تناقلت وكالات الإعلام العالمية خبر انتقال الفريق العراقي الألومبي بطائرة أسترالية من مطار بغداد إلى مدينة الألعاب الألومبية في أثينا. وكنت في مقال سابق قد طالبت بمقاطعة الألعاب نظراً لغياب نصفنا الأجمل عنها. أما الآن، فأقول، وبالفم الملآن: لا تقاطعوا الألعاب الألومبية، بل شجّعوا الفريق العراقي، الطالع كطائر الفينيق من الموت إلى الحياة.

حياة العراقيين تهمنا، تأكل معنا وتشرب، تدخل إلى رئتينا إثر كل شهيق وزفير، وتقض مضاجعنا. إنهم، والحق أقول، أهلنا، فرحهم فرحنا، وحزنهم حزننا. وبما أن حياة الشعوب لا تكتمل إلا بالتواصل، والتلاقي، والتعاضد، والتحبّب والتعايش، فلقد ذهب الرياضيون العراقيون إلى أهم حدث رياضي في العالم، ليخبروا الكون أجمع أنهم أبناء الحياة، وأنهم جديرون بها.

فريق صغير يمثّل وطناً لم نعد ندري من يمثّله، يحمل علمه بين الأعلام، ويشمخ كما لم يشمخ من قبل. ومن يدري فقد يحصد النصر ليفقأ الحصرم بأعين حاسيده. وصدقوني إذا قلت: إن الميداليات الذهبية والفضيّة والبرونزية لا تهمنا في الوقت الحاضر، فهذه الأمور سنتكلّم عنها عندما يتقدم العراق بطلب لاستضافة الألعاب الألومبيّة في المستقبل القريب، ومن يعش يرَ، لأنه البلد الوحيد المؤهّل من بين كافة الدول العربيّة لذلك. ولأنه، وهذا الأهم، ملتقى حضارات كثيرة، ستعطينا العجب العجاب، وتقذف أمام أعيننا الأحلام، متى تطايرت حمائم السلام في فضائه، وارتدت ربوعه ربيعاً أخضر مشرقاً، أزهاره ضحكات بنيه، وثماره تعايشهم الأخوي الرائد.

لا أحب أن أخبركم، ما أخبرتنا إياه وسائل الإعلام المختلفة عن اضطهاد الرياضيين العراقيين، سابقاً، وتعذيبهم في حال فشلهم، لأنكم أعلم مني بذلك. ولكنني أحب أن ألفتكم إلى عظمة هؤلاء (المضطهدين)، وتمسكهم، رغم آثار التعذيب الظاهرة على أجسامهم، بروحهم الرياضية، وبمزاولتهم لتمارينهم الشاقة، ولهذا تعاطفت معهم الشعوب، وانحنت لهم الرقاب.

أتركوا السياسة جانباً، وتعالوا نلتف حول رياضيينا، أياً كانوا، ومن أي بلد جاؤوا، كما تلتف الشعوب الناضجة حول أبطالها الحقيقيين المتوجين بالغار الألومبي، فالسياسة والرياضة لا تلتقيان، إنهما ضدان أبديان، الأولى تدمّر وتميت، والثانية تعمّر وتحيي، وصدق من قال: إن رياضياً واحداً يساوي بالحساب الدولي ألف سياسيّ. فكم بالحري، إذا كان هذا الرياضي يمثّل وطناً أحرقته السياسات، ودمرته نرجسية زعمائه.

أيام فقط، تفصلنا عن إضاءة الشعلة الألومبية، فلنضء نحن أيضاً، أينما كنّا، وفي أي بلد حللنا، شمعة من أجل نصرة أبنائنا وبناتنا دون استثناء.. خاصة أعضاء الفريق العراقي البطل.

[email protected]
أستراليا