يعتقد الكثيرون أن الأزمة الإعلامية مجرد احتمال ضئيل، بينما هي أقرب لك مما تتوقع، إذ يمكن لقضية عابرة أو موقف بسيط أن يتصاعد ليهدم سمعة تراكمت خلال سنوات من العمل والإنجاز، وذلك حينما تدار تلك القضية ارتجالياً ودون خبرة، وتتضخم لتمسي أزمة إعلامية تكشف هشاشة الاستعداد وغياب الفهم.

السبب دوماً لهذا الفشل هو غياب المختصين في إدارة الأزمات الاتصالية، أو تجاهل التوصيات المهنية المبكرة التي تُنبه لعلامات الأزمة قبل وقوعها، لأن التعامل مع الأزمات الاتصالية ليس رفاهية ولا عملاً ثانويًا؛ إنه تخصص يقوم على الرصد، والتحليل، واتخاذ القرار في اللحظة المناسبة.

تبدأ معظم الأزمات من حالة بسيطة: تعليق متداول، شكوى فردية، صورة من زاوية خائطة، أو سوء فهم لتصريح مسؤول، وغالباً لا تشكل هذه الحالات خطرًا إذا تمت معالجتها مبكراً، لكن حين تُترك دون تفسير، أو تُدار بعشوائية، فإنها تنمو بسرعة، وتتفاعل معها الجماهير، وتبدأ وسائل الإعلام والمنصات الرقمية بإعادة إنتاجها.

وبدلاً من احتواء الموقف -نظراً لغياب المختص أو عدم تمكينه-، يصبح الأمر ردّة فعل بدلاً من المبادرة، ويزداد الأمر سوءًا عندما يتولى مهام التواصل فرق غير مدربة أو جهات داخلية تفتقر لفهم البيئة الإعلامية، أو حين يتولى الرد موظف يعتقد أن المسألة بسيطة، أو أن الوضع سيهدأ دون تدخّل! ليقود منظمة إلى أخطاء قد تكلف خسائر جسيمة!

هناك ثلاثة عوامل رئيسية تقود لهذا الخلل، أولاً: التأخر في الاعتراف بالمشكلة، فكل دقيقة تأخير تتحول إلى مساحة خصبة للشائعات والتأويلات، وبالطبع المنظمات التي تتجاهل القضايا على أمل أن تختفي تفاجأ لاحقًا أنها صارت قضية رأي عام.. ثانياً: عدم وجود إجراءات واضحة لإدارة الأزمات، فالأزمة تحتاج لقرار واحد ورسائل موحدة، أما حين يرسل كل طرف رسالة مختلفة، أو يتحدث غير المختصين، فإن صورة المنظمة تصبح مرتبكة أمام الجمهور.. ثالثًا: غياب القراءة المهنية لمؤشرات الخطر، لأن بدايات الأزمات غالباً ما يكون لها علامات مبكرة، مثل ارتفاع غير طبيعي في التفاعل، تغيّر نبرة التعليقات، تداول مُضلل للمعلومات، أو تصاعد فجائي في السياق السلبي، وبالطبع تجاهل هذه العلامات هو الخطأ القاتل!

الأمثلة على ذلك متعددة، وتؤكد بوضوح أن الفارق بين المنظمات المحترفة وغيرها هو الاستجابة المبكرة وجودة إدارة الاتصال، مثل أزمة طيران "يونايتد إيرلاينز" عام 2017م، حينما انتشر مقطع لراكب تم التعامل معه بقسوة داخل الطائرة، في البداية تجاهلت الشركة القصة، معتبرةً أنه حادث بسيط، مما أدى إلى انفجار غضب عالمي وتراجعٍ حاد في أسهم الشركة، ورغم أن القضية كانت بسيطة، لكن غياب الاعتذار الفوري والشفافية المهنية جعل منها واحدة من أشهر الأزمات.

ولك أن تتصور أن غياب فريق إدارة الأزمات الاتصالية، يُحدث الكثير من الأخطاء ومنها: رسائل غير منسقة تزيد الغموض، تضارب تصريحات يخلق شكوكاً إضافية، استخدام لغة دفاعية تزيد حدة الرأي العام، فقدان السيطرة على السياق الإعلامي، فتتحول المؤسسة إلى طرف مطارد يلهث خلف الأحداث.

وحتى لا تتضخم القضايا البسيطة إلى أزمات، يجب على المنظمات تمكين فريق التواصل من إدارة الأزمة الاتصالية، والاستثمار أكثر في أنظمة الرصد والتحليل والاستجابة، وتحديد متحدث رسمي محترف، مدرّب على إدارة الرسائل في اللحظات الحرجة، واعتماد دليل إدارة أزمات، يتضمن آليات اتخاذ القرار وسياقات التصعيد وبروتوكولات النشر.

إن غياب المختصين أو تأخر القرار يراكم القضية الصغيرة إلى كرة ثلج تتدحرج، وتتضخم، وتسحق في طريقها كل ما بنته المنظمة من ثقة وسمعة، لذا لا ينجح سوى المنظمات التي تدرك أن تطبيقات التواصل الاستراتيجي ليست ترفًا، وأن الأزمة ليست حدثًا طارئًا بل سلوك متوقع يجب الاستعداد له دائمًا.