لم تعد المأساة السودانية مجرد صراع مسلح بين طرفين متنازعين على السلطة، بل تحولت إلى اختبار حقيقي لضمير المجتمع الدولي وقدرته على الدفاع عن المبادئ التي يرفعها، وفي مقدمتها حماية المدنيين وحق الشعوب في حكم مدني شرعي. فمنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، يدفع السودانيون ثمن صراع عسكري ، لا رابح فيه سوى الفوضى، ولا خاسر فيه سوى الدولة والمجتمع.

الواقع على الأرض يثبت أن استمرار الحلول العسكرية لم ينتج سوى تعميق الانقسام وتوسيع رقعة الدمار. فالقصف العشوائي، وعرقلة المساعدات الإنسانية، والانتهاكات الممنهجة بحق المدنيين، تحولت إلى نمط متكرر يعكس غياب أي التزام فعلي بقواعد القانون الدولي الإنساني. والأخطر من كل ذلك هو تداول تقارير متزايدة عن استخدام أسلحة محظورة، ما ينذر بانزلاق السودان إلى مستويات غير مسبوقة من العنف.

إن تحميل المسؤولية لطرف واحد فقط لم يعد مقنعاً. فالصراع الحالي هو نتيجة مباشرة لانهيار المسار الانتقالي بعد إطاحة الحكومة المدنية في عام 2021، حين اختار القادة العسكريون تقويض الشراكة السياسية لصالح منطق القوة. ومنذ ذلك الحين، دخل السودان في حلقة مفرغة من التجاذبات المسلحة، فكان من الطبيعي أن تنتهي إلى مواجهة مفتوحة بين مراكز النفوذ العسكري نفسها.

المواقف الدولية الأخيرة، بما في ذلك العقوبات الأمريكية والاوروبية، تعكس إدراكاً متأخراً لحجم الكارثة وتبقى غير كافية ما لم تُترجم إلى ضغط سياسي منسق يفرض وقفاً حقيقياً لإطلاق النار. فالتجارب السابقة أثبتت أن اي هدنة المؤقتة غير المقرونة بمسار سياسي واضح، لا تؤدي سوى إلى إعادة ترتيب الصفوف واستئناف القتال.

فلا يمكن تصور استقرار في السودان في ظل غياب سلطة مدنية مستقلة، قادرة على إدارة مرحلة انتقالية شاملة، تمثل مختلف مكونات المجتمع، وتضع حداً لتغول السلاح على الدولة. إن أي تسوية لا تنتهي بانسحاب العسكريين من المشهد السياسي ستبقى تسوية هشة، قابلة للانفجار عند أول اختبار.

السودان يقف اليوم على مفترق طرق حاسم. إما استمرار منطق القوة الذي يدفع البلاد نحو التفكك، أو استعادة المسار المدني بوصفه الخيار الوحيد القادر على وقف النزيف، وإعادة بناء الدولة على أسس الشرعية والمساءلة. وما لم يتحرك المجتمع الدولي بوضوح وحزم لدعم هذا الخيار، فإن ثمن التردد سيظل يُدفع من دماء المدنيين ومستقبل بلد بأكمله.