إذا أردت أن تحكم على السلطة في أي من البلدان، راقب شرطي السير: هل يقوم بواجباته؟ هل يرعب السائقين المخالفين؟ وهل لقبّعته هيبة الدولة أم لا؟ونحن في لبنان لـم نراقب عناصر الجيش، ولـم نراقب رجال الأمن العام في المطار، بل راقبنا شرطي السير، لنحكم على مدى احترام المواطن للسلطة. وأثناء مرورنا بمنطقة التل في طرابلس، سمعنا صفّارات قوية، تبعتها حركات وتنقلات غريبة قام بها بعض السائقين المخالفين، منهم من هرب، ومنهم من وقع في المصيدة، ومنهم من حاول أن يتكلّم مع الشرطي دون جدوى، فدفتر المخالفات بحاجة إلى مخالفين، وما أكثرهم في لبنان!! ولكن، وللأسف، ما أن يختفي الشرطي عن الأنظار حتى تعود الفوضى إلى سابق عهدها، وكأن شيئاً لم يكن.
سائق واحد لفت نظرنا، لـم يخف ولـم يهرب، بل ظلّ واقفاً مكانه، يراقب الشرطي وهو يتصيّد طرائده، فاقتربنا منه وسألناه:
ـ لماذا لـم تهرب كالآخرين؟!
ـ لأنني لا أخالف.. جميعهم يقفون في وسط الطريق.. أما أنا فأقف في المكان المخصص للوقوف.. الشطارة على القانون غير مستحبّة عندي.
ـ وما اسمك؟
ـ غسّان.. من باب الرمل.
ـ هل لك أن تخبرنا عن أجمل حادثة حصلت معك أثناء القيادة..
ـ أنا أحترم القانون، وأحب التقيّد بالنظام، وخاصة قانون السير، وكنت في كل مرّة أنتقل بها من خط إلى خط أضع الإشارة ليعرف السائق الذي خلفي أنني سأنتقل إلى الجهة الأخرى، فكان يشتمني ويصوّب نحوي إصبعه بطريقة غير لائقة..
ـ لماذا؟!
ـ لأنني وضعت الإشارة، وما من أحد يضعها على الاطلاق وبإمكانكم معاينة ذلك. فوضى السير يجب أن يضعوا لها حداً.
ـ وماذا عن الشارة الحمراء؟
ـ لا أحد يتوقف عليها.. معظم السائقين لا يعرفون لماذا وضعت على الطرقات، هم يعتبرونها زينة شوارع ليس إلاّ.
ـ وهل تتوقف أنت عليها؟
ـ كل مرة أتوقف عليها أعرّض نفسي لخطر اصطدام أحدهم بي من الخلف، المسألة ليست آمنة، فإذا لم يصدمك السائق الآخر من الخلف سيشتمك لأنك تسد عليه الطريق وتمنعه من إكمال سيره. حالة لا تطاق. قيادة السيارة في لبنان تجعلك تنهار جسدياً وعقلياً، فالكل يطاحش، والكل يزمّر، والكل يخالف، والطريق التي رسموا عليها خطين، أي أنها تصلح لمرور سيارتين فقط، تتحول إلى عشرين خط وقت الزحام، فكيف ستصل إلى بيتك دون تعرضك لحادث ما. منذ مدة صدموا امرأة على أوتستراد بيروت، بقيت مشلوحة على قارعة الطريق لساعات طويلة والناس، كل الناس، بما فيهم الأطفال يتفرجون على هذا المنظر الموجع دون أن يتحرك مسؤول ما ويقوم بتغطية الجثة. الإنسان في لبنان لا ثمن له، إنه أرخص من الفجل.
ـ وما هو الحل بنظرك؟
ـ سحب رخصة القيادة من كل سائق لا يحترم القانون، وإجباره على دفع غرامة مالية موجعة، عندها يختفي شرطي السير من الشوارع ليحل القانون مكانه.
إلى السائق المثالي غسان تحيتنا، وإلى شرطي السير الذي أرعب السائقين المخالفين محبتنا واحترامنا، وإلى جميع الذين تمسّك بهم هذا الشرطي الشجاع نرسل أسفنا وتأنيبنا.. فلبنان لن يقوم من كبوته والفوضويون يعيثون فيه فساداً.
كونوا تحت القانون يا أبناء وطني ليحميكم القانون..
بئس وطن يتسلق المواطنون على قانونه ويتزحلقون. وبئس مواطن يتشاوف بتلاعبه على القانون، وبئس حاكم يسن القانون و(يمسّح) بأوراقه.
لا تخف، يا وطني لبنان، فشرطي السير سيمشّي سيرك بإذن اللـه.

[email protected]