هل نستطيع أن نصارح أنفسنا ولو لمرّة واحدة؟ هذا السؤال، على بساطته، ليس سهلاً البتّة. إنّ طريق الوصول إلى الإجابات الشّافية تبدأ فقط من النّقطة الّتي نطرح فيها على أنفسنا السّؤال الصّحيح. إذن، الخطوة الأولى للخروج من دوّاماتنا يجب أن تأتي عبر تعلّمنا أن نسأل الأسئلة الصحيحة، لأنّها وحدها الّتي تفتح أمامنا شعاب الجواب.
لماذا هذا الإحباط الّذي صار جزءًا لا يتجزّأ من وجودنا؟ لو نظرنا إلى مجتمعاتنا من حولنا، بما تحويه من أنظمة حكم لرأينا أن لا فرق بينها إلاّ فيما ندر. فما الفرق بين أنظمة ملكيّة متوارثة وبين أنظمة تتسمّى بالثّوريّة والجمهوريّة وما إلى ذلك من تسميات أقرب إلى الزّور والبهتان منها إلى حقائق المكان والإنسان؟ كيف ذا يبقى الزّعيم زعيمًا عقودًا من الزّمن، قبل أن يورّث الحكم لابن له يواصل بعده هذا الإرث الّذي يكرّس الجهل والظّلم والاستبداد؟
هنالك من يدّعي، هربًا من مواجهة الحقيقة، بأنّ المشكلة تكمن في الأنظمة، وأنّ النّاس على ما يرام ولا حيلة لهم بذلك. فهل هذا صحيح؟ لقد أصاب الفيلسوف الإغريقي إكزينوفانس كبد الحقيقة، عندما قال: لو كانت الخيول تعرف فنّ الرّسم لكانت رسمت آلهتها على هيأة خيل. وما أرمي إليه هو أنّ هذه الأنظمة بأسرها، ما هي إلاّ على هيأة الخيول الّتي رَسَمتها ورَسّمتها هذه الشّعوب العربيّة، وما أشبه العَصَا بالعُصَيّا.
فها هم محمّد، وعبدالله ومبارك والأسد وزين العابدين وعيب الكافرين والسّلاطين ومن لفّ لفّهم من دهاقين الدّين، مستمرّون في غيّهم وبغيهم إلى يوم الدّين. إذن، والحال هذه، وهي كذلك بلا أدنى شكّ، فإنّ ذلك يعني أنّ الأنظمة هذه كلّّها السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة هي أنظمة غريبة وأجنبيّة، لا يشعر معها الفرد العربيّ بأنّها جزء منه، أو أنّه يستطيع أن يؤثّر فيها بأيّ شكل من الأشكال. ومعنى هذا أيضًا، أن لا فرق بين هذه الأنظمة وبين أنظمة غريبة تأتي من مكان بعيد. لا فرقَ اللّهمّ سوى أنّ أنظمة الغرب هذه القادمة من البعيد هي أكثر عدلاً وأوسع رحمة من كلّ هؤلاء العرب أجمعين.
لهذا السّبب، ولأسباب أخرى كثيرة، فإنّي أجد، كما يجد كثير من العرب المهاجرين منهم إلى الغرب وأنصار الحريّة في الشّرق، أن لم يعد هناك مجال للتّلاعب بالألفاظ. لهذا، أقولها جهارًا وعلى الملأ: إمّا أن تتغيّروا وتتبدّلوا وتتركوا هذه الزّعامات المخلّدة، عبر سنّ القوانين بعدم جواز يقاء الزّعيم لأكثر من ثماني سنوات في السّلطة، وإمّا فإنّا نرى أنّ استقبال الاستعمار بالحفاوة لهو أفضل السّبل للخلاص منكم ومن ذهنيّاتكم البليدة والتّليدة.
- آخر تحديث :
التعليقات