خيرالله خيرالله

من الآن الى انعقاد القمّة العربية في أواخر الشهر الجاري، ستشتدّ الهجمة على لبنان أكثر مما اشتدّت في الأشهر الأخيرة. ولعلّ الظاهرة الأخطر التي يشهدها لبنان هذه الأيّام الجهود التي يبذلها quot;حزب اللهquot; مع ادواته المستأجرة من أجل تهجير اللبنانيين وجعلهم يشعرون باليأس. ما يحصل حالياً هو أن أفضل اللبنانيين، من كل الفئات الأجتماعية والطوائف والمناطق يغادرون لبنان بحثاً عن مستقبل أفضل ومكان آمن بعدما أكّد لهم quot;حزب اللهquot; بمشاركة أداته المفضلة النائب ميشال عون، أن البلد غير قابل للحياة. يستعين الحزب الإلهي بخبرات quot;الجنرالquot; الذي أختص بتهجير اللبنانيين، خصوصاً المسيحيين منهم بدليل ما فعله في الأعوام 1988 و1989 و1990 من القرن الماضي حين تكّفل بزرع الدمار في كلّ مكان من البلد ونقل خطوط التماس الى داخل المناطق المسيحية بحجة أنّه يريد توحيد البندقية من جهة وتحرير البلد من الوجود السوري من جهة أخرى. هل هناك من يريد تذكّر ذلك وتذكر ما للسيّد عون من اياد بيض على اللبنانيين، أم أن الذاكرة تخون الذين تحوّلوا الى مدافعين عن العصيان المدني؟ من يدافع عن العصيان المدني، من ذوي الوجوه القبيحة، غير أولئك الذين يريدون تدمير لبنان وتحويله دولة فاشلة من أجل التغطية على سلسلة الجرائم التي ارتكبت منذ التمديد القسري لولاية اميل لحّود؟

دخل التصعيد في وجه الكيان اللبناني مرحلة جديدة مع إعلان quot;حزب اللهquot; أن لا مجال لاجتماع يعقده مجلس النوّاب اللبناني. أظهر الحزب مرّة اخرى أنّه يسيطر على quot;أملquot; ويتحكّم بقرارها وأن رئيس مجلس النوّاب مغلوب على أمره وأنّه لا يستطيع اتخاذ قرار طبيعي يقضي بدعوة النواب الى الاجتماع في دورة عادية بغض النظر عن الموقف من الحكومة. هذه الحكومة التي تمتلك كلّ مقوّمات الشرعية بدليل موقف رئيس الجمهورية غير الشرعي منها.

ما الهدف من موجة التصعيد الأخيرة التي يقودها quot;حزب اللهquot; ولا أحد غير quot;حزب اللهquot; الذي لا وجود لأداة سوريّة ـ إيرانية فعّالة من دونه ومن دون سلاحه ومن دون الميليشيا المذهبية التي شكّلها بهدف القضاء على مقوّمات الدولة اللبنانية وتحويلها الى دولة شحاذين، دولة ذات مجتمع غير منتج، تعيش من صدقات النظام الإيراني؟ الهدف واضح كلّ الوضوح. المطلوب تمكين الرئيس السوري بشّار الأسد من الذهاب الى قمة الرياض والقول إنّه أستعاد المبادرة في لبنان. أكثر من ذلك، المطلوب ابلاغ كلّ من يعنيه الأمر أن اغتيال رفيق الحريري كان حدثاً عابراً وأن في الأمكان تجاوزه مع مرور الوقت. الفارق الوحيد أن العملية أخذت سنتين في حين أنّه كان مقدّراً لها الاّ تستغرق سوى أيّام وأن الأوامر التي أصدرها إميل لحود بالعبث بمسرح الجريمة وإعادة فتح الطريق أمام فندق quot;سان جورجquot; كانت في محلّها، أقلّه من وجهة نظر النظام السوري. الخطأ كان مجرد خطأ في الحسابات... أمكن تجاوزه!

سيضع الرئيس السوري، في القمّة العربية، العرب أمام خيارين. إمّا انهم يوفرون لنظامه غطاء يسمح له بتخطي المحكمة ذات الطابع الدولي المتوقع أن تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وإما سيقضي على لبنان بواسطة quot;حزب اللهquot; الذي نجح الى حدّ كبير في تعطيل الحياة في البلد وفي العمل على تعطيل مفاعيل مؤتمر باريس3 بشكل مسبق. سيؤكّد أن quot;حزب اللهquot; يعمل لديه وأن لديه القدرة على تسييره في الاتجاه الذي يشاء بدليل أن الحزب اختار عدم الذهاب بعيداً في التهدئة على الرغم من أن ثمّة ميلاً إيرانياً الى ذلك لأسباب مرتبطة بنية تحسين العلاقات مع المملكة العربيّة السعودية.

مرّة اخرى تبدو حسابات النظام السوري في غير محلّها. إنّه يقرأ من كتاب قديم لا علاقة له بالتغييرات التي شهدها العالم والمنطقة. إنّه لا يدرك أن لبنان سيتغلّب على ظاهرة quot;حزب اللهquot;، الحزب المذهبي المسلح، علماً بأنّه سيرحب به كطرف من أطراف المعادلة السياسية اللبنانية. إنّه لا يدرك أن المحكمة ذات الطابع الدولي آتية، آتية، آتية... وأن كلام اميل لحّود عن رفض الخروج من قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته، وهو تصرّف لا يشبه سوى تصرّف ميشال عون في العام وعصيانه 1989، لن يفيده في شيء. كلّ ما في الأمر أنّ التصعيد السوري في لبنان من أجل ازالة البلد من الوجود سيعجّل في لجوء الأسرة الدولية الى الاستعانة بالبند السابع عبر قرار جديد عن مجلس الأمن لا يكتفي بإنشاء المحكمة ذات الطابع الدولي بموجب البند فحسب بل يذهب الى أبعد من ذلك أيضاً. سيذهب مجلس الأمن الى التعاطي مع الوضع اللبناني برمته من زاوية البند السابع. هل هذا ما يسعى اليه النظام السوري؟ هل يعتقد أن quot;صوملةquot; لبنان تفيده... أم ستعجّل في حسم وضعه كنظام؟