السبت 3 مارس 2007

سعد محيو


لن تكون القمة العربية التي ستعقد في اواخر آذار/مارس الحالي في المملكة العربية السعودية، قمة اخرى كتلك القمم التي ذهبت كما جاءت منذ العام 1965. هذه المرة ثمة جديد. وهو لا يتعلق بالديناميات الداخلية للجسم العربي، ولا بتفاعلات النظام الإقليمي العربي سواء مع نفسه او مع الآخرين، بل أولاً وأساساً بما يراد للأمة العربية أن تكون، وبما يخطط لنظامها الإقليمي (او ما تبقى منه) أن يتفاعل.

المؤشرات على هذه الحقيقة المريرة عديدة فالدول العربية الرئيسية التي كانت تفرض الوجود العربي(والإرادة العربية) في ساحة الفعل الدولي، إما مدمَرة ومقسَمة، أو مهمَشة وغارقة حتى الأذنين في مشاكلها الداخلية، او مطاردة من الأسرة الدولية، أو محاصرة بمخاطر جمة.

العراق يشكَل عيَنة فاقعة على الحالة الاولى. فهو منذ الغزو الامريكي العام ،2003 تحَول من دولة إقليمية كبرى إلى دولة فاشلة كبرى، واوشك على الاختفاء ككيان سياسي موَحد عن خريطة الشرق الاوسط. وهذا خلق فراغاً سيكون عما قريب أشبه بالثقب الاسود الفضائي الذي يبتلع كل شيء يقترب منه، والذي يعود فيه الزمن القهقرى إلى الوراء بدل التقدم إلى الأمام.

مصر نموذج للحالة الثانية. فهي، ومنذ اتفاقات كامب ديفيد، محَرم عليها ممارسة دورها الطبيعي كدولة قائدة في الخارج، وتسير في الداخل نحو ما يبدو أنه هاوية محققة بسبب الانفجار السكاني الكبير، وأيضاً لعدم قدرة النظام الاقتصادي الليبرالي (الخدماتي) الراهن على حل المشاكل الاجتماعية والبيئية الضخمة التي تفرزها الكارثة الديموغرافية.

أرض الكنانة التي لطالما كانت نقطة جذب للمهاجرين، باتت أرض المهجرين إلى أربع رياح الأرض، والذين ينتشرون على قوس واسع يمتد من منطقة الخليج العربي (نحو ثلاثة ملايين عامل مصري) إلى إفريقيا، مروراً بكندا وأستراليا والولايات المتحدة. من لا يستطيع الهجرة من المصريين، يقوم الآن بالهجرة إلى الله تعالى بحثاً عن ملاذ او تعويض.

سوريا هي العيَنة الثالثة. إنها ldquo;العضو السريrdquo; في نادي ldquo;محور الشرrdquo; الذي أعلنه الرئيس الأمريكي بوش العام ،2002 والذي كادت أراضيه تتعَرض إلى غزو مسلح على النمط العراقي عامي 2003- ،2004 لولا تعثر الاحتلال الأمريكي للعراق. بلاد الشام متصالحة هذه الأيام مع نفسها، بعد أن اتخذت قيادتها قراراً بالسير في عكس الرياح الأمريكية العاتية. لكن خناقاتها مع الغرب تهَدد الآن بجعلها هدفاً لكل وأي رغبة من هذا الاخير في إدخال تعديلات جذرية على موازين القوى الشرق اوسطية.

ثم هناك أخيراً النموذج الرابع الذي تمثله المملكة العربية السعودية، التي تجد نفسها محاصرة بالنيران من كل جانب: من الداخل حيث الخلايا الإرهابية النشطة والنائمة، إلى الخارج حيث تعسكر القوات الامريكية والإيرانية وجهاً لوجه في مياه الخليج، إضافة بالطبع إلى الحرائق المذهبية الخطيرة على الحدود مع العراق.

المملكة الآن تقوم بهجوم دبلوماسي جريء في كل أنحاء المنطقة، ربما لكونه أفضل انواع الدفاع. بيد ان هذا لا ينفي الحقيقة بأن مشاعرها بالقلق جدية (ومحقة)، وخوفها من المستقبل كبير (وصحيح).

الآن، إذا ما كانت القوى الإقليمية العربية الكبرى التي تدير عادة النظام العربي، على هذا النحو من الارتباك والتشرذم والضياع، فهذا يعني أنها غير قادرة لا على تطوير دينامياتها الخاصة، ولا على التفاعل مع نفسها بشكل إيجابي وتطوري.

وبالتالي، من أين يمكن أن يأتي جديدها في القمة العربية العتيدة؟