لازالة التوتر بين أمريكا وايران؟

فشلت امريكا في العراق ولكنها انتصرت في أفغانستان حين تمكنت من الحصول على ذرائع مقنعة بشن الحرب على حكومة طالبان وتنظيم القاعدة هناك، وأخفقت حتى الآن في تبرير اسقاطها لنظام صدام حسين عن طريق الغزو العسكري.

في أفغانستان قدمت القاعدة المبرر لغزو أفغانستان واسقاط حكومة طالبان، باعترافها أنها كانت وراء هجمات 11 سبتمبر 2001 ، فيما الأمريكيون مايزالون يفتشون عن أسلحة دمار شامل في العراق ،وتقر أجهزة استخباراتهم ومعها أجهزة الاستخبارات الربطانية والاسترالية، بالفشل الذريع إذ لايوجد في العراق أسلحة دمار شامل ولاهم يحزنون.

وبامكان المرء أن يتساءل وهو يشاهد صور التعذيب في سجن أبوغريب، ويقرأ حكايات اغتصاب الأطفال والنساء والرجال أيضا من قبل قوات الاحتلال، عن الحجة القوية التي فرطت بها أمريكا لاسقاط نظام صدام حسين، وهي وجود المقابر الجماعية، وخرقه المكرر لحقوق الانسان، لأن الدولة العظمى في العالم التي ترفع شعار الدفاع عن حقوق الانسان، داست على كل قيم الحرية والديمقراطية، ومايتعلق بحقوق الانسان، فيما مارسته داخل العراق، سواء داخل السجون والمعتقلات، أم في الفلتان الأمني المقصود وعلامات الاستفهام الكبيرة التي تثار على مايجري في العراق.

نعم كان بامكان الادارة الأمريكية أن تسقط نظام صدام حسين وتتعامل بشفافية مع الحالة العراقية، ثم تخرج قواتها من العراق وتسلم السلطة والسيادة الكاملتين الى العراقيين، وتبرر كل ذلك بكل شيء ماعدا أسلحة الدمار الشامل، لكي تحصل على تأييد العراقيين ولاتستثني أحدا.

لكن أمريكا التي جاءت الى العراق، لأغراض يعرفها وحددها اليمين المحافظ، ارتكبت أخطاءها طوعا أم كرها، وحولت نفسها بقرار مثير من مجلس الأمن من قوات تحرير الى قوات احتلال، ولم تشفع سياساتها الخاطئة طوال فترة الاحتلال، في تجميل صورتها لدى العراقيين، وإن اختلفت المسميات فصارت قوات الاحتلال، قوات متعددة الجنسيات، ولكن بعد خراب البصرة!.

اليوم ايضا فان الادارة الأمريكية ، تشير الى أنها في طريق ارتكاب نفس خطأها المقصود الذي وقعت فيه في العراق، وهاهي تتهم ايران بتسهيل مهمة أعضاء من تنظيم القاعدة نفذوا هجمات سبتمبر بذريعة أنهم مروا في الأراضي الايرانية، وكأن ايران تقع في الجوار من الولايات المتحدة، دون أن يتحدث تقرير اللجنة المكلفة بالتحقيق في تلك الهجمات، عن الدول التي عبر منها أولئك الذين نفذوا بالفعل تلك الهجمات قبل أن يصلوا الى الوولايات المتحدة.

وبعيدا عن الانقسام الحاد والكبير داخل الادارة الأمريكية نفسها،أو بين الرئيس جورج دبليو بوش ومنافسه السناتور الديمقراطي جون كيري، الا أن الواضح في التعاطي الأمريكي مع ايران أنه يفتقد الى الكياسة والعقلانية ومن شأن ذلك ان يوقع الأمريكيين، جمهوريين،او ديمقراطيين، في حرج جديد أشد وطأة وقسوة مما هم فيه حاليا في العراق.

نعم كان بامكان أمريكا ان تنجح في العراق لو أرادت، الا انها ارتكبت أخطاء قاتلة بدء من قانون تحرير العراق الذي حولها الى دولة غازية بدلا من راعية لقيم الحرية والديمقراطية، والمعلومات التضليلية حول أسلحة الدمار الشامل في العراق التي ماتزال تقض مضاجع دعاة الحرب في الولايات المتحدة، ومرورا بحل الجيش ووزارة الاعلام وشرطة الحدود وكل مايمت للدولة العراقية بصلة، والنظر الى حزب البعث العراقي الذي كان حاكما، بنظارة واحدة لاتميز بين أبيض وأسود، وأخيرا وليس آخرا المحاصصة الطائفية التي من شأنها أن تصنف السنة الى "مقاومة " ، والشيعة الى "عملاء" مايمهد لاحتراب داخلي يأكل الاخضر واليابس ويزرع بذور فتنة مقيتة بين الاثنيات والأديان والطوائف العراقية.

في الحالة العراقية صوت الديمقراطيون الذين يعارضون بوش حاليا، لصالح تحرير العراق، وربما سيفعلون نفس الشيء مع ايران وحينها ستغرق المنطقة ولن يسلم العالم،في حرب لاتبقي ولاتذر بمايوجب على الحكام العراقيين الجدد أن يحذروا منه حلفاءهم الأمريكيين، بدلا من اطلاق تصريحات تسخين، توزع الاتهامات يمنة ويسرة الى ايران، ومعها سوريا، في الفلتان الأمني المكشوف في العراق.

الاحتلال أولا يتحمل المسؤولية فيما وصلت اليه الامور في العراق، ولكن هذا لايعفي دول الجوار من المسؤولية فهي أيضا يجب أن تقوم بواجبها في السيطرة على الحدود، وعلى مراكز القوى التي يمكن أن تستغل الفوضى العراقية،لمد جسورها وتعزيز نفوذها،في عالم الكل يبحث عن مصالحه.

ايران وهي أحدى أضلاع مثلث الشر امريكيا الى جانب العراق القديم،وكوريا الشمالية،تخشى أن يتحول العراق الى منصة لاطلاق اشارة بدء الحرب عليها، وهي اذن تبحث عن مصالحها، ولكنها فيما تملك من علاقات وثيقة مع عناصر فاعلة في الحكم الجديد، ودورها الايجابي في الحرب الأنجلوأمريكية لاسقاط النظام السابق، قابلة للتطويع عبر تكثيف التعاون معها خصوصا في شقه الأمني، وقبل كل ذلك عن طريق العمل على إزالة التوتر ومبرراته في علاقاتها المزمنة مع الولايات المتحدة.

وبامكان أصدقاء ايران في الحكم العراقي الجديد، وأصدقاء أمريكا أيضا لعب دور بناء لايجاد نوع جديد من العلاقة بين طهران وواشنطن، بدلا من التهديد بنقل الارهاب الى الاراضي الايرانية، لتبقى بذلك شعلة العداء التقليدي العراقي الايراني، والتي أضرت كثيرا بالبلدين وبالمنطقة وبمجل النظام العالمي الجديد.

اليس كذلك؟