كنتُ أناقشُ واحداً من المتشددين، من أولئك الذين يعتقدون إعتقاداً راسخاً انهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، وأن رأيهم ومعتقداتهم هي الصواب المطلق، وأن رأي غيرهم هو الضلال المطلق؛ وأن نجاة العالمين وهدايتهم يتوقف على إتباع أفكارهم و اجتهاداتهم؛ وبالتالي فإن من شذ عنهم، وخالف أفكارهم ومعتقداتهم، فقد شذ في النار بكل تأكيد . وكان نقاشنا عن مدى مشروعية " قتل الغيلة في الإسلام " على خلفية ما يقوم به المتطرفون من أعضاء القاعدة، من قتل مخالفيهم غيلة، والتمثيل بهم . وكم كانت دهشتي كبيرة عندما أصر أخونا، وبكل إطمئنان، على أن إغتيال العدو المخالف، والغدر به، سنة نبوية، أمر بها الرسول عليه الصلاة والسلام، وأيدها في مواقف كثيرة . ثم ساق لي روايات يقول أنها صحيحة وثابتة، تؤكدُ ما يذهب إليه . يقول:

أولاً: إغتيال عصماء بنت مروان:
أرسل الرسول عميراً بن عدّي إلى عصماء بنت مروان وأمره بقتلهالأنها ذمَّته. فجاءها ليلاً، وكان أعمى، فدخل عليها بيتها، وحولها نفر من ولدها نيام ومنهم مَن ترضعه. فجسَّها عمير بيده، ونحَّى الصبي عنها، وأنفذ سيفه من صدرها إلى ظهرها. ثم رجع فأتىالمسجد فصلى، وأخبر الرسول بما حصل، فقال الرسول: لا ينتطح فيها عنزان، وأثنى على عمير ثناءً جميلاً، ثم أقبل الرسول على الناس وقال: من أحب أن ينظر إلى رجل كان في نصرة الله ورسوله فلينظر إلى عمير بن عدي .

ثانياً: إغتيال أبي عفك اليهودي:
أبي عفك اليهودي كان يقول الشعر في هجو الرسول . ( فقال رسول الله: مَن لي بهذا الخبيث؟)، وفي ليلة حارة نام أبو عفك بفناء منزله، وعلم سالم به، فأقبل إليه ووضع سيفه على كبده فقتله.

ثالثاً: إغتيال كعب بن الأشرف:
لما بلغ الرسول أن كعباً بن الأشرف كان يهجوه، ويحرض قريشاً عليه، أرسل خمسة رجال، منهم أبو نائلة أخو كعب من الرضاعة لقتله. فمشى معهم الرسول إلى بقيع الفرقد ثم وجَّههم وقال: انطلقوا على اسم الله، اللهم أعِنهم . ثم رجع الرسول إلى بيته وهو في ليلة مقمرة. فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصن كعب وكان حديث عهد بعرس، فهتف أبو نائلة، فوثب كعب في ملحفته خارجاً آمناً إذ عرف صوته، فغدروا به وقتلوه وأخذوا رأسه ثم عادوا راجعين حتى بلغوا بقيع الفرقد فكبَّروا. فلما سمع الرسول تكبيرهم كبَّروعرف أنهم قتلوه. ثم انتهوا إليه وهو قائم يصلي فقال أفلحت الوجوه. قالوا وجهك يا رسول الله. ورموا برأسه بين يديه! .

رابعاً: إغتيال أبي رافع بن عبد الله:
أرسل الرسول عبدَ الله بن عتيك، ومعه أربعة رجال لقتل أبي رافع بن عبد الله لمعاداته لمعاداته للرسول. فلما هدأت الأصوات جاءوا إلى منزله فصعدوا درجة له وقدموا عبد الله بن عتيك لأنه كان يرطن باليهودية. فاستفتح وقال: جئت أبا رافع بهدية!، ففتحت له امرأته، فلما رأت السلاح أرادت أن تصيح، فأشار إليها بالسيف فسكتت، فدخلوا عليه فعـلّوه بأسيافهم وقتلوه.

خامساً: إغتيال سلام بن أبي الحقيّق:
وأمر الرسول بقتل سلام بن ابي الحقيّق كما ذكر ابن إسحق قال: إن بني الأوس وبني الخزرج كانا يتصاولان في غيرتهم على الإسلام . فذكرت الأوس أنهم قتلوا كعب بن الأشرف، فقالت الخزرج فوالله لايذهبون بها فضلاً علينا أبداً. قال: فتذاكروا من رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف، فذكروا ابن أبي الحقيق وهو بخيبر. فاستأذنوا رسول الله من بني سلمة خمسة نفر - عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان، وعبد الله بن أنيس، وأبو قتادة الحرث بن ربعي، وخزاعة بن أسود حليف لهم من أسلم، وأمَّر عليهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.عبدَ الله بن عتيك. فقتلوه.

سادساً: إغتيال أم قرفة:
وقبل قتل ابن أبي الحقيق بقليل قُتلت أم قرفة بأمر زيد، وذلك بأن ربط القوم رجليها إلى جملين ألزموهما بالسيرإلى طريقين متعاكستين، فانشقت أم قرفة وتقطعت، فهنّأ الرسول زيداً بعمله، ولم يوبخه على هذا التوحّش .

سابعاً: إغتيال ابن شيبينة:
روى ابن اسحق قال: قال رسول الله: " مَن ظفرتم به من رجال اليهود فاقتلوه! . فوثب محيصة أبن مسعود على ابن سنينة، رجل من تجار اليهود كان يلابسهم ويبايعهم، فقتله، فلامه أخوه، فقال لاخيه: والله لقد أمرني بقتله مَن لو أمرني بقتلك لضربت عنقك" .


والسؤال الذي يطرحه هذا الموضوع وبقوة: ما مدى صحة هذه الروايات، وهل يُمكن الإعتماد عليها في إثبات جواز أغتيال الأعداء في الإسلام أم لا ؟ . ففي تقديري أن هذه قضية في منتهى الخطورة، يجب تفنيدها، وتمحيصها، وتبيانها للناس، وبالذات صغار السن تحديداً، قبل أن يُحول هؤلاء الإرهابيون المتشددون بلادنا إلى غابة من الوحوش التي يفترس بعضها بعضا مثلما هم يفعلون الآن، ويدّعون أن ما يقومون به من إرهاب و إغتيالات تدعمه أدلة من السنة، ومن ممارسات الرسول السياسية .