في 10 كانون الأول (ديسمبر)، يوم حقوق الإنسان، تحوّل البرلمان الأوروبي في بروكسل إلى منصة دولية لمناقشة أحد أكثر الملفات تعقيداً في السياسة العالمية: واقع حقوق الإنسان في إيران، وسبل محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الواسعة التي تشهدها البلاد.

شارك في المؤتمر الثاني حول هذا الملف سياسيون، حقوقيون، رؤساء مؤسسات قضائية عالمية، ونشطاء من مختلف الاتجاهات، لكن اللافت أنَّ جميع المداخلات تلاقت على نقطة واحدة: الوضع في إيران تجاوز حدود الانتهاكات التقليدية ووصل إلى مستوى يلامس الجرائم ضد الإنسانية، وربما الإبادة كما قال بعض الخبراء.

كانت كلمة مريم رجوي واحدة من أبرز محطات المؤتمر، إذ وصفت المشهد الإيراني بقولها إنّ «الملف الحقوقي في إيران مفتوح على مدار الساعة». وفي استعراض لأرقام صادمة، قالت إن شهر تشرين الثاني (نوفمبر) شهد إعدام 335 شخصاً، وهو رقم يعكس تسارعاً غير مسبوق في تنفيذ الأحكام.

أضافت رجوي أنَّ النظام أصدر أحكام إعدام بحق 18 سجيناً سياسياً بتهمة دعم منظمة مجاهدي خلق، معتبرةً أنَّ هذه الموجة الجديدة تذكِّر بما جرى في صيف 1988 حين أُعدم 30 ألف سجين سياسي.

وطالبت رجوي الاتحاد الأوروبي بضرورة إنهاء سياسة الصمت، وإغلاق سفارات إيران التي تمارس — بحسب قولها — دوراً أمنياً واستخباراتياً ضد المعارضين.

سفير العدالة الجنائية الدولي السابق في الولايات المتحدة، ستيفن راب، أكد أنَّ الإعدامات المتسارعة «تُشكل جرائم ضد الإنسانية بوضوح».

أما القاضي جاليمس فذهب أبعد، قائلاً إنَّ استهداف النساء والأقليات «يدل على نيَّة واضحة لإبادة جزء من المجتمع».

كومي نايدو، الأمين العام السابق لمنظمة العفو الدولية، دعا بدوره الاتحاد الأوروبي إلى تبنِّي ست نقاط عاجلة تبدأ بوقف الإعدامات، مروراً بإنشاء آلية تحقيق دولية، وصولاً إلى حماية المعارضين في أوروبا.

نواب من عدة كتل سياسية تحدثوا عن فشل سياسة «الانفتاح» السابقة تجاه إيران، مشددين على أنَّ النظام الإيراني استغل هذا الانفتاح لتوسيع نفوذه الإقليمي.

النائب خوان لوبيز أغيلار، وزير العدل الإسباني السابق، أكد أنَّ التزام الاتحاد الأوروبي بحقوق الإنسان يجب أن يُترجم إلى سياسات عملية، خصوصاً مع «الارتفاع غير المسبوق في الإعدامات».

النائب أنطونيو لوبيز إستوريز دعا بوضوح إلى تصنيف الحرس الثوري منظمةً إرهابية، وإلى ربط أي علاقة مع طهران بتحسن ملموس في ملف حقوق الإنسان.

أحد أبرز ملامح المؤتمر كان الاعتراف المتكرر بالدور السياسي والاجتماعي للمقاومة الإيرانية، وخاصة منظمة مجاهدي خلق التي وصفها عدد من المتحدثين بأنها «الحركة الأكثر تنظيماً» داخل إيران.

القائد العسكري الفنلندي السابق بيِّكا توفّري قال إنَّ «البديل الديمقراطي الذي تطرحه رجوي هو الأكثر واقعية»، وإنَّ الشعب الإيراني «لا يريد العودة لا إلى التاج ولا إلى العمامة».

كما استعرض الدكتور سينا دشتي تجربة جيله مع القمع، مؤكداً أنَّ «المجتمع الإيراني دفع ثمناً باهظاً من أجل فكرة الجمهورية الديمقراطية العلمانية».

من اللحظات المؤثرة في الجلسة إعلان بيان وقَّعت عليه 400 شخصية نسائية عالمية، من رؤساء دول إلى برلمانيات وناشطات، للمطالبة بوقف إعدام السيدة زهرا طبري.

قضيتها تحولت إلى رمز لكونها أُدينت في جلسة استغرقت عشر دقائق فقط لأنها رفعت شعار «امرأة، مقاومة، حرية».

البيان حذَّر من أنَّ إعدامها سيكون بداية موجة جديدة تستهدف النساء المعارضات.

ما خرج من بروكسل لا يشبه البيانات الدبلوماسية التقليدية. كان هناك خطاب واضح يربط بين:

الإعدامات المتصاعدة والقمع الداخلي وأدوار إيران الإقليمية ووجود بديل سياسي منظم.

يتجه المزاج الأوروبي — وفق ما ظهر في المؤتمر — نحو التعامل مع إيران بمنطق المحاسبة، وليس المساومة. وبينما يرى البعض أنَّ هذا التحول تأخر، فإنَّ آخرين يعتبرونه بداية مرحلة جديدة قد تعيد رسم علاقة أوروبا بإيران، على أساس احترام حقوق الإنسان وحق الشعب الإيراني في تقرير مستقبله.