في عام 2000 القى القبض على د. سعد الدين إبراهيم وحبسه وتقديمة للمحاكمة بعد ذلك بتهم ملفقة لا تستند على أسس قانونية أو أخلاقية صلبة وكان يشتم من الموضوع كله رائحة شخصية لتصفية خلافات سياسية مع الرجل. وحكمت عليه أحدى محاكم أمن الدولة بسبع سنوات قضى منها سنة، ومع الضغوط الدولية تم تحويل قضيته إلى القضاء المدني الذي لم يحكم ببراءته فقط وإنما قدم حيثيات هامة فيما يتعلق بحرية المجتمع المدني المصري في الأتصال بنظيره الدولي وفي الحصول على التمويل اللازم لممارسة نشاطه من المجتمع الدولي طالما أن ذلك يتم بشفافية ويتم المحاسبة عنه ضريبيا. أرسي حكم محكمة النقض أسس هامة كنا نظن أن من قاموا بفعلتهم ضد سعد الدين إبراهيم قد اتعظوا منها ومن الخطأ الجسيم الذي أرتكبوه في حق سمعة مصر الخارجية وحقوق مواطنيها.

تابعت قضية سعد الدين إبراهيم بدقة من موقعى في أمريكا واعتقد أنه في تاريخ مصر الحديث كله لم يكتب هذا الكم من المقالات والتحليلات والأخبار في الصحافة الأمريكية مثلما كتب لمساندة والدفاع عن سعد الدين إبراهيم، فالضمير الثقافي والأخلاقي الأمريكي لم يقبل أن يسجن شخص بوزن سعد الدين إبراهيم وفي سنه، فهو أستاذ بالجامعة الأمريكية، وهو أمريكي الجنسية، وهو متزوج من أستاذة نشطة وصلبة جدا هي باربارا إبراهيم، وهو أهم داعية للمجتمع المدني والديموقراطي في منطقته، وهو وقتها تعدي الستين عاما من عمره، وهو في النهاية يحمل قلم ولا يملك مسدسا وحوكم على أنشطته الإيجابية لصالح تطوير مجتمعه.

رغم الكم الكبير من المقالات والتحليلات في الصحافة الأمريكية والغربية لمساندة سعد الدين إبراهيم بما في ذلك عدد من افتتاحيات الصحف العالمية الكبرى إلا أن الحكومة المصرية تعاملت مع الموقف بأذن من طين وأخرى من عجين، دخل كثير من المسئولين الأوربيين و الأمريكيين بنقد قرار الاعتقال، وكذلك طلبوا من الحكومة المصرية الإفراج عنه أو تقديمه لمحاكمة عادلة، وتعاملت الحكومة المصرية مع كل ذلك بالتمادي في العند والإدعاء بالسيادة والاستقلالية والكثير من هذا اللغو. تزامن مع ذلك إطلاق أكبر حملة إعلامية مصرية موجهة من الحكومة وأجهزتها لتشويه سمعة الرجل وإلصاق كل نقيصة وطنية وأخلاقية به بطريقة أظهرت كيف يدار الإعلام المصري من قبل الأجهزة الأمنية.
ولم ينقذ الموقف إلا تدخل الرئيس الأمريكي ذاته على الخط وتهديده باتخاذ إجراءات عقابية صارمة ضد مصر فيما يتعلق بالمعونة الأمريكية، وقتها تم بسرعة تحويله إلى محكمة مدنية على أعلى مستوي ولم تصمد التهم الواهية التي قدمتها الحكومة ضده أمام قضاء عادل، وخرج سعد الدين إبراهيم منتصرا من المعركة.

منذ القبض الأول على سعد الدين إبراهيم وحتى كتابة هذه السطور وسمعة النظام المصري في تدهور مستمر، وسلطت القضية الضوء على هذا النظام، وبعد أحداث 11 سبتمبر ومطالبة الغرب بإصلاحات في العالم العربي، اتضح بشكل أكثر مدي جمود النظام وإصراره على خلط كل الأوراق من أجل أستمراره وشلة المنتفعين حوله.

من مناورات سنة الانتخابات حاول النظام المصري البحث عن موطئ قدم جديد له في الخريطة الجديدة للشرق الأوسط بالتدخل في القضية التي يجيدها وهي قضية فلسطين، وأصبحنا نسمع الرئيس مبارك يمتدح شارون بمناسبة وبغير مناسبة. وأتخذت عدة خطوات تجاه إسرائيل ونحوالملف العراقي كلها تصب فى محاولة تدفئة العلاقات مع أمريكا وتحييدها فيما يتعلق بتطورات الداخل المصري واستمرارية النظام بشكل أو بأخر.

فجأة يتم القبض على أيمن نور وفقا لأسباب تبدو بوضوح ملفقة أيضا، إذا كيف يتم الموافقة على حزب بناء على توكيلات والزعم بعد ذلك بأنها مزورة ؟!، وهل من مهمة رئيس الحزب التأكد من صحة كل توكيل يصله؟! العملية كلها غير مقنعة وغير مريحة، فالمفروض قبل الموافقة أن يتم التأكد من صحة التوكيلات وإلا بناء على ماذا يتم منح الترخيص ؟
إن الأسابيع التي تلت تأسيس الحزب أعلنت عن نفسها أنه حزب حقيقي نشط به أعضاء كثيرون وشخصيات هامة.

ومثلما خرج حزب الغد بشكل مفاجئ وبسرعة نسبيا مثلما تم تدبير التهم لرئيسه بنفس السرعة أيضا !! ولم يراعي عضويته في مجلس الشعب ونقابتي المحاميين والصحافين ورئاسته لحزب ونشاطه المتزايد في المجتمع المصري، كما أن طريقة والسرعة في إسقاط الحصانة عنه تعلن عن نفسها بأن مجلس الشعب،الذي يدعي إنه سيد قراره، جاءته أوامر عليا نفذها كما ينفذ موظف صغير تعليمات رئيس المؤسسة، وهذا أيضا يلقي الضوء على مأساة الخلط بين السلطات الثلاثة في بلد يدعى أنه يتجه ناحية الديمقراطية. كما أن حبس نور أيضاً وهو شخصية عامة لن يهرب من البلد يوحي هنا بالانتقام منه ومحاولة تأديبه.

لقد سمعت عددمن التخمينات حول سبب أعتقال أيمن نور المفاجئ ولكن لي رأي أخر فيما يتعلق بقضيتي سعد الدين إبراهيم وإيمن نور وفي تعامل النظام المصري مع مثل هذه القضايا. من خلال متابعتي لسلوك النظام المصري الحالي على مدي عقدين استطيع القول أن هذا النظام لا يتسامح ازاء فكرتى التأثير وفكرة التعامل مع الخارج وبالمناسبة هما فكرتان متلازمتان.

بالنسبة لفكرة التأثير، لا مانع لدي النظام المصري أن تصيح وتشتم وتنتقد وتتطاول حتى على رأس النظام نفسه طالما أن هذه الأفعال تتم في الداخل وبشكل محلي محدود، ويستطيع المرء ملاحظة ذلك من قراءة بعض الصحف المحدودة الأنتشار وهي تقول كل شيء ضد النظام وكله يتم في إطار اللعبة الداخلية.

إذا خرجت عن التهريج المحلي إلى التأثير عن طريقة تقوية ذاتك بالمجتمع الدولي، فأنت في هذه الحالة ستصبح مستهدفا من قبل النظام المصري. إذن فكرة التأثير الحقيقي في مصر في أي قضية هي مرتبطة بالخارج وليس بالداخل، والخارج هنا يعني مراكز صنع القرار الدولي والتأثير فيه وهي العواصم الغربية وفي مقدمتها وأهمها بالطبع العاصمة واشنطن.
وبالنسبة لأيمن نور ففي حزبه مجموعة من الشخصيات تستطيع أن تترجم طموحه إلى علاقات أقوى مع الخارج تجعل من هذا الحزب رقم في المعادلة المصرية. من خلال متابعتى لما يحدث فى الغرب استطيع أن أجزم أن الغرب وخاصة أمريكا لا تعرف بدقة حجم التأثير السياسي الحقيقي للقوى المحلية ولكنها تعرف من يتصل بها ويحاورها،وهي تحوله من رقم ضعيف في المعادلة إلى رقم يحسب له ألف حساب، فالدول التي تسيطر عليها الحفريات الفكرية، والشلل السياسية الفاسدة، والأنظمة المستبدة يكون تأثير الداخل عليها ضعيفا ويبقي الخارج عاملا أساسيا من عوامل التغيير في هذه المجتمعات.

لقد تحول سعد الدين إبراهيم من عالم اجتماع معروف دوليا قبل القبض عليه إلى أهم شخصية عربية في العالم الغربي بعد القبض عليه، يساهم بفاعلية بأفكاره ومحاضراته ولقاءاته مع كبار المسئوليين، لقد أصبح مسموعا على أعلى مستوي من قبل المثقف وصانع القرار في الغرب، ومجموعة المقالات التي كتبها في العامين الأخيرين في الواشنطن بوست والوول ستريت جورنال عن مصر والمنطقة العربية أزعم انها أخذت بشكل جاد اثناء صياغة مشروع مجموعة الثمانية لإصلاح المنطقة العربية. ومع الفارق الشاسع بين سعد الدين إبراهيم وأيمن نور، إلا أن حبس أيمن نور بالتأكيد سيحسب لصالحه في النهاية بشكل أو بأخر، إذا احسن استثماره، ويكفي ما حدث من إدانة أمريكية فورية على أعلى مستوي لمسألة حبسه ,وما نشر فى كبريات الصحف كالنيويورك تايمز والواشنطن بوست والوول ستريت جورنال حول مسألة القبض عليه وأدانة ذلك.

في السنوات الأخيرة أنقسم العالم العربي إلى فريقين فيما يتعلق بالخارج، فريق محترم وواقعي وواعي للتغيرات العالمية، وهذا الفريق يرى أن مراكز التأثير في الديكتاتوريات المحلية يأتي من الخارج، وأن التحالف مع التيار الدولي من أجل الإصلاح أصبح محل اجماع بين الشخصيات المحترمة التي تسعي بجد لإصلاح مجتمعاتها. وهناك فريق آخر يتألف من النظم الفاشية الحاكمة، والشلل الفاسدة المحيطة بها مع التيارات الفكرية القديمة وكلهم ألتقوا على أرضية واحدة وهي رفض أي شئ من الخارج، وفي النهاية هذا التحالف غير المقدس يسعي لإستمرار الاستبداد والفساد بطريق أو بأخر سواء باستمرار الاستبداد الحالي أو استبداله بنوع جديد من الاستبداد، فقط تغير شكل الاستبداد.
إن المصلحين يدركون تماما أن التغيير الحقيقي يدعمه التحالف مع الإصلاحيين الدوليين بما في ذلك القوى الغربية التي تدعم الإصلاح حاليا حتى ولو كان لمصلحة غربية، فالمصلحة في النهاية سوف تعود على الطرفين.

الرسالة لأيمن نور هى لا تنزعج لأنها فرصتك لأن تحاول أن تتخلص من الشوائب في تاريخك وتقدم نفسك للعالم كشخصية جادة ترأس حزب واعد به كوادر صالحة للمشاركة في التغيير، والغرب بالتأكيد طرف أساسي في معادلة التغيير الداخلي، والأمر في النهاية يتوقف على صلابتك الشخصية ومنظومتك القيمية والأخلاقية، فإذا كنت تملك الصلابة والقيم فستنتصر بشكل باهر في النهاية، وإن لم، ستصبح جزء من لعبة التهريج الداخلي.

[email protected]