أيضاً عمل وطني وإنساني وشرعي؟ أم أن قادة إيران هم عملاء وخونة أيضاً ونحن لم نسمع رأياً أو كلمة من قادة المعارضة حلفاء إيران عن هذه السياسات؟

- لماذا اتهام قادة لبنانيين يدعون إلى احترام قرارات دولية صدرت عن مجلس الأمن بالإجماع، أي بموافقة دول مثل روسيا وقطر على الأقل، تقيم علاقات جيدة مع إيران وسوريا، وحملت مطالبهما أكثر من مرة إلى مجلس الأمن ولعبت دوراً مهماً في تعديل بعض القرارات من أجل مصلحة هاتين الدولتين، وأكدت أنها تلتزم بعد ذلك بما أصبح قراراً دولياً، فلماذا اتهام أصحاب الشأن اللبناني أبناء البلد المعني بتلك القرارات؟ لماذا لا يكون اللبنانيون مثل حلفائهم أو أصدقائهم على الأقل في احترام القرارات الدولية؟ على كل حال، ثمة سؤالان يطرحان في هذا المجال:

الأول يتعلق بإيران. فإذا كان البعض في لبنان يقود مشروعاً استلهم أفكاره ومبادئه وقيمه من ثورة الجمهورية الإسلامية في إيران، ويتلقى السلاح من قادتها والمال بالحقائب والأكياس منها، فلماذا لا يتذكر هذا البعض قائد هذه الثورة وملهم نضال الجميع الإمام الخميني الذي قبل قراراً دولياً بوقف الحرب مع العراق والتزم بتنفيذه ولم يكن يراه عادلاً ولذلك قال: quot;إنني كمن يتجرع كأس السمquot;!! فهل كان ملهمهم وقائدهم ومرجعهم خائناً أو عميلاً أو متنكراً لمبادئه وقيمه؟ ولماذا انتقادهم إخوانهم وشركاءهم في الوطن؟ لمصلحة آخرين؟

والأمر الثاني يتعلق بسوريا. ألم تشارك القوات السورية في تحالف قادته الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير الكويت وإخراج الجيش العراقي المحتل منها؟ ألم تكن القوات السورية مع القوات الأمريكية جنباً إلى جنب؟ ألم تدمر القوات الأمريكية بسلاحها المباشر الجيش العراقي ومواقع عراقية كثيرة؟ فهل كان التعاون السوري هذا مع الجيش الأمريكي، عملاً وطنياً أخلاقياً إنسانياً والتزاماً حضارياً خلاقاً بالقرارات الدولية أما إذا التزم اللبنانيون بالقرارات الدولية التي وافق عليها الجميع فيكون ذلك عملاً خيانياً وتهمة؟

وبطبيعة الحال، أعود للتأكيد مهما كانت المواقف والمبررات فإنني كنت ولا أزال ضد الحرب الإسرائيلية وضد الدعم الأمريكي المفتوح لإسرائيل سواءً في لبنان أو فلسطين. لكنني فقط أتساءل: لماذا لا نسمع نقداً من قادة المعارضة للمواقف التي ذكرت وفق المعيار الذي التزموا به لتخوين مواطنيهم وأشقائهم في الوطن الواحد؟

لقد وصلت الأمور إلى حدود خطيرة. فاستمرار مسلسل التخوين والاتهام المبني على معلومات خاطئة خصوصاً عندما يتم التطرق إلى ما كان يجري في مجلس الوزراء وكل المداولات مسجلة صوتياً وكتابة، وثمة عدد كبير من الشهود عليها، واستخدام الإعلام لتعميمها وبالتالي تعميم أضاليل والبناء عليها لاتهام أشقاء لبنانيين ومسؤولين وطنيين شرفاء، مما يؤدي إلى تعميق الانقسام، والأحقاد في النفوس، فلا يعود ثمة أمل بلقاء أو مصالحة أو اتفاق أو تسوية. هل في ذلك مصلحة للبنان واللبنانيين؟ ألا يستطيع الفريق الآخر أن يمارس الأسلوب ذاته؟ فإلى أين سنصل كلبنانيين في مثل هذه الحالة؟ نتهم بعضنا في الداخل وندافع عن غيرنا في الخارج ونجعل هذا الخارج يحقق مصالحه ومكاسبه على حساب دمائنا ووحدتنا وإنجازاتنا؟ وما يؤلمني في هذا المجال أن التجربة العربية والإسلامية الفريدة عنيت المقاومة التي حققت إنجازات كبيرة وتاريخية في تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي والتي كانت قيادتها موضع إجماع وثقة واحترام، قد عرضت نفسها وتجربتها لانتقاد أي كان فاهتزت صورتها وهيبتها وهالتها وقامتها، واهتز معها الوضع في لبنان، فعرضت لبنان لمخاطر كثيرة وهذا أمر لا يحمي الإنجاز ولا يحمي لبنان ومستقبله ولا ينتج ضماناً لأحد.

بناءً على كل ذلك، أجدد التأكيد أن لا حل إلا التسوية بين اللبنانيين المتساوين في المواطنية والوطنية والقائم على الثقة.