من المضحك المبكي أن العالـم المسيحي يحتفل بصلب المسيح وقيامته من الموت على فترتين أو أكثر، وكأن لا شغل للسيّد المسيح سوى الموت من أجل عيون رجال الدين الكاثوليكيين والأرثوذكسيين وغيرهم.. ولهذا افرنقع عنهم الأتباع وكثرت الطوائف والبدع. ورغم أن المسلمين بعيدون جداً عن خلافات موت السيّد المسيح وقيامته، نجد أن النبي محمد قد أجبر اتباعه على الإيمان بالمسيح إذا أرادوا دخول الجنة: (من شهد ان لا اله الا اللـه وحده لا شريك لـه وان محمداً عبده ورسوله وان عيسى عبد اللـه وابن امته وكلمته القاها الى مريم وروح منه وان الجنة حق وان النار حق ادخله اللـه من اي ابواب الجنة الثـمانية شاء).. كما انه قال: (ان الأنبياء اخوة بني علاّت وأنا وعيسى اخوان لأنه بشّر بي وليس بيني وبينه نبي). ولكي يؤكد على قيمة السيّد المسيح في الاسلام، قال لعائشة التي طالبته بأن يأذن لها أن تدفن الى جنبه: (أنى لي بذلك الموضع ما فيه الا موضع قبري وقبر أبي بكر وقبر عمر وقبر عيسى بن مريم صلّى اللـه عليه وسلّم). كما أنه كان يشنّف أذني ابن عمه علي بن أبي طالب بهذا الكلام الرائع: (إن فيك لشبهاً من عيسى بن مريم). أما إذا أراد أن يردع أتباعه فكان يقسم أمامهم بأن المسيح سيجيء، في يوم من الأيام، مقسطاً بين الناس، (والذي نفس محمد بيده سيجيئنّ المسيح مقسطاً بين الناس). فتوقّفوا، وتمتعوا، وتمعّنوا بكلمتيْ (بين الناس)، لتدركوا عظمة نبينا العربي، وشمولية كلامه، فهو لم يقل بين أتباعي، أو بين اليهود والنصارى، بل قال (بين الناس)، كل الناس، السود منهم والبيض، الحمر أو الصفر، فالمسيح، الذي ننتظر قدومه، سيجيء، حسب قول النبوة، مقسطاً بيننا. فتأهّبوا يا ناس ليوم الدينونة، وخاصة أولئك الذين أسلموا لله، وآمنوا به وبأنبيائه.

أما في القرآن، فالمسيح (كلمة اللـه وروح منه) وهو (عبداللـه) و(نبي اللـه) و(رسول اللـه) و(إذ قالت الملائكة يا مريم ان اللـه بشّرك بكلمة منه، اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين) و(أيدناه بروح القدس).. وغيرها وغيرها من الآيات البيّنات.

فبربكم، هل الخلاف بين المسيحيين والمسلمين أعمق من الخلاف بين المسلمين والمسلمين، أو بين المسيحيين والمسيحيين؟؟.. ونحن إذا تعمّقنا بدراسة وفهم هذين الدينين السماويين، نجد أن الفرق بينهما لا يذكر، عكس ما هو حاصل بين المذاهب والمشارب والبدع التي تحسب على المسيح أو محمد.

فمن يؤمن بصلب المسيح وموته له الحق في ذلك، شرط أن يتم في وقت واحد، ومن لا يؤمن بصلبه وموته له الحق في ذلك أيضاً، طالما أنه يؤمن أولاً وأخيراُ باللـه تعالى، ومن الجور أن نحاكم عبدة الشيطان على كفرهم، ونحن نحن، بانشقاقاتنا وخلافاتنا وتكفير بعضنا البعض وتعصّبنا الأعمى، أوصلنا هؤلاء (الأبرياء) إلى الكفر.. ومن سينتقدني على نعتهم (بالأبرياء) فليعرِّ نفسه أمام الحق، وليعدّد ذنوبه التي اقترفها باسم الدين، ولنا في الآخرة حساب.

أول مرة سمعت بعبدة الشيطان، كان يوم قرع بابي أحد أولياء تلاميذي، وراح يصيح: إلحقني يا أستاذ، لقد ضاع إبني حنّا.. لقد سرقه الشيطان. وبعد أن هدّأته بعض الشيء، راح يخبرني قصّة التحاق ابنه الوحيد بعبدة الشيطان، وطلب مني التكلم معه، وإرشاده إلى جادة الحق والصواب. وعندما اجتمعت بابنه، وجدته مخدراً بأفكار لم تخطر ببال أحد على الإطلاق. أولها: أن جميع الناس يعبدون الشيطان من حيث لا يدرون، طالما أنهم يلهثون وراء المادة والجاه والعظمة. وثانيها: أن عبادة الله تفرّق، بينما عبادة الشيطان فتوحّد. وسألني بقرف شديد: لماذا يتقاتل اليهود والنصارى والمسلمون إذا كانوا حقاً أبناء الله؟

وبتعب شديد تمكنت من إقناع حنّا، بأن الأديان السماوية ما جاءت إلا لخير البشرية، وإذا كان البعض قد ارتكب باسمها الشرّ، فلسوف يحاسبهم الله على ذلك. وأخبرته أن الله محبّة، ولو لم يكن هكذا لما أنعم عليه بوالدين يحبّانه ويسهران على راحته، يبكيان إذا بكى، ويفرحان إذا ابتسم. فتطلع بوالده، فوجد دمعه يبلل وجنتيه، فقام واحتضنه وراح يهمس في أذنيه: أنا آسف يا أبي كوني أغضبتك.

سؤال واحد أوجعني به تلميذي لم أتمكن من الإجابة عليه: لماذا يتقاتل اليهود والنصارى والمسلمون، إذا كانوا حقاً أبناء الله؟ أجل.. لماذا؟.

[email protected]