و"معازيم" الحفل ليسوا ضمن النخبة المفكرة


من هو المفكر؟.
كان هذا هو السؤال الذي أثار حفيظة الدكتور شاكر النابلسي الذي رد على مقالي بمقالة نُشرت في " إيلاف " التي نشرت فيها مقالتي ثم في صحيفة " الوطن ". ولست بصدد مناقشة مسألة مؤسسة الفكر العربي التي يرأسها من أتشرف بالانتماء الوطني له الأمير خالد الفيصل، ووالده الملك فيصل بن عبدالعزيز (رحمه الله)، لأن الفكرة في أساسها إنسانية وتأتي وتندرج في سياق نهج المملكة العربية السعودية وولاة أمرها الذين يستشعرون مسؤوليات أرض الحرمين الشريفين تجاه الدنيا والناس في العالم كله.

ضبط المصطلحات
وقد إتضح لي من العديد من الرسائل والفاكسات والرسائل الالكترونية التي وصلتني أن كثيراً من الذين منهم لم يفهموا أو يستوعبوا مصطلح المفكر الذي أعنيه.
ويبدو أن هذه واحدة من محطات الفكر العربي التي يجب أن نتوقف عندها كثيراً، ألا وهي عملية ضبط المصطلحات والمفاهيم.
وحقيقة : من هو المفكر؟.
أسأل هذا السؤال لأنني ألاحظ خلطاً غريباً في عمل مؤسسة الفكر العربي وهي تقيم المهرجانات الموسمية.
بينما يجب أن نحدد منذ البدء من المفكر.
فكلنا يعلم أننا لا يمكن أن نطلق صفة المفكر على باحث أو كاتب صحفي أو أستاذ جامعي مثلاً لا على الحصر.
فالمفكر هو مبدعً، غاص في مجاله المعرفي، ثم غاص في واقعه، وأبدع فكرة جديدة غير مسبوقة، ولا يشترط أن يكون هذا المفكر في مجالٍ معرفي محدد، قد يكون موسيقياً أو نظرياً، أو أدبياً، فأياً كان المجال المعرفي الذي ينتمي إليه، فهو مفكر أو مبدع.

وضبط المعايير
حسناً وفق هذا المعيار كم لدينا في الوطن العربي من مبدعين ومفكرين أو ممن يستحقون أن نطلق عليهم هذه الصفة؟.
مؤكد أن عددهم في كل الوطن العربي لا يتجاوز أصابع اليدين.
لا يمكن، ولا يصح أن نبخس الناس أشيائهم.
ولكننا لا يمكن أن نبعثر الأشياء بهذا الشكل الفوضوي.
فهناك صحفيون وكتاب صحفيين جيدون ومغنون ممتازون وملحنون على درجة عالية من الكفاءة، وباحثون مجتهدون في مختلف المجالات المعرفية علمية تطبيقية وإنسانية، ولكن هل يمكن أن نطلق عليهم صفة أنهم مفكرين؟.
فالمفكرون صفوة، وقلة في أي مجتمع بشري، ويعدون على الأصـابع. ولكننا، وبسبب اختلاط المعايير وعدم ضبط المصطلحات صرنا نطلق على الجميع صفة المفكر، وحين تقوم مؤسسة مثل مؤسسة الفكر العربي بإقامة مؤتمر تحت هذه اللافتة، تحسب إدارتها بأن كتاب الصحف والصحفيين والباحثين ومسئولي العلاقات العامة بالوزارات المختلفة وبعض الأكاديميين وأسـاتذة الجامعات بأنها جمعت المفكرين العرب.
فما هو المعيار الذي بموجبه يتم تحديد من هو المفكر والذي يمكن أن نطلق عليه الصفة؟.
هذه كانت هي النقطة الجوهرية فيما طرحته.
ومن هو، أو هي الجهة المؤهلة لهذا التحديد؟
هل هي إدارة المؤسسة أو موظفيها؟
أليست هذه قضايا جديرة بالتفكير؟.
أعرف أن بعض موظفي العلاقات العامة ببعض الوزارات من هنا وهناك قد دعوا إلى مؤتمرات مؤسسة الفكر العربـي فهل تمت دعوتهم باعتبارهـم مفكرين عرب؟!.
إنهم يمكن أن يحسبون أنفسهم مفكرون... ولكن هل هم كذلك؟.
فإلى أين يقودنا هذا؟.

هذا هو الطريق
أفهم، ويفهم الجميع، أننا حين ندعو إلى مؤتمر للمفكرين فإننا يجب أن ندعو النخبة المفكرة العربية في مختلف المجالات المعرفية والإبداعية، وعددهم كما ذكرت لا يمكن أن يتجاوز أصابع اليدين، فبلد مثل أمريكا مثلاً لا يتجاوز عدد مفكريها ثلاثة أشخاص الآن مثل نعوم تشومسكي والفسلطيني الراحل إدوارد سعيد.
أتصور، وهذا هو المنطقي، أن يجتمع هؤلاء العشر مفكرين في العالم العربي، إذا كان لدينا مثل هذا العدد، كي يطرحون على الطاولة قضايا الأمة ويُتركوا لشأنهم، بعيداً عن أجهزة الإعلام، وبعد أن يخرجون بإجابات على الأسئلة الملحة التي تُلح على الأمة، أن نقيم حفلاً احتفالياً ندعو إليه سائر المدعوين من معازيم الحفل من كتاب الصحف ورؤساء التحرير وموظفي العلاقات العامة بوزارات الثقافة والإعلام في الدول العربية والكتاب والفنانين لنطلعهم على ما توصل إليه هؤلاء المفكرين من خلال اجتماعاتهم.
أما أن نعكس الآية فهذا ما لا يليق ولا يمكن أن يحقق أهداف المؤسسة وفكرتها السامية، التي بُذل من اجلها ما بُذل.


النظم المؤسسية
إذن السؤال الآن : كيف نحقق هذا؟
والإجابة مثلما قلت من قبل تتمثل في أننا يجب أن نتأكد من الجهة التي تحدد من هو المفكر، وما هي المعايير المعتمدة في هذا التحديد؟.
ثانياً : وطالما مؤسسة " الفكر العربي" ألزمت نفسها بهذه المهمة فيجب أن تتحرى الدقة في تحقيق هذه الشرود، وهذا يجب أن يفهمه كل من له عقل.
أي أن نُخضع هذه الأمور لنظم مؤسسية، وهذا ما ظللت أنادي به دوماً في كل ما أكتب، وأعني به ترسيخ القيم المؤسسية.

أكاديمي وكاتب ســـعودي

[email protected]